كيف نوجه الغريزة الجنسية في إطارها الصحيح؟
يسلط كتاب «فعل الروح.. الغريزة الجنسية واستعادة الفطرة الإنسانية» الضوء
على هذه الغريزة وموقعها الصحيح ضمن الحاجات الإنسانية، في إطار مقارن بين
النظرتين الحداثية والإسلامية، باحثاً عن منهج مغاير لتثقيف الشباب والمراهقين،
أطلق عليه المؤلف «التربية الأسرية» بدلاً من مناهج «التثقيف الجنسي».
يضم الكتاب بين دفتيه الفصول التالية: الغريزة الجنسية: الشهوة..
الاضطرابات.. فعل الروح! الحب والجنس: العلاقات بين المراهقين والأزواج، الأديان
والجنس.. بين الحقيقة والتأويلات، إشكاليات جنسية: قبـل.. وأثنـاء.. وبعد الـزواج،
المرأة والجنس: من أسطورة الغواية.. إلى تسليع الجندر، حياتنا الجنسية.. بين حفظ
العرض وثورة الجسد، التحرش الجنسي.. ثورة المرضى والفقراء، التربية الأسرية: من
الإيقاظ الجنسي إلى التربية والتثقيف.
يعترف مؤلف الكتاب الصحفي والباحث المصري حمدي عبدالعزيز، في بداية كتابه،
بأن الحديث عن الغريزة الجنسية يشبه السير على حبل مشدود في الأعلى، لأنها تحولت
من «تابو» إلى حديث المدينة! وهذا التحول وتلك الأحاديث بين الصغار في المدارس
والشباب والكبار في العمل والبيوت وعلى المقاهي، تعكس واقعنا الذي تتنازعه نزعتان:
محافظة توسع دائرة الحرام وتضيق مساحات الإباحة، وحداثية تغرق أدمغتنا ووجداننا
بالإباحية في عصر الفردانية والاستهلاك واللذة.
ويرى الكاتب أن قضية الجنس لا يمكن السكوت عنها؛ لأنها ترتبط بكيان الأسرة
والنظام الاجتماعي ككل، كما تتعلق بمستقبل أطفالنا الذين يتعرضون لأخطار التحرش
الجنسي في الشارع، وخطر الغواية في عصر الصورة، التي تقتحم غرفة نومهم وتقفز إليهم
من التلفاز والهاتف الجوال.
يقول عبدالعزيز، في كتابه الصادر حديثاً عن دار الفنار في القاهرة: إن الجنس
مثل التنفس، فهو سلوك يؤدي إلى التكاثر، ووظيفة أساسية عند كل كائن حي، من نبات أو
حيوان أو إنسان، وهو رئة الكون التي تتجدد من خلالها الكائنات الحية على سطح كوكب
الأرض، لكنه يختلف بالنسبة للبشر؛ نظراً لأنه ينطوي على علاقة إنسان بإنسان، رجل
وامرأة، وله شقان، هما: الجانب العاطفي، والجانب الشهوي.
يتابع: ولا يكون الإنسان قبل البلوغ مكلفاً، ولا توجه له الأوامر الشرعية،
فإذا بلغ –أي حينما تستيقظ الغريزة الجنسية سواء كانت للذكر وعلامتها القطعية خروج
المني منه، أو للمرأة وعلامتها القطعية بدء الحيض- هنا يصبح الإنسان مكلفاً من
الناحية الشرعية.
وقد ألف ابن طاووس كتاباً اسمه التشريف ببلوغ سن التكليف، رصد فيه لنفسه في
أي يوم أصبح بالغاً، وفي أي سنة، وكان يحتفل كل عام ببلوغه، شاكراً المولى عز وجل
على هذه النعمة لأنه أصبح مكلّفاً مخاطباً من الله تعالى ببلوغه، أي عند بدء
الغريزة الجنسية.
تحاول فصول الكتاب أن تكشف معالم الانفجار الجنسي الكبير في عالمنا، بلغة
تضع القضية في مكانها الصحيح كحاجة إنسانية من ضمن حاجات أخرى، ونقاش هادئ بعيداً
عن الأحاديث الإثارية أو المعلبة، وفي إطار من الإباحة وليس الإباحية، حيث يذكر
المفكر طه عبدالرحمن في كتابه «دين الحياء»: من الفقه الائتماري إلى الفقه
الائتماني، أن الحديث عن المسألة الجنسية من المنظور القرآني مركز وعميق، فجعل
المرأة لباساً للرجل، والرجل لباساً للمرأة، في العلاقة الزوجية، وهي ليست علاقة
أجساد عارية، بل علاقة ستر وحفظ.
يرى المؤلف أن المسألة الجنسية ليست مجرَّد حاجة بيولوجية، بل لقاء مع
الآخر يعبِّر عن الكيان الواحد، والزواج يحول هذا الفعل المادي إلى محبة وتعاطف
بين روح وروح، عقل وعقل، أما التصنيفات الجندرية فما هي إلا ثورة للجسد تحت شعار
حقوق المرأة وحرية الإنسان، وهي في الحقيقة تعكس تحطم روح الإنسان ومأزق حضارته
الراهنة.
ويحاول الكتاب استعادة مفاهيم العفة والحياء والشرف كمفهوم شامل للفتى
والفتاة، في ظل موجات حداثية أطلقت العنان للمرأة لكي تختار نوعها الجنسي المفضل،
بدعوى أن التقسيم الجنسي لذكر وأنثى أدى لاستعباد النساء في التاريخ والمجتمعات!
وفي ظل إهمال التربية الجنسية للأجيال المختلفة، يدعو المؤلف إلى استخدام
مصطلح الثقافة الأسرية بدلاً من الثقافة الجنسية، وأن يكون ذلك ضمن مناهج متعددة،
تناسب حاجات كل مرحلة عمرية، على اعتبار أن مفهوم التربية الجنسية وتدريس منهج
منفصل عنه يحمل أخطاراً في مقدمتها: خطر اختزال التربية الجنسية في تعلم تقنيات
ممارسة الجنس، خطر الخلط بين التنشئة الاجتماعية والتربية الجنسية.
ويطالب عبدالعزيز بأن تكون التربية الجنسية ضمن المناهج التربوية والعلمية،
وهذا يتطلب نقاشاً متخصصاً بين العلماء والخبراء في علوم النفس والاجتماع والفقه
والأحياء والهندسة الوراثية؛ لأن القضية سلاح ذو حدين، إذا أهمل سيحدث الجهل به
آثاراً ضارة وخصوصاً على جيل الأطفال والمراهقين، وإذا أبيح على الإطلاق سيحول
المجتمع العربي إلى مجتمع غربي أو أمريكي وهذا لا يناسب ديننا وثقافتنا.