أعياد الإسلام.. وعبادة السعادة!

ينطلق تصور الديانات المحرفة والأديان الوضعية للعبادة من مفهوم فلسفي واحد تقريباً، هو مفهوم أن الجسد مقترن بالخطيئة، وأن التطهير يكون بتعذيب هذا الجسد، ولهذا تعمد تلك الديانات إلى ابتلاء الجسد بالكثير من المشاق كالجوع والعري والحرمان من تلبية الغرائز الفطرية.
فبوذا، على سبيل المثال، الذي ولد عام 623 قبل الميلاد، كان أميراً، تزوج
صغيراً ولما بلغ السادسة والعشرين هجر زوجته إلى الزهد والتقشف والتأمل في الكون،
وانتهج نهجاً خاصاً في الكون ليتخلص الإنسان به من آلامه ودعا إلى ذلك كثيراً من
الناس.
ورجل الدين في المسيحية حرّمت عليه التعاليم الكنسية الزواج في صورة من صور
إنكار الغريزة الفطرية التي أودعها الخالق هذا الجسد، وكثير من أتباع المذاهب
المحرفة يعمدون إلى تعذيب الجسد بالجلد كتعبير عن الشعور بالذنب، وكأن هذا الجلد
سيطهر الجسد من تلك الذنوب!
كل هذه الممارسات الدينية تنطلق من تصور فلسفي خاطئ يعد كل ما يسعد الجسد
خطيئة، حتى شاع لدى الناس أن رجل الدين ينبغي ألا تعلو وجهه السعادة وألا يفارق
وجهه العبوس!
حتى لقد كاد يتسرب شيء من هذا التصور الخاطئ إلى بعض أصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم، فقرروا أن يصنعوا بأجسادهم صنيع من سلف من أهل الديانات المحرفة
والمذاهب الأرضية، دون شعور منهم بأنهم بذلك يخالفون سُنة النبي محمد صلى الله
عليه وسلم.
فقد جاء ثلاثةُ رهطٍ إلى بيوتِ أزواجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
يسأَلون عن عبادةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلمَّا أُخبِروا كأنَّهم
تقالُّوها فقالوا: وأينَ نحنُ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قد غُفِر له
ما تقدَّم مِن ذنبِه وما تأخَّر؟! قال أحدُهم: أمَّا أنا فإنِّي أُصلِّي اللَّيلَ
أبدًا، وقال الآخَرُ: أنا أصومُ الدَّهرَ ولا أُفطِرُ، وقال الآخَرُ: أنا أعتزِلُ
النِّساءَ ولا أتزوَّجُ أبدًا، فجاء رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال:
«أنتم الَّذي قُلْتُم كذا وكذا؟ أمَا واللهِ إنِّي لأخشاكم للهِ وأتقاكم له لكنِّي
أصومُ وأُفطِرُ وأُصلِّي وأرقُدُ وأتزوَّجُ النِّساءَ فمَن رغِب عن سنَّتي فليس
منِّي» (متفق عليه).
بهذه الواقعية الشديدة في التعامل مع أشواق الروح وغرائز الجسد ضبط الإسلام
حياة أتباعه، فلبى حاجات هذا وذاك مزاوجاً بين العبادات بشكل لا يوجد له مثيل في
أي مذهب أو دين آخر.
وأبرز مثال على ذلك هما عيد الفطر اللصيق بعبادة الصيام، وعيد الأضحى
الخاتم لعبادة الحج.
وفي هذين العيدين جعل الإسلام الكثير من المتع التي يسعد بها الجسدُ
عباداتٍ لله تعالى، تضاهي في الأجر تلك العبادات التي كانت قبل يوم من العيد تتمثل
في مشاق الوقوف الطويل في حرارة الشمس والتنقل من مشعر لمشعر، أو في مشاق الجوع
والعطش والسهر والقيام!
فعن أنس رضي الله عنه قال: قَدِم النبيّ صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم
يومان يلعبون فيهما، فقال: «قد أبدلكم الله تعالى بهما خيراً منهما: يومَ الفطر
والأضحى» (رواه أبو داود).
والعيد فوق كونه عبادة فهو يوم لاجتماع المسلمين عامة، وهذا الاجتماع مما
يدخل السعادة في الصدور، فعن أم عطية الأنصارية رضي الله عنها قالت: «أمرَنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى: العواتق والحُيَّض وذوات
الخدور، فأما الحيَّض فيعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين» (وفي لفظ:
يعتزلن المُصلَّى) (رواه البخاري).
ويشرع في العيد التوسعة على النفس والأهل والعيال بذبح الأضاحي للمقتدرين
في عيد الأضحى ولبس جديد الثياب.
والتهنئة بالعيد أمرٌ حسنٌ طيبٌ لفعل صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد
ذكر ابن حجر في «فتح الباري» عن جبير بن نفير قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: «تقبَّل الله منا ومنك».
ومهما كان الوضع الذي يعيشه المسلم لا بد أن يعمل، قدر ما يستطيع، على إدخال
السعادة والفرح على نفسه وأهله في العيد، ولا يستسلم للظروف التي قد تكون صعبة
عليه وعلى أهله.