سياسة الرئيس السوري أحمد الشرع المتوقعة في السنوات الخمس المقبلة

سورية تعيش مشهداً جيوسياسياً معقداً وصعباً، ولكنه واعد، وبناء على ما ظهر من نيات وأعمال الحكم الجديد في سورية، يتوقع المراقبون أن خطط الرئيس السوري أحمد الشرع الإستراتيجية للسنوات الخمس المقبلة -إن شاء الله- ستعطي الأولوية للاستقرار، وإعادة الإعمار، وإعادة تنظيم الصفوف الدبلوماسية، وإعادة بناء الجيش تدريجيًا، والانتباه للهشاشة الداخلية، وحسن التفاعل مع ديناميكيات القوة الإقليمية، مع مراعاة التهديدات التي تُشكّلها الغارات الجوية الصهيونية، وفيما يأتي تفصيل ذلك:

1- إستراتيجيته العسكرية والأمنية:

أهداف هذه الإستراتيجية ردع أيّ عدوان إضافي، مع تجنّب الحرب المباشرة، وإعادة بناء القدرات الدفاعية، وضمان الأمن الداخلي.

- ردع غير متكافئ: تعزيز أنظمة الدفاع الجوي من خلال الشراكات مع روسيا أو تركيا أو الصين وغيرها، مع تجنّب التصعيد العلني مع الكيان الصهيوني، بعد ذلك، تطوير بنية تحتية عسكرية لا مركزية (توزيع الأصول والأنفاق والطعم) للتخفيف من أضرار الغارات الجوية، ثمّ توسيع قدرات الحرب الإلكترونية والطائرات المُسيّرة للاستطلاع والردّ المحدود عند الحاجة.

- الأمن الداخلي وإدارة المليشيات: ستدمج المليشيات الموالية تدريجيًا في قوات الأمن الرسمية للحدّ من التشرذم، بعد ذلك، تكون مواجهة فلول العدو وجيوبه عبر تبادل المعلومات الاستخباراتية مع تركيا والعراق ودول الجوار، ثم تجنب الاعتماد المفرط على الجماعات المدعومة من جهات خارجية للحفاظ على المرونة السياسية.

2- إستراتيجيته المخصوصة تجاه الكيان الصهيوني:

من الضروري ألا تقع حرب مباشرة مع الكيان الصهيوني، ولكن من المهم الاستفادة من الإدانة السياسية عبر جامعة الدول العربية والأمم المتحدة والأصوات الغربية المتعاطفة، ثم السعي للحصول على ضمانات أمنية من تركيا أو روسيا أو غيرهما لتثبيط المزيد من الضربات.

إن العلاقات السورية الصهيونية من أكثر العلاقات تعقيدًا في منطقة الشرق الأوسط، تاريخ هذه العلاقة مليء بالتوترات والنزاعات؛ ما أثّر بشكل كبير على الأمن الإقليمي، وتتزايد التحليلات حول التوترات الأخيرة بين الكيان الصهيوني وسورية، خاصة مع دخول القوات الصهيونية إلى مناطق سورية مثل الجولان والقيام بغارات على منشآت عسكرية في مختلف المدن السورية؛ ما يزيد من تعقيد المشهد الإقليمي.

إن النزاعات الحدودية تشكل نقطة اشتعال بين البلدين حيث يسعى كل منهما لحماية مصالحه الإستراتيجية، والتدافع على هضبة الجولان مِن أبرز هذه النزاعات حتى إن اتفاقيات السلام التي تفاوض عليها الطرفان في التسعينيات غير مكتملة، كما أن النزاع بين البلدين حول الحقوق المائية والموارد الطبيعية يؤدي دورًا مهمًا في تصعيد التوتر.

ويتبع الكيان الصهيوني إستراتيجيات جديدة تجاه سورية، تشمل تعزيز أمنه على الحدود، وتعاونه مع قوى إقليمية أخرى، وتعزيز نفوذه في المنطقة عبر تحالفات جديدة، كما يسعى إلى استخدام القوة العسكرية كوسيلة لمنع أي تهديدات سورية.

ويُعد السعي نحو السلام أمرًا ضروريًا لاستقرار المنطقة، وإن فهم التاريخ هو مفتاح لفهم الديناميات الحالية وكيفية تطور الأمور في المستقبل.

3- مواقفه السياسية والدبلوماسية:

أهداف هذه المواقف هي تطبيع مكانة سورية الدولية، والحد من عزلتها، وتحقيق التوازن في العلاقات بين القوى الإقليمية.

- التوافق العربي والتركي: يقوم على تعزيز العلاقات مع تركيا لصنع حاجز أمني والاعتماد على شريك اقتصادي في التجارة والطاقة وإدارة اللاجئين، ثم العودة إلى جامعة الدول العربية بشكل كامل، والاستفادة من استثمارات الخليج (السعودية، وقطر، والبحرين، الإمارات.. وغيرها) لإعادة الإعمار.

- التقارب المدروس مع الغرب: قد يكون ذلك بغرض تعاون في مكافحة إرهاب معيَّن مع الولايات المتحدة وأوروبا مقابل تخفيف العقوبات، ثم الانخراط بعد ذلك في دبلوماسية تدريجية تبدأ بتنازلات بشأن المعتقلين، أو عودة اللاجئين، مقابل أموال إعادة الإعمار من الاتحاد الأوروبي.

- تحقيق التوازن بين روسيا وإيران: الحفاظ على العلاقات العسكرية مع روسيا، مع الحد من بروز الوجود الإيراني لإرضاء الشركاء العرب والغربيين، ثم عرض امتيازات اقتصادية على روسيا؛ مثل الوصول إلى الموانئ، وعقد صفقات الطاقة، لضمان استمرار الغطاء السياسي في الأمم المتحدة.

4- سياسته الاقتصادية وإعادة الإعمار:

أهداف هذه الإستراتيجية هي إنعاش الاقتصاد، وجذب الاستثمار الأجنبي، وتخفيف المعاناة الإنسانية لتحقيق استقرار النظام.

- التهرب من العقوبات وتحقيق البقاء المالي: سيتوسع نطاق التجارة بالعملات، مثل الليرة التركية، والروبل الروسي، والريال السعودي، والدينار الكويتي.. وغيرها؛ لتجاوز عقوبات الدولار، ثم تطوير اقتصادات التهريب عبر لبنان والعراق لتحقيق خط نجاة مؤقت، وقد يكون ذلك عبر البحر أيضاً.

- إعادة الإعمار التدريجي: ستعطى الأولوية للمدن الرئيسة (دمشق، حلب، اللاذقية) لجذب المستثمرين، ثم الشراكة مع تركيا ثم مع دول أخرى كالصين وقطر والسعودية في مشاريع البنية التحتية كالموانئ، والطرق السريعة، والطاقة.

- الشرعية الشعبية: إطلاق حملات محدودة لمكافحة الفساد تستهدف صغار المسؤولين مثلاً لتهدئة الغضب الشعبي، ثم توزيع الخبز والوقود المدعومَين عبر المساعدات السعودية والقطرية والتركية وربما الخليجية كافة لمنع الاضطرابات.

5- سياسته الداخلية والاستقرار الاجتماعي:

أهداف هذه السياسة ترسيخ السيطرة، وإدارة المعارضة، ومنع تجدد الانتفاضة.

- إصلاحات مُسيطَر عليها: تقدم فيها تنازلات رمزية مثل إجراء انتخابات محلية، ومنح حريات إعلامية محدودة لتحقيق المظهر الإصلاحي دون المخاطرة بالسلطة، ثم استمالة زعماء القبائل ونخبة رجال الأعمال بحوافز اقتصادية.

- إدارة اللاجئين والنازحين داخليًا: التفاوض على تمويل الاتحاد الأوروبي لعودة «المناطق الآمنة»، تحت إشراف تركي، ثم استخدام فرص إعادة الإعمار لجذب السوريين مِن ذوي المهارات.

- السيطرة على الخطاب: تصوير الحكومة على أنها «أهون الشرين» مقارنة بالفصائل الأخرى أو حكم أمراء الحرب، ثم الترويج للقومية الإسلامية عبر الخطاب المعادي للكيان الصهيوني في فلسطين، مع الدعاية لإعادة الإعمار.

6- تحديد المواقع الإستراتيجية طويلة المدى (رؤية خماسية):

بحلول السنة الخامسة من حكمه، يُتوقع أن تستعيد سورية عضويتها كاملة في جامعة الدول العربية، وتتلقى استثمارات خليجية، وبذلك ترفع سورية العقوبات عن نفسها جزئيًا.

سيكون الجيش ضعيفاً، ولكنه سيبقى قادراً على الصمود، ويعتمد على شراكات الدفاع الجوي التركية/الروسية.

وسيبقى الاقتصاد هشًا، لكنه سيكون في مأمن من حالة السقوط الحر، حيث ستجذب المناطق المنعزلة (دمشق واللاذقية) رأس المال الأجنبي على غرار دبي.

سيواصل الكيان الصهيوني شن ضربات متقطعة على سورية، لكنه سيتجنب حربًا واسعة النطاق بسبب الردع التركي/الروسي.

7- الأخطار وإمكانية تجنبها:

- الاعتماد المفرط على تركيا: قد يؤدي إلى فقدان السيادة، مثل سيناريو إدلب، ويمكن تجنب ذلك بالتنويع نحو قطر/روسيا أو السعودية/الصين، أو غيرهما.

إن حقق الكيان الصهيوني ضربة قاضية على سورية، فإنه سيقع خطر انهيار النظام، ويمكن تفادي ذلك باعتماد سياسة غير مركزية القيادة، وتأمين ضمانات قطرية/روسية أو سعودية/صينية أو غيرهما.

- احتمال قيام ثورة شعبية: سيحدث ذلك إذا كانت الإصلاحات بطيئة جدًا، ويمكن تفادي ذلك باعتماد رعاية مُسيطَر عليها، واللجوء إلى قمع محدود.

في الختام، قد تناسب هذه الإستراتيجيات والسياسات والمواقف قوة سورية المحدودة، لكنها ستستغلُّ قيمتها الجيوسياسية لتركيا وروسيا والخليج من أجل البقاء، وسينصبُّ التركيز على تجنب الحرب، ومقايضة التنازلات مقابل الإغاثة الاقتصادية، وإعادة بناء سلطة الدولة ببطء، دون ديمقراطية حقيقية ترضى عنها أمريكا وأوروبا، هذه الخطة عالية الأخطار، لكنها المسار الوحيد المجدي -على ما يبدو- لنظام ضعيف في منطقة ممزقة وأمة منهَكة.

الرابط المختصر :

كلمات دلالية

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة