الصهيونية في الولايات المتحدة (1 - 10)

تُطلق الحركة الصهيونية على نفسها اسم «الصهيونية العالمية» و«المنظمة الصهيونية العالمية». و«الصهيونية ـ كما أشرنا ـ ظاهرة غربية بالدرجة الأولى، إذ لا يعرفها شعوب آسيا وأفريقيا لسبب بسيط هو أنها لا توجد فيها جماعات يهودية. وقد أصبحت الصهيونية ظاهرة أمريكية بالدرجة الأولى لسببين: أن الولايات المتحدة تضم أكبر وأقوى جماعة يهودية في العالم، وأن الولايات المتحدة نفسها هي الراعي الإمبريالي للجيب الصهيوني. وفي هذا الباب سنتناول المنظمات الصهيونية المختلفة في الولايات المتحدة.

الاتحاد الصهيوني الأمريكي

«الاتحاد الصهيوني الأمريكي» هو المظلة التنظيمية التي تضم كل المنظمات الصهيونية في الولايات المتحدة، وقد تم تأسيسه عام ١٩٧٠ بناءً على قرار صادر عن المؤتمر الصهيوني السابع والعشرين (١٩٦٨) يدعو إلى تقوية الحركة الصهيونية من خلال إنشاء منظمات أو اتحادات صهيونية قطرية في جميع بلاد العالم. وتعود جذور الاتحاد إلى لجنة الطوارئ للشئون الصهيونية التي تأسَّست عام ١٩٣٩ لتوحيد جهود المنظمات الصهيونية للضغط على الحكومة الأمريكية لصالح المشروع الصهيوني في فلسطين. وقد أُعيد تنظيمها عام ١٩٤٣ تحت اسم «مجلس الطوارئ الصهيوني» الأمريكي تحت قيادة أبا هليل سيلفر، ثم تحولت إلى المجلس الصهيوني الأمريكي عام ١٩٤٩ لتكون الجهة المنسقة للمنظمات الصهيونية الأمريكية.

ويساند الاتحاد الصهيوني الأمريكي المجهودات الصهيونية في ميادين الشئون الطائفية والعامة والتعليم والشباب والهجرة إلى إسرائيل ويعمل على تنمية الاهتمام بما يُسمَّى «الثقافة اليهودية» بين أعضاء الجماعة اليهودية في الولايات المتحدة وعلى تعزيز التزامهم بالأهداف الصهيونية كما جاءت في برنامج القدس. كما يعمل الاتحاد على التوجه إلى المجتمع الأمريكي غير اليهودي للدعاية لإسرائيل، وتأكيد تطابق المصالح الأمريكية والإسرائيلية، والرد بشكل فعال على النقد الموجه إليها. وأخيراً، توجيه أعضائه من خلال الحملات الإعلامية فيما يتعلق بالقضايا التي تمس إسرائيل أو الصهيونية.

ويرعى الاتحاد برامج تهدف إلى ربط الجماعة اليهودية في الولايات المتحدة بإسرائيل. وتشمل هذه البرامج تبادل زيارات رجال الجامعات والتعليم والصحافيين ورجال الأعمال ورجال الدين وغيرهم من فئات المجتمع. كما أن الاتحاد يقيم المؤتمرات والأسواق والمعارض لتشجيع الهجرة إلى إسرائيل. ويهتم الاتحاد بالقطاع الأكاديمي، فقد أسس مجلساً أكاديمياً صهيونياً هدفه محاولة تجنيد أساتذة الجامعات في جميع أنحاء الولايات المتحدة لحساب إسرائيل والصهيونية.

ويعاني الاتحاد، مثله مثل غيره من التنظيمات الصهيونية الأمريكية، من تدهور أهميته وفعاليته بشكل عام. فلم يَعُد هناك أيُّ تمييز حقيقي بين المنظمات الصهيونية وغير الصهيونية في الولايات المتحدة. بل إن الأخيرة تتمتع بخبرة تنظيمية أكبر وقاعدة جماهيرية أوسع، ولذا أصبحت هي التي تقوم بالدعاية لإسرائيل والدفاع عنها وجمع المال لها والضغط من أجلها، ذلك إلى جانب تآكل شرعية الصهاينة التوطينيين بسبب عدم هجرتهم إلى إسرائيل وما يدور حول ماهية الصهيونية وتآكل الفكر الصهيوني بوجه عام.

والاتحاد الصهيوني الأمريكي منظمة معفاة من الضرائب وتضم ٦١ منظمة صهيونية في الولايات المتحدة والحركات الشبابية المنبثقة عنها. وعضوية الاتحاد الصهيوني مفتوحة أيضاً للمنظمات والمؤسسات اليهودية غير الصهيونية. والواقع أن هذه تدخل ضمن مجموعتين إضافيتين من الأعضاء: أولاً، المنظمات المنتسبة التي تقبل برنامج القدس مع أن أعضاءها ليسوا بالضرورة من الصهاينة. ثانياً، المنظمات ذات الصلة بالاتحاد، وهي مؤسسات قومية تعنى برعاية صهيونية، وقد كانت دائماً تربطها علاقة فعلية بالحركة الصهيونية. وفي عام ١٩٨٣، قدَّر الاتحاد حجم عضويته بأكثر من مليون عضو.

والمنظمات الست عشرة الأعضاء في الاتحاد الصهيوني هي: مجلس الشباب الصهيوني الأمريكي، والعصبة الأمريكية اليهودية من أجل إسرائيل، ونساء عميت في أمريكا (نساء مزراحي سابقاً) ، وأمريكيون من أجل إسرائيل تقدمية، وبن تسيون، ونساء إيموناه، وهاداساه، وحركة تأكيد الصهيونية المحافظة (مركاز) ، والحلف الصهيوني العمالي، وحركة الهجرة في أمريكا الشمالية، والنساء الرائدات (نعمات) ، واتحاد الصهاينة الإصلاحيين في أمريكا، والصهيونيون المتدينون في أمريكا، وحيروت، والمنظمة الصهيونية في أمريكا، والحركة الطلابية الصهيونية.

وهناك ثلاث منظمات منتسبة للاتحاد، هي: الاتحاد السفاردي الأمريكي، ورابطة آباء الإسرائيليين الأمريكيين، وعصبة النساء من أجل إسرائيل.

وهناك منظمتان تربطهما صلة بالاتحاد، هما: المؤسسة الصهيونية الأمريكية للشباب، والصندوق القومي اليهودي. وفي فبراير ١٩٩٣، قرَّر الاتحاد أن يُغيِّر اسمه إلى «الحركة الصهيونية الأمريكية».

الحركة الصهيونية الأمريكية

«الحركة الصهيونية الأمريكية» هو الاسم الجديد للاتحاد الصهيوني الأمريكي (منذ فبراير ١٩٩٣). وهذا الاسم لن يؤدي إلا إلى المزيد من الغموض والتعمية، لأن كلمة «حركة» في كل الأدبيات السياسية لا تشير إلى تنظيم إقليمي بعينه.

المنظمة الصهيونية الأمريكية

منظمة صهيونية أمريكية تأسَّست عام ١٨٩٨ باسم اتحاد الصهاينة الأمريكيين، وذلك في أعقاب انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول (١٨٩٧). وقد انتُخب ريتشارد جوتهيل والحاخام ستيفن وايز سكرتيراً شرفياً. وقد وُلدت المنظمة ضعيفة وهزيلة ووجدت صعوبة في فرض سلطتها المركزية على المجموعات الصهيونية المنتمية لها، وذلك نتيجة الخلافات التي نشأت بين القيادة المنتمية إلى البورجوازية اليهودية المتأمركة ذات الأصول الألمانية والقاعدة التي تألفت من المهاجرين اليهود الفقراء القادمين من شرق أوربا ذوي الثقافة اليديشية. وقد اتجهت المنظمة إلى العمل الدعائي الصهيوني وأصدرت عام ١٩٠١ أول مجلة صهيونية أمريكية رسمية باللغة الإنجليزية ثم جريدة يديشية عام ١٩٠٩، كما أنشأت معاهد صهيونية. وقد اهتمت بالشباب وبتعليم اللغة العبرية، ونشطت لصالح الصندوق القومي اليهودي والاتحاد اليهودي الاستعماري، كما تصدت للعناصر اليهودية الأمريكية المناهضة للصهيونية والمُمثَّلة بشكل أساسي في الحركة الإصلاحية اليهودية.

ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى، انتقل مركز النشاط الصهيوني إلى الولايات المتحدة وتم تأسيس اللجنة التنفيذية العامة المؤقتة للشئون الصهيونية عام ١٩١٤ تحت رئاسة لويس برانديز التي تولَّت الجانب الأكبر من النشاط الصهيوني في الولايات المتحدة خلال فترة الحرب وأسَّست صندوقاً لدعم التجمُّع الاستيطاني اليهودي في فلسطين ولغوث ضحايا الحرب من اليهود في أوربا، كما كانت صاحبة اقتراح تأسيس المؤتمر اليهودي الأمريكي. ومع انتهاء الحرب، تقرَّر دَمْج هذه اللجنة مع اتحاد الصهاينة الأمريكيين لتأسيس المنظمة الصهيونية الأمريكية تحت رئاسة لويس برانديز الشرفية لتكون منظمة مركزية يهيمن عليها مكتب قومي وتعتمد على العضوية الفردية. وقد رأى برانديز أن الدور الأساسي للمنظمة هو جَمْع المال من خلال جذب رؤوس الأموال الخاصة لتمويل مشاريع معيَّنة في فلسطين، كما تشكَّك في مدى فعالية إنشاء الصندوق التأسيسي اليهودي الذي كانت القيادات الصهيونية الأوربية وعلى رأسهم حاييم وايزمان يفضلونه.

وقد أدَّى هذا الخلاف، إلى جانب خلافه الفكري مع وايزمان حول مفهوم الصهيونية، إلى انسحاب برانديز ومناصريه من المنظمة خلال مؤتمر المنظمة عام ١٩٢١. وقد ركَّزت المنظمة اهتمامها بعد ذلك في جَمْع المال وإن لم تحرز نجاحاً ملحوظاً في تلك المهمة، كما عارضت نشاط حملات منظمات الإغاثة اليهودية الأمريكية التي كانت تعمل على توطين اليهود الروس في مناطق القرم وأوكرانيا في الاتحاد السوفيتي. ومن ثم، شاركت المنظمة في توحيد جهود عمليات الجباية الصهيونية تحت مظلة واحدة هي النداء الفلسطيني الموحَّد عام ١٩٢٤.

ومع ذلك، ظلت جاذبية المنظمة ضعيفة وهبط عدد أعضائها من ١٤٩ ألفاً عام ١٩١٨، أي بعد وعد بلفور بعام، إلى ١٨ ألفاً عام ١٩٢٩. وبعد اندلاع الحرب العالمية الثانية، شاركت المنظمة في توحيد جهود المنظمات الصهيونية الرئيسية من أجل تأسيس كومنولث يهودي في فلسطين، ثم في تأسيس صندوق برنامج بلتيمور عام ١٩٤٢، كما اشتركت في تأسيس لجنة الطوارئ للشئون الصهيونية عام ١٩٣٩ التي أصبحت لجنة الطوارئ الصهيونية الأمريكية عام ١٩٤٣ثم المجلس الصهيوني الأمريكي عام ١٩٤٩) لتكون هيئة منظمة ومنسقة لكبرى المنظمات الصهيونية في الولايات المتحدة. وقد زاد نشاط المنظمة وزادت عضويتها تحت رئاسة أبا هليل سيلفر (١٩٤٥ ـ ١٩٤٧) وإيمانويل نيومان (١٩٤٧ ـ ١٩٤٩) للذين كانا أعضاء أيضاً في القسم الأمريكي من الوكالة اليهودية خلال عامي ١٩٤٧ و١٩٤٨، كما كانا يعملان على حث الحكومة الأمريكية لإصدار موافقتها على قرار تقسيم فلسطين عام ١٩٤٧

 




____________________

كتاب «موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية».


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة