6 صور من أخلاق النبي ﷺ

لقد اتصف النبي صلى الله عليه وسلم بخير الأخلاق فنال ثقة واحترام كفار
قريش قبل غيرهم، فهو الذي كان يُطلق عليه «الصادق الأمين»؛ لما اشتُهر به من الصدق
والأمانة بين قومه.
وجاء الإسلام ليُعزز هذه الأخلاق ويجعلها السمة الأبرز لكل مسلم يعتنق هذا
الدين، فكان النبي صلى الله عليه وسلم الأسوة والقدوة التي يجب على الجميع أن
يتأسى بها في أخلاقه ومعاملاته.
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، لتكون
دستورًا وقاعدة أصولية عند كل مسلم في تعاملاته مع الغير.
ولما كان للأخلاق من أهمية كبرى في ديننا الحنيف وشريعتنا الغراء، فكان
واجبًا أن يكون ممثلها الأعظم ومعلمها الأسمى أولى من يتصف بها، ولذلك شاء الله تعالى
بحكمته وفضله أن يختار نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم من بين البشر كلهم أجمعين،
وأن يصطفيه ويخصه من الخصائص بما لم يخص به أحداً من العالمين.
فكان صلى الله عليه وسلم قدوةً للناس أجمعين في كل شيء، فقال الله عز وجل: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ
اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ
وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (الأحزاب:21).
وهذه وقفة تأملية مع صور أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم:
1- أخلاقه مع الجاهلين:
عن أبي هريرة قال: بال أعرابيٌّ في المسجد، فقام الناس إليه ليقعوا فيه،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «دعُوهُ وأريقوا على بوله سَجْلًا من ماء، أو
ذَنوبًا من ماء، فإنما بُعثتُم ميسِّرينَ، ولم تُبعَثوا معسِّرين» (رواه البخاري).
2- أخلاقه مع المذنبين:
عن أبي أمامة قال: إن فتى شاباً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا
رسول الله، ائذن لي بالزنى! فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه، فقال: «ادنه»،
فدنا منه قريباً، قال: فجلس، قال: «أتحبه لأمك؟»، قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه
فداك، قال: «ولا الناس يحبونه لأمهاتهم»، قال: «أفتحبه لابنتك؟»، قال: لا واللَّه،
يا رسول اللَّه جعلني اللَّه فداك، قال: «ولا الناس يحبونه لبناتهم»، قال: «أفتحبه
لأختك؟»، قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: «ولا الناس يحبونه لأخواتهم»،
قال: «أفتحبه لعمتك؟»، قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: «ولا الناس
يحبونه لعماتهم»، قال: «أفتحبه لخالتك؟»، قال: لا واللَّه جعلني اللَّه فداك، قال:
«ولا الناس يحبونه لخالاتهم»، قال: فوضع يده عليه وقال: «اللَّهمّ اغفر ذنبه وطهر
قلبه، وحَصِّنْ فرْجَه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء» (رواه أحمد).
3- حلمه مع من يجهل عليه:
كان زيد بن سعنه حبراً من أحبار اليهود، ويعرف أوصاف النبي صلى الله عليه
وسلم، كما قال الله جل وعلا في كتابه الكريم: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا
يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ
وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (البقرة: 146).
يقول زيد بن سعنه: والله ما من شيء من علامات النبوة إلا وقد رأيته في محمد
صلى الله عليه وسلم، إلا أنني لم أعرف من العلامات علامتين؛ الأولى: يسبق حلمه
جهله، والثانية: لا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلماً؛ يعني: حلمه أسبق، ولو جهل
عليه ازداد بهذه الجهالة حلماً.
4- أخلاقه مع الذين آذوه وأخرجوه من أرضه:
عن صفية بنت شيبة قالت: لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم واطمأن الناس
خرج حتى جاء البيت فطاف به، فلما قضى طوافه دعا عثمان بن طلحة فأخذ منه مفتاح
الكعبة ففتح له فدخلها، ثم وقف على باب الكعبة فخطب، ثم قال: «يا معشر قريش، ما
ترون أني فاعل فيكم؟»، قالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم، قال: «اذهبوا فأنتم
الطلقاء».
5- أخلاقه مع غير المسلمين:
عن أنس: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برده غليظة
الحاشية، فأدركه أعرابي فجذبه جذبة شديدة، حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله صلى الله
عليه وسلم، وقد أثرت به حاشية البردة من شده جذبته، ثم قال: يا محمد، مر لي من مال
الله الذي عندك! فإن المال ليس بمالك ولا بمال أبيك، فالتفت إليه رسول الله صلى
الله عليه وسلم وضحك، وأعطاه النبي أغناماً كثيرة وقال له: «هل رضيت؟»، قال: لا،
فأعطاه الثانية، وقال: «هل رضيت؟»، قال: لا، فأعطاه الثالثة وقال: «هل رضيت؟»،
فقال الأعرابي: أشهد أن هذه أخلاق الأنبياء، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن
محمداً رسول الله، وساق الأعرابي أغنامًا كثيرةً بين جبلين، ورجع إلى قومه يقول
لهم: جئتكم من عند خير الناس، أسلموا؛ فإن محمدًا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر
أبدًا.
6- أخلاقه مع الحيوانات:
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بينما رجل يمشي بطريق
إذ اشتد عليه العطش، فوجد بئراً (فنزل فيها)، فشرب فخرج، فإذا كلب يلهث يأكل الثرى
من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغ مني، فنزل البئر
فملأ خفه ثم أمسكه بفيه حتى رقي، فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له، فقالوا: يا
رسول الله، وإن لنا في البهائم لأجراً؟ قال: «في كل كبد رطبة أجر» (رواه البخاري).