أهم علامات الوفاء بين الزوجين

محرر الأسرة

12 مايو 2025

146

أورد ابن هشام في السيرة أن أَبا الْعَاصِ بن الربيع كان مِنْ رِجَالِ مَكَّةَ الْمَعْدُودِينَ؛ مَالًا، وَأَمَانَةً، وَتِجَارَةً، وَكَانَتْ خَدِيجَةُ خَالَتَهُ، فَسَأَلَتْ خَدِيجَةُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُزَوِّجَهُ، فزوَّجه، وَكَانَتْ تَعُدُّهُ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِهَا، فَلَمَّا أَكْرَمَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنُبُوَّتِهِ آمَنَتْ بِهِ خَدِيجَةُ وَبَنَاتُهُ، فصدَّقْنه، وشَهدْن أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ الْحَقُّ، ودِنَّ بدينه، وثبت أبو العاص على شركه، فَلَمَّا بَادَى قُرَيْشًا بِأَمْرِ الله تعالى وبالعداوة، قالوا: إنكم قد فَرَّغْتم مُحَمَّدًا مِنْ هَمِّهِ، فردُّوا عَلَيْهِ بناتِهِ، فَاشْغَلُوهُ بهنَّ فَمَشَوْا إلَى أَبِي الْعَاصِ فَقَالُوا لَهُ: فَارِقْ صَاحِبَتَكَ وَنَحْنُ نُزَوِّجُكَ أَيَّ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ شئتَ، قَالَ: لَا وَاَللَّهِ، إنِّي لَا أُفَارِقُ صَاحِبَتِي، وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِامْرَأَتِي امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ.

فَأَقَامَتْ مَعَهُ عَلَى إسْلَامِهَا وَهُوَ عَلَى شِرْكِهِ، حَتَّى هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا صَارَتْ قُرَيْشٌ إلَى بَدْرٍ، صَارَ فِيهِمْ أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ فَأُصِيبَ فِي الأسارَى يَوْمَ «بَدْرٍ»، فَكَانَ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

ولَمَّا بَعَثَ أهلُ مَكَّةَ فِي فداءِ أُسَرَائِهِمْ، بَعَثَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فِدَاءِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ بِمَالٍ وَبَعَثَتْ فِيهِ بقلادةٍ لَهَا كَانَتْ خَدِيجَةُ أَدْخَلَتْهَا بِهَا عَلَى أَبِي الْعَاصِ حِينَ بَنَى عَلَيْهَا قَالَتْ: فَلَمَّا رَآهَا رسول الله صلى الله عليه وسلم رَقَّ لَهَا رِقةً شَدِيدَةً وَقَالَ: «إنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا، وَتَرُدُّوا عَلَيْهَا مالَها، فَافْعَلُوا؟»، فَقَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَطْلَقُوهُ وَرَدُّوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا.

إنها مشاهد الوفاء المتبادلة بين زوجين متحابين، وهي جديرة أن نقف معها، ونتعلم منها الوفاء، في زمن ضعف فيه الاعتراف بالجميل، ونسي فيه المعروف، وأصبح التخاذل والنكران والخيانة علامات بارزة في حياة كثير من الناس.

فما أهم علامات الوفاء بين الزوجين؟

1- الإخلاص في المشاعر:

يبدأ الوفاء من القلب، فتظهر عليه أمارات الصدق في المحبة، فلا يخون أحدهما الآخر، لا بنظرة ولا بفكرة ولا بعاطفة ولا بسلوك، بل يرضى كل طرف بشريكه، ويديم شكره لله عليه، ويحسن ظنه به.

2- حسن العشرة:

أمر الله تعالى بها في قوله عز وجل: (‌وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) (النساء: 19)، وحسن العشرة أن يلتزم الزوجان بحسن المعاملة، وتقدير التضحيات، والصبر على الطباع، والتغافل عن الهفوات، فذلك من تمام المودة والرحمة.

ففي صحيح مسلم، عَنْ ‌أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «‌لَا ‌يَفْرَكْ ‌مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ، أَوْ قَالَ غَيْرَهُ»، كما تظهر المعاشرة بالمعروف في عدم تحميل أحدهما الآخر ما لا يطيق، فلا يثقل عليه في أعباء الحياة ومطالبها، بل يعاون كل منهما الآخر ويسانده، ففي صحيح البخاري، عَنِ ‌الْأَسْوَدِ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ: مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: «كَانَ يَكُونُ فِي ‌مِهْنَةِ ‌أَهْلِهِ، تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ».

3- الدعم والمساندة:

يظهر الوفاء في الحياة الزوجية من خلال الصبر في الأوقات الصعبة، والدعم والمساندة، لا التخلي والمفارقة، ويتجلى ذلك في وقت الفقر أو المرض وعند الابتلاءات، حيث يبقى كلٌّ منهما سندًا للآخر، لا يتخلى عنه، ولا يخذله، بل يزيده حبًا وحرصًا ودعاءً.

وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى في وفاء السيدة خديجة له، وإعلانه ذلك بعد أكثر من 10 سنوات من وفاتها، وذلك في يوم «فتح مكة»، ففي مسند أحمد، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَةَ أَثْنَى عَلَيْهَا، فَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ، قَالَتْ: فَغِرْتُ يَوْمًا، فَقُلْتُ: مَا أَكْثَرَ مَا تَذْكُرُهَا حَمْرَاءَ الشِّدْقِ، قَدْ أَبْدَلَكَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا خَيْرًا مِنْهَا! قَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَا أَبْدَلَنِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرًا مِنْهَا، قَدْ ‌آمَنَتْ ‌بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ، وَرَزَقَنِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلَادَ النِّسَاءِ».

4- حفظ الأسرار:

ضرورة من ضرورات الحياة الزوجية، وركيزة تسهم في المحافظة عليها، وهي حفظ السر بين الزوجين، فلا ينبغي أن يطلع أحد على ما بينهما من أسرار، وقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك، وعَدَّ من يفشي السر؛ من أشرار الناس، ففي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري أن رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ‌الرَّجُلَ ‌يُفْضِي ‌إِلَى ‌امْرَأَتِهِ، وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا».

5- الثناء والدفاع عن بعضهما:

يظهر الوفاء بين الزوجين في ثناء كل منهما على الآخر، بذكر جميل صفاته، ونسيان قبيحها، والدفاع عن الآخر أمام هجوم الكارهين وانتقادهم له، فإن كرامة كل منهما مستمدة من كرامة الآخر، وعزهما من عز بعضهما.

6- عدم طلب الطلاق بغير سبب:

لا ينبغي أن يطلق الرجل امرأته لغير سبب أو ضرورة، فإن في ذلك ظلماً وخذلاناً لها، كما لا ينبغي أن تطلب المرأة الطلاق لغير سبب، فإن هذا محرم في الإسلام، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك، فقد روى أحمد في مسنده وابن ماجة في سننه بسند صححه الألباني عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ، ‌فَحَرَامٌ ‌عَلَيْهَا ‌رَائِحَةُ الْجَنَّةِ».

7- الوفاء بعد الوفاة:

يظهر ذلك في أن يذكر كل منهما الآخر بعد وفاته بالخير، ويخلص له في الدعاء، وينفذ وصاياه، ما لم يكن فيه ضرر أو حرام، ويكرم أهله وأصدقاءه، فقد روى الطبراني عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةٌ، فَأُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَعَامٍ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنَ الطَّعَامِ وَيَضَعُ بَيْنَ يَدَيْهَا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَا تَغْمُرْ يَدَيْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ هَذِهِ ‌كَانَتْ ‌تَأْتِينَا ‌أَيَّامَ ‌خَدِيجَةَ، وَإِنَّ حُسْنَ الْعَهْدِ، أَوْ حَفِظَ الْعَهْدِ مِنَ الْإِيمَانِ».

الرابط المختصر :

كلمات دلالية

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة