كاملات عقل ودين!

محرر الأسرة

20 يوليو 2025

145

فكرة نسوية جديدة اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي بين مؤيدات للفكرة، وغاضبين رافضين لحديث نبوي شريف ثبتت صحته، حيث أخرجه الإمام البخاري، وقد أثارت الفكرة جدلاً واسعاً بين رواد التواصل الاجتماعي، ولاقت انتقادات عنيفة حيث توافقت الفكرة مع منكري السُّنة والمتعدين على ثوابت الدين بدعوى أن بعضها لا يتوافق مع العقل، بالرغم من أن الشريعة لا تؤخذ بالرضا العقلي، وإلا فالمسح على باطن الخف كان أولى من ظاهره على حد أقوال العلماء، أو انطلاقاً من عدم فهم النصوص وتحميلها ما لا تحتمل وعدم فهم الملابسات التي صدرت من خلالها؟ ولمن تم توجيهها؟

ومهما كانت تفاهة الفكرة التي نبتت فجأة، فإن العنوان غير الجائز من الأساس فيه تطاول على شخص النبي الكريم وسُنته المطهرة، وهدم للفكر الإسلامي بمحاولة هدم تراثه الذي لاقى إجماعاً من العلماء المعتبرين.

ومما زاد الطين بلة صدور كتاب تحت هذا العنوان «كاملات عقل ودين»، شككت كاتبته في صحة الروايات الصحيحة بإجماع علماء المسلمين بدعوى أنها تسيء للنبي صلى الله عليه وسلم، فكان لا بد من التوضيح والتصدي لهذا الفكر الذي قد يبدو بلا قيمة، لكن خطورته تمتد لأجيال مقبلة إن لم يتم التصدي له.

مواضع الاختلاف العقلي

3 مواضيع خاصة بالمرأة ترى الكاتبة بعد أن قامت بتحكيم عقلها أن فيها إساءة للنبي صلى الله عليه وسلم؛ أي أنها تدعي عدم صحة الأحاديث، ومجرد نسبها للنبي صلى الله عليه وسلم فيها إساءة له.

فهناك موقفان منهما في الحديث النبوي الصحيح الذي أخرجه البخاري في صحيحه برقم (304): عن أبي سعيد الخُدريّ رضي الله عنه قال: خرجَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر (أي يوم عيد في تجمع النساء وحدهن) إلى المصلّى، فمر على النساء، فقال: «يا معشر النساء، تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار»، فقلن: وبمَ يا رسول الله؟ قال: «تكثرن اللعنَ، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للُبّ الرجل الحازم من إحداكن»، قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: «أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟» قلن: بلى، قال: «فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟»، قلن: بلى، قال: «فذلك من نقصان دينها».

وأما الموقف الثالث التي ترى أنه يختلف مع مضمون النصوص القرآنية فهو في الحديث الذي رواه البخاري برقم (4425) عن أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: لَقَدْ نَفَعَنِي اللَّهُ بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامَ الْجَمَلِ بَعْدَ مَا كِدْتُ أَنْ أَلْحَقَ بِأَصْحَابِ الْجَمَلِ فَأُقَاتِلَ مَعَهُمْ، قَال: لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى قَالَ: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً» (رواه البخاري).

وقد ساقت المؤلفة جملة من الحقوق التي شرعها الإسلام للمرأة، وادعت أن تلك النصوص تتعارض مع المواقف الثلاثة المذكورة سابقاً في حديثين مختلفين، والحقيقة أن الأمر لا يستحق أن تضطر لتكذيب كتاب بحجم البخاري، أو تدعي زوراً أن بعض أحاديثه مضعفة، كي تصحح مفاهيم صارت بديهية لدى جمهور علماء المسلمين وقد قتلت بحثاً، واتضحت الصورة تماماً بأن إنكار صحة البخاري أو لأمهات المراجع الإسلامية والتراث الإسلامي لم يكن رغبة في الوصول للحقيقة وإنصاف المرأة، بقدر ما كان محاولة للنيل من أصول الدين والتقليل من قدسية النصوص.

مفاهيم مغلوطة وتفاسير منقوصة

كما قلنا سالفاً بأن الأمر يعود أحياناً لعدم فهم النصوص من الأساس، فبالنسبة للحديث الأول وتحذير النبي صلى الله عليه وسلم للنساء بالإكثار من العمل الصالح؛ لأن أغلبية أهل النار من النساء، فالحديث بداية يقر أن الشر ليس صفة أساسية في النساء، وإلا لرفع الله عنهن التكليف باعتبار أنهن مجبرات عليه، لكن الحديث يقرر مسؤولية النساء عن أفعالهن؛ أي أن الفهم التشريعي الديني مكتمل للمرأة كما للرجل، فهي كاملة القوامة على أفعالها، كاملة الحرية في الاختيار، كاملة العقاب والثواب في نهاية الأمر.

لكن الحديث ذكر أفعالاً بعينها هي لصيقة بالمرأة، ورجوع ذلك لأنها أكثر عاطفية من الرجل بطبيعة الخلقة التي خلقها الله عز وجل عليها، فهي سريعة الانفعال، تغلبها عاطفتها فتنكر، تغلبها عاطفتها فتتهم، تغلبها عاطفتها فتتسرع في الحكم دون التبين.

ولا يعني هذا أنها وحدها من تأتي بتلك الأخلاق أو الصفات، وإنما هي الأكثر وقوعاً فيها بحكم الفارق الطبيعي بين الجنسين، وليس المقصود أنهن لن يدخلن الجنة، بل هو تحذير لترتقي كل مسلمة وتترفع عن تلك الأخلاق بحكم عاطفتها، كحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها من الفقراء»، فهل يعني ذلك أنها دعوة للفقر مثلاً؟!

فالمسألة ترميز للفت الانتباه، في مكان وتوقيت احتفالي بعيد المسلمين، وفي حديث مخصص للنساء المجتمعات دون وجود شبيه لذلك الحدث من قبل ولا من بعد، فنقصان الدين الناتج عن عدم تأدية بعض العبادات أثناء فترة الحيض تجاهله الشرع بعدم الأمر بإعادة الصلاة مثلاً، فهناك نوع من التجاوز التشريعي معه، وذلك للمشقة، وعدم محاسبتها على ما لا تملك، إنما في مسألة التكليف والعمل والواجبات فهي واحدة إلا من فروق طبيعية تلائم التركيب الفسيولوجي لكل منهما، ولاختلاف المهمة الموكلة لكل طرف من الجنسين.

وهذا لا ينفي أن هناك استثناءات بما منحه الله عز وجل لبعض الناس من قدرات خاصة تتفوق فيها على بعض الرجال في مجالاتهن، بل قد يتفوقن عنهم، لكن يظل ذلك في دائرة الاستثناء لا القاعدة.

وفي النقصان قمة الكمال

والأدلة الشرعية على الفروق الطبيعية بين الرجل والمرأة كثيرة، لذلك فقد تغيرت التشريعات الخاصة بالمرأة والرجل في أمور طفيفة، فأبطلت الشريعة فرضيتها على النساء كالجهاد، على سبيل المثال، وصلوات الجماعة، وصلاة الجمعة، والعمل خارج البيت إلا لضرورة كحاجة المجتمع لتخصصها، وقدراتها العالية.

وهناك مئات من الأبحاث التي أجريت في هذا المجال لإثبات الفروق الجوهرية التي تثبت النص القرآني: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى) (آل عمران: 36)، ومن هذه البحوث ما ذكره عبدالحليم أبو شقة: بحث ترمان ومايلز لتحليل الميول والاتجاهات لكلا الجنسين، وقد كانت العينات من مختلف المجتمع الأمريكي بينهم أطفال بالمدارس والجامعات، متعلمين وغير متعلمين، ومن أصحاب المهن والمشردين وكبار السن والرياضيين، فكانت النتائج هي الأقرب إلى الدقة من بين كافة البحوث التي أجريت في هذا المضمار، حيث أثبتت نجاحاً كبيراً في التمييز بين إجابات الرجال والنساء، ووجد أيضاً بين النتائج أن النساء ذوات العمل والخبرة تتشابه مع الرجال؛ أي أنهن يقتربن من الذكورة في الصفات المزاجية(1).

ومن هنا يتضح أن ما يسمى بصفات النقصان تتماهى مع الصفات التي يجب أن تكون عليها المرأة كأُم، وزوجة، ومربية، وداعية، وطبيبة، وأديبة؛ أي كل ما يمت للشق الأدبي في الحياة الإنسانية، فذلك النقص هو قمة الكمال لتكون مهيأة لممارسة مهمتها التي خلقها الله لها.

إن الاقتراب من الثوابت الإسلامية أشبه بالمرور في حقل ملغم، وأولى بالجميع البحث والرجوع للثقات من العلماء ولن تعدم الأمة علمائها المنصفين، ومنذ فجر الإسلام حاول الكثيرون النيل من ثوابت الإسلام بالتشكيك فيها أو محاولة تبديلها، لكن حفظ الله له باق حتى تلقاه البشرية، ومن ثوابته أنه كرم المرأة كما لم تكرمها شريعة من قبل، وكما لم يكرمها قانون وضعي من بعد، فلترفع المرأة المسلمة رأسها وتعتز بدينها.





_____________________

(1) موسوعة تحرير المرأة في عصر الرسالة للكاتب عبدالحليم أبو شقة.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة