الصين تصنع روبوتاً يحمِل ويلِد.. هل انتهت الأمومة؟!

تخيل أن رحمًا
معدنيًا قد يصبح أستاذًا في الحمل، يحمل البويضة والحيوان المنوي، وينجب طفلًا
بينما النساء يراقبن من بعيد!
في مختبرات
صينية، لم يعد هذا الأمر خيالًا علميًا بعد اليوم، فالروبوت الجديد قادر على
الحمل، وفقًا لتجارب أولية أظهرت نسب نجاح تصل إلى 30%، ومن المتوقع طرحه في
الأسواق بحلول العام 2026م.
لكن السؤال الذي
يحرق الأذهان: ماذا عن الفقه؟ عن نسب الولد وحق الأم البيولوجية؟ وعن الزواج
والواجبات الأسرية؟ وعن كرامة المرأة وحرمة العبث بالخَلْق؟!
السخرية هنا
مريرة: رحم معدني يتحمل مرارات الحمل عن النساء، التي هي مسوغات أمومتها.
العجيب أن كل
هذا يحدث ونحن في عالمنا العربي قد أغرقونا في جدالات حول المرأة وحقوقها!
فهل يُعد هذا
الابتكار انتصارًا للعلم، أم تحديًا للخلق الإنساني؟ وكيف يمكن أن يغيّر مفهوم
الأمومة والزواج، ويفتح أبوابًا لمسائل شرعية أكبر من تصوراتنا؟
والأعجب أن كل
هذا يتم في عالم لم نعد نعرف فيه أين تنتهي الطبيعة؟! وأين يبدأ الإنسان الآلي؟!
جدل واسع
الإعلان عن هذا
الابتكار أثار جدلاً واسعًا بين الأوساط العلمية والأخلاقية حول تأثيره على مفهوم
الأمومة والعلاقات العاطفية بين الأم وجنينها.
وحول هذا
الابتكار الجديد ومدى نفعه على أرض الواقع وفي حياتنا من خلال رؤية شرعية مقاصدية،
ترى د. زينب عبدالسلام أبو الفضل، أستاذة الفقه وأصوله بكلية الآداب في جامعة
طنطا، أن مثل هذه الأمور المستجدة من الابتكارات ونحوها، يكون قول المبادرين دائماً
بالقول بالحرمة، مع أنه في الأصل لا تحريم إلا بدليل أو نص قاطع، وهو أمر لا يحمد
حتى تتم دراسة المسألة دراسة فقهية عميقة.
وأوضحت أننا
مررنا بأمور سابقة تتشابه مع الروبوت الصناعي كطفل الأنابيب، حيث كان يحظر الجميع
العمل به، ويقول بالحرمة في البداية، لكن مع وضوح الأمر للفقهاء تراجع أو ارتأى
البعض الجواز أو الحل؛ ولكن بضوابط.
وتؤكد أستاذة
الفقه أنه يستحسن عن المستحدثات ألا نسارع بالتحريم، ولكن يجب أن ندرس المسألة من
كل جوانبها، لأنه في الأغلب سنتجه إلى القول: «بالحل لكن بضوابط».
وتابعت: على
سبيل المثال، في مسألة الرحم الصناعي، فإنه يتم أخذ بويضة من الزوج والزوجة، ثم
يتم التلقيح في أنبوب اختبار خارجي، ثم تزرع البويضة الملقحة في رحم الزوجة صاحبة
البويضة، فهذه المسألة أصبحت لا خلاف عليها بخلاف ما إذا وضعت في رحم زوجة ثانية
للرجل، وهذه لا تزال موضع شد وجذب بين العلماء المعاصرين؛ وإن كان هناك من يقول
بالتحريم قولاً واحداً.
رحم صناعي
حول مسألة
الروبوت الصناعي تقول أبو الفضل: إن هذه المسألة تشبه إلى حد كبير مسألة «الرحم
الصناعي»؛ لأن العلماء حين قالوا بإباحة اللجوء إلى الرحم الصناعي تصوروا مسألة
تقترب من الابتكار الجديد؛ وهو لو أن الأم التي سيتم نقل البويضة إليها بعد نجاح
عملية التلقيح أصيبت بالسرطان مثلاً، تصوروا وجود أنبوب بلاستيكي كبير يصلح لعملية
النمو كرحم الأم تماماً.
وحول تصور
المسألة من العلماء وقتها، هناك من قال بالحرمة؛ لأنه لا يتصور مثل هذه المسألة
والله تعالى قال: (ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ
مَّكِينٍ) (المؤمنون: 13)، ولا يوجد ما يشبه القرار المكين القابل لنمو الطفل.
ومع ذلك، فقد
توقع فريق من العلماء أن مثل هذه المسائل نادرة الحدوث قد تحدث؛ وأنه في حالة
التطور العلمي والتكنولوجي يمكن أن يكون جائزاً مع اشتراط الشروط المعلومة في
الرحم الصناعي كعدم اختلاط الأنساب وتكون عملية مؤتمنة، مع التأكيد أنه في مثل هذه
الحالة تكون الإباحة للضرورة القصوى، إضافة إلى عدم وقوع ضرر على الأجنّة؛ ما
يساهم مستقبلاً في مشكلات مجتمعية من تفريغ أجنّة مشوّهة أو تكون من ذوي الإعاقة.
ونبهت أيضاً إلى
أن مثل هذه الابتكارات قد تكون حلاً لحالات مستعصية كالعقم، أو في حالة أن دولة ما
قد يصيبها وباء أو كارثة عامة تهدد النسل، حينها يجتمع العلماء وينظرون إلى
المسألة نظرة مقاصدية أو مآلية تتناغم مع روح الشريعة ومصالحها العامة للبشر.
مخاوف حقيقية
أما حول تأثيرات
ذلك على الأسرة، يرى الخبير الأسري د. علاء موسى أن استخدام الروبوتات الحاضنة له
بعض الفوائد، مثل: مساعدة النساء غير القادرات على الحمل لأسباب صحية، وتقليل الأخطار
الطبية على الأم أو الجنين في بعض الحالات الحرجة.
لكن هناك مخاوف
حقيقية، وفق قوله، منها:
- تحويل مفهوم الأمومة إلى وظيفة ميكانيكية.
- فقدان تجربة الحمل التي تُعد جزءًا من التكوين النفسي للأمومة.
- الشعور بانفصال الأم عن الطفل.
- قد يؤدي إلى اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب أو القلق.
- فتح الباب
أمام الاستخدامات غير الأخلاقية، مثل تأجير الأرحام التجارية، أو إنتاج أطفال حسب
الطلب.
ويحذر موسى،
خلال حديثه لـ«المجتمع»، من أن الطفل المتولد عن طريق الروبوتات الحاضنة -إن تم
هذا الأمر- سيعاني من اضطرابات الهوية والانتماء، ومشكلات التكيف الاجتماعي
والشعور بالحب والرعاية.
بينما يتساءل
الخبير التربوي محروس سليمان، خلال حديثه لـ«المجتمع»، بشأن ما إذا كانت الأسرة
ستمثل المحضن الأول الذي يتعلم فيه الطفل الحب والانتماء والمسؤولية؟ وهل يمكن أن
تُختزل عملية الولادة -التي هي ذروة العاطفة الإنسانية- في تجربة صناعية يؤديها
روبوت؟!
ويعلق بالقول:
في رأيي، أن هذه التقنية لا تفقد الأسرة بها مجرد «أُم»، بل تفقد أول وأعمق رابطة
تربوية بين الإنسان ومصدر حنانه الأول، كما أن الإنسان ليس آلة والولادة ليست
منتجًا صناعيًا لهذه الآلة، بل تمثل بداية علاقة نفسية وتربوية يتشكّل فيها
الارتباط العاطفي والوجداني والنفسي.
تجارب سريرية
«المجتمع» تحدثت
إلى د. مهند أمين، المحاضر في جامعة لينكولون بماليزيا، المختص في إدارة
التكنولوجيا؛ الذي بيّن أن الرحم الصناعي يمثل تقنية طبية متطورة تتقدم بخطى سريعة
نحو الاستخدام السريري، مع وجود أنظمة روبوتية قادرة مبدئيًا على حمل الأجنة
بالكامل، مضيفاً أن الأبحاث ما زالت جارية لضمان السلامة والأمان الكاملين قبل
التطبيق العملي الشامل.
وحول فكرة الرحم
الصناعي (Artificial Womb)، أكد أنه لم يعد مجرد فكرة نظرية، بل أصبح
تقنية قابلة للتطبيق وتخضع حاليًا لاختبارات وتجارب سريرية متقدمة.
وأشار إلى أن
فرقاً بحثية تمكّنت من تطوير أنظمة تحاكي البيئة البيولوجية للرحم الطبيعي
باستخدام محلول سائل خاص يسمح بدعم نمو الأجنة الخُدج، مبيناً أن الهدف من هذه
الأبحاث إنقاذ الأجنة في الحالات الخطرة أو معالجة تأخر النمو داخل الرحم
التقليدي.
وكشف أمين أن
اليابان ودولاً أخرى تعمل على بناء أنظمة رحم صناعي تجريبية متكاملة، وهذه الأنظمة
تهيئ بيئة بيولوجية دقيقة باستخدام أجهزة استشعار (Sensors) تراقب حالة
الجنين لحظيًا، بينما يُستخدم الذكاء الاصطناعي (AI) لضبط
العوامل البيئية المحيطة مثل الحرارة، والأكسجين، والرطوبة بشكل مستمر لضمان نمو
الجنين في ظروف أقرب ما تكون إلى الرحم الطبيعي.
وتوقع أمين أن
تُحدث هذه التقنية تحولًا جذريًا في مجالات الإنجاب والعلاج الإنجابي، لكنها تواجه
تحديات قانونية وأخلاقية معقدة تتطلب وضع أطر تنظيمية دقيقة قبل اعتمادها على نطاق
واسع.
اقرأ
أيضاً:
عالم الروبوت يهدد 10 مهن بالاختفاء خلال العقد
الحالي
الاستنساخ قد يودي بالبشرية ويدمر الإنسان نفسه
بنفسه