الدراما الإسلامية.. وهم أم حقيقة؟

إمام الليثي

22 أبريل 2025

274

 

مقدمة:

عام 1988 خطت قدماي للمرة الثانية تجاه المعهد العالي للسينما. قبلها بعام حاولت الالتحاق بقسم الإخراج السينمائي ولم أتمكن، رغم خوضي كل الاختبارات، غير أنني لم أستطع تجاوز المقابلة النهائية؛ فالعدد المطلوب ثمانية أفراد، وكلهم من ذوي الوساطة التي لا تقل عن وزير من وزراء دولة مبارك.

تلك المرة اخترت أن أجتاز اختبارات قسم السيناريو. اليوم هو يوم المقابلة النهائية: نصف ساعة من الأسئلة الشفهية في الثقافة العامة والسينمائية. وانتهى الأمر بخروجي محتجًا على اللجنة، ورافضًا الانصياع لآخر طلب طلبوه، وهو كتابة مشهد سينمائي يعبر عن القلق. كل ما فعلته أنني ألقيت الورقة في وجه من قدمها لي، وقلت له: "أكتب من أول دخولي حتى خروجي الآن، فليس هناك قلق أكثر من مقابلة لجنة حسمت أمورها سلفًا لأصحاب الوساطة".

الغريب أنني قُبلت، وتم اختياري، بل تم تجاوز العدد المحدد لكل عام (ثمانية أفراد) ليصبحوا عشرة، فقد حصلت على استثناء بسبب هذا الموقف.

في أول يوم دراسي قابلت الدكتور مدكور ثابت رحمه الله، أحد أعضاء اللجنة وأستاذ مادة الإخراج بالمعهد. سألني: لم هذا الإصرار على دراسة السينما؟ فأجبته: لدي حلم ورؤية بإنشاء تيار يقوم على إنتاج سينما إسلامية. ابتسم رحمه الله وسألني سؤالاً تكرر كثيرًا بعد ذلك: "وهل هناك شيء اسمه سينما إسلامية؟ أم تقصد سينما الأفلام الدينية؟" ولم أستطع إجابته وقتها.

الدراما الإسلامية: وهم أم حقيقة، وما هي؟

قادني سؤال الدكتور مدكور إلى السؤال الأكبر والأهم: هل هناك شيء اسمه الفن الإسلامي؟ وهل يمكن لهذا الفن أن ينتج دراما إسلامية؟ وما هي مواصفات هذه الدراما؟ وهل هي حقًا ما كنت أراه وأشاهده من أفلام ومسلسلات تاريخية مثل "وا إسلاماه" أو "محمد رسول الله والذين معه" أو "قصة آية"؟ تلك الأعمال التي لم تكن تُعرض إلا في رمضان، وفي أوقات البث الميتة التي لا يشاهدها أحد، أم أن هناك شيئًا آخر؟

لماذا لا توجد واقعية إسلامية، كما ظهر في الستينيات تيار الواقعية الاشتراكية؟ لماذا لا توجد مدارس سينمائية وفنية تحمل فلسفة الإسلام ونظرته إلى الحياة؟ لماذا تعددت المدارس الفنية المأخوذة من الغرب في السينما والفن التشكيلي، ولم نجد مدرسة واحدة تستلهم من فلسفة الإسلام ونظرته للكون والحياة؟ وقبل كل ذلك: ما هو الفن الإسلامي؟ وما هي خصائصه؟

الفن الإسلامي: تحرير المصطلح:

قادني سؤال الدكتور مدكور إلى أسئلة عدة: هل هناك "فن إسلامي"؟ وهل توجد "دراما إسلامية" سواء سينمائية أو تلفزيونية؟

خصوصًا أن تلك الفترة، المبكرة من بدايات الصحوة الإسلامية، شهدت انتشار أعمال فنية بسبب موجة "الكاسيت"، معظمها تركز في الأناشيد الإسلامية وأعمال درامية للأطفال بهدف تربية جيل جديد، وكنت أحد كتاب تلك الفترة، مع رفض تام من الجهات المنتجة السماح بوجود عنصر نسائي في العمل.

كان لابد من تحرير المصطلح، فبدأت بالبحث عن المصطلح الأعم وهو "الفن الإسلامي"، فوجدت معارضة غربية وعلمانية شديدة ترى أن هذا النوع من الفن غير موجود. فها هو المؤرخ الفني الأمريكي ريتشارد إيتنجهاوزن، في كتابه الفن الإسلامي والعمارة، يلخص موقفه بقوله:

"التضاد بين الإسلام والفن ينشأ من فرضية الخوف من اليوم الآخر، فضلًا عن اعتماد الإسلام مبدأ بشرية الرسول ﷺ، الذي حطم كل احتمال لتطوير التماثيل كتلك التي صور بها المسيح، بينما تسبب الخضوع لله القادر عند المسلمين بالتحريم المطلق لتمثيل الشخوص، وبالتالي الحط الكامل من شأن الفن التشخيصي، ولم يبق لهم سوى فن المعمار باعتبار الإعمار قيمة قرآنية."

يرفض أدولف فريدريك فون شاك، في كتابه الفن العربي في إسبانيا وصقلية، هذه الفرضية التي تباعد بين الإسلام والفن، قائلًا:

"يخطئ من يظن أن الإسلام حين حرم التصوير جفف ينابيع الفن ولم يُبق غير فن العمارة، ولكن الإسلام لم يحرم التصوير، ولم يحدث أن حرمت قواعد الدين على المسلمين الصور".

وهنا يتدخل الأستاذ محمد قطب، في كتابه منهج الفن الإسلامي، بتعريفه للفن الإسلامي ووضع الأسس والأصول التي تشكل نظرة مختلفة للفن الإسلامي بقوله:

"الفن الإسلامي ليس بالضرورة أن يتحدث عن الإسلام، وإنما هو الفن الذي يرسم صورة الوجود من زاوية التصور الإسلامي".

ويدلل على ذلك بقول معاوية لأحد الشعراء:

"قد رأيتك تعجب بالشعر، فإذا فعلت فإياك والتشبيب بالنساء، فتعري الشريفة، وترمي العفيفة، وتقر على نفسك بالفضيحة".

إذن، هناك منهج للفن الإسلامي ينطلق من قوله تعالى:

(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (النور: 19).

ومن محاربة المعاصي، ونشر الفضيلة، والحفاظ على الأعراض.

الدراما الإسلامية: تحرير المصطلح وإشكاليات الإنتاج:

إذا كانت هذه هي محددات الفن الإسلامي، فهل تنطبق على الدراما الإسلامية؟ وما معوقات الإنتاج الدرامي الإسلامي؟

بدايةً، لابد من تفكيك المصطلح، فهو يتكون من مقطعين: "دراما" و"إسلامية".

الدراما: تعني السرد القصصي من خلال أداء الشخصيات لحوار وحركة، غالبًا ما تتناول صراعات إنسانية أو اجتماعية أو نفسية، ومجالاتها المسرح والسينما والتلفزيون والإذاعة ومنصات العرض الرقمي، وتركز على التفاعل بين الشخصيات وتطور المشاعر والأفكار، فهي مرآة تعكس تعقيدات الحياة.

الإسلامية: وهي الشق الذي نشأت حوله جدليات وإشكاليات كثيرة، بسبب تصورنا للمصطلح. ففي تصور بعض الحركات الإسلامية، وهو أيضًا ما تسلل إلى المخالفين، أن المقصود هو "أسلمة" الفعل الدرامي، فصارت حالة وصاية شكلية مؤطرة في مفهوم الحل والحرمة، بينما اللفظة أوسع وأشمل من ذلك؛ فهي تعني "رسم صورة للوجود من زاوية التصور الإسلامي"، ولا تختلف أبدًا عن مدارس الدراما كالكلاسيكية، والطبيعية، والرومانسية، والكلاسيكية الجديدة، ومدرسة العبث واللامعقول، وغيرها.

فما هي معوقات الإنتاج الإسلامي الدرامي؟

إن أي إنتاج درامي يقوم على ثلاثة عناصر: "المال – الموارد البشرية – التخطيط".

 

أولًا: المال:

تكمن الإشكالية الكبرى في إنتاج دراما إسلامية في رأس المال الذي يرتضي العمل في هذا المجال. فحتى اللحظة، معظم الإنتاج الدرامي في هذا الاتجاه جاء من موارد الدول، إما عبر جمعيات أو مؤسسات خيرية، أو من خلال دعم الدولة مباشرة، مما أضر بالعمل الدرامي، لأنه جاء موجهًا ومحصورًا في شكل معين: الإنتاج التاريخي أو المناكفات السياسية.

لذلك، إذا أردنا إنتاج دراما حقيقية، فلابد من تحرير المال من التوجهات السياسية، وأن يدخل رجال أعمال مقتنعون بالفكرة للمجال، مع وضع خطة مالية للإنتاج وشراء المواد اللازمة. وبمعنى أدق: يجب إنشاء أوقاف خيرية لدعم الإنتاج الدرامي الإسلامي، وهو ما يحجم عنه رجال المال والأعمال والمحسنون حتى الآن.

ثانيًا: الموارد البشرية:

حتى زمن قريب كانت الموارد البشرية في هذا المجال نادرة، ولكن مع أحداث الربيع العربي، وهجرة أبناء الحركة الإسلامية إلى دول عديدة، توافرت خبرات وموارد بشرية يمكن البناء عليها في المستقبل.

ثالثًا: التخطيط:

لابد أن تتواكب كل العناصر السابقة مع خطة إنتاجية شاملة تغطي كافة الأغراض الدرامية، وتسعى لتحقيق الانتشار بين الجماهير.

خطة لا تكتفي بالإنتاج التاريخي فقط، ولا تتوقف عند محاربة رذيلة معينة أو القيام بدور وعظي، بل تسعى لتقديم دراما شاملة قادرة على مواجهة الغث الذي يملأ الشاشات، ويغزو مواقع التواصل بتسفيه العقول وتفكيك الأمة.

 

 

 

 

 

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة