كيف حوت «الفاتحة» جميع مقاصد القرآن؟

رقية محمد

24 أبريل 2025

147

هي أم الكتاب التي لا تصح الصلاة إلا بقراءتها، بما يدل على عظيم قدرها وجلالة معانيها، فاتحة الكتاب التي قال العلماء: إنها «الجامعة على وجازتها جميع معاني القرآن»(1)، وفيما يلي بيان لمقاصد القرآن التي تحويها سورة «الفاتحة» والهدايات العملية في كل آية منها:

 

قراءة في كتاب «رسائل من القرآن» |  مجلة المجتمع الكويتية
قراءة في كتاب «رسائل من القرآن» | مجلة المجتمع الكويتية
يُعد كتاب «رسائل من القرآن» للمؤلف أدهم شرقاوي...
mugtama.com
×


1- التوحيد:

غرض الشريعة الأول الحث على توحيد الله وعبادته، فهو أصل الدين الذي لا يُقبل عمل من دونه، وقد شملت «الفاتحة» أنواع التوحيد:

- توحيد الألوهية: (الْحَمْدُ للّهِ)، فافتتحت السورة بذكر الألوهية لله، وأنه المستحق بتوجيه العبد كافة أفعالهم لوجه فحسب، وقد بُدئ به لأنه التوحيد الذي نوزع فيه الرسل عليهم السلام.

- توحيد الربوية: (رَبِّ الْعَالَمِينَ)، وفيه الإقرار بتوحيد الله بأفعاله هو، فهو وحده خالق كل العالمين وسيدهم، وهو الذي رباهم بتدبيره ورزقه وما شاءه لهم من مقادير.

توحيد الأسماء والصفات: (الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ)، «أل» تُفيد الاستغراق، فله كمال الرحمة في الدنيا والآخرة، وهو الكامل من كل وجه، فهو وحده المستحق بإفراده بجميع ما له من صفات وأسماء وأفعال لا تنبغي إلا له، ليس كمثله شيء.

هداية الآيات: استشعار العبد نعم الله في حياته وخصوصاً رحمته، وبصره بما رباه به ربه عز وجل من النعم، وإدمانه الحمد عليها، فكيف بقلب يذكر تلك المعاني ويكررها في كل ركعة من صلواته؟!

2- المعاد:

(مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)، تذكر «الفاتحة» الإيمان باليوم الآخر، وتخبر بأن ملك الله مطلق لا يزول، وأن من يكابر فينازع اللهَ في الملك في الدنيا فلن يثبت على تلك المنازعة في الآخرة يوم الدين، قال القرطبي: «ووجه ثالث: فيقال: لم خصص يوم الدين وهو مالك يوم الدين وغيره؟ قيل له: لأن في الدنيا كانوا منازعين في الملك، مثل فرعون، ونمرود، وغيرهما، وفي ذلك اليوم لا ينازعه أحد في ملكه، وكلهم خضعوا له، كما قال تعالى: (لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) (غافر: 16)؛ فأجاب جميع الخلق: (لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) (غافر: 16)؛ فلذلك قال: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)؛ أي في ذلك اليوم لا يكون مالك ولا قاض ولا مجاز غيره، سبحانه لا إله إلا هو»(2).

وهو يوم يسدد فيها العباد ديونهم، ففيها إثبات ضمني للثواب والعقاب، فمن عمل الخير يجازى عليه، ومن يعمل الشر يجازى به، وإثبات لما يترتب على ذلك من وجود الجنة والنار، وإثبات لعلم الله السابق واللاحق، وعلمه بأعمال العباد وإحصاؤها، وإحاطته بكل مخلوق في العالمين.

هداية الآية: التذكرة بيوم الحساب، وأن الحياة الدنيا مهما طالت فهي حتماً إلى زوال، وذلك مما يكون بمثابة الدواء لحب الدنيا والتكاثر من شهواتها المحرمة، فلا تتمكن من القلب متى حلت فيه تلك التذكرة.

3- الغاية من الخلق:

(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)؛ فيها الغاية من الخلق، ألا وهي عبادة الله عز وجل، وعلى رأس تلك العبادة عبادة الاستعانة بالله، ففيها بيان ضعف البشر وخروجهم من حولهم وقوتهم إلى حول الله وقوته، والتقديم والتأخير في قوله تعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) تفيد الحصر؛ أي لا نعبد إلا إياك ولا نستعين إلا بك، وبيان مركزية الإخلاص لله في عبادته والاستعانة به.

هداية الآية: تخلية القلب من أمراض الشرك والرياء والعجب والكبر، وتحليته بالإخلاص والانكسار والضعف بين يدي الله تعالى، وهذا أصل الأصول الذي يحتاجه العبد في سيره إلى الله تعالى.

4- الحاجة إلى الهداية:

(اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ)، فيها بيان لحاجة الإنسان إلى طلب الهداية، وأنها أهم ما يحصل له في حياته وعليها مدار فلاحه، وفيها بيان أن طريق الحق طريق واحد، ثم بيان لأهمية معرفة ذاك الطريق، فمن دونه يستحيل معرفة الحق، وبه تحصل الهدايتان، يقول السعدي: «والهدايةُ نوعان: هدايةُ البيانِ، وهدايةُ التوفيقِ، فالمتَّقون حصلت لهم الهدايتانِ، وغيرُهم لم تحصُلْ لهم هدايةُ التوفيقِ، وهدايةُ البيانِ بدون توفيقٍ للعَمَلِ بها، ليست هدايةً حقيقيَّةً تامَّةً»(3).

هداية الآية: فيها تبصرة القلب بأهمية التجرد للحق، وطلبه الهداية باستمرار مهما ظن العبد في نفسه الثبات عليها، فلا يأمن مكر الله بأن يضل في طرفة عين.

5- التمسك بالحق قرين مفارقة الباطل:

(صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ)؛ فهنا تفصيل بعد إجمال لأهم علامات طريق الحق، فهو طريق الصالحين، المفارق لطريق الضالين، فرغم قصر سورة «الفاتحة»، فإنها حوت أقسام الناس في الدنيا باعتبار أساس العلم والعمل؛ فالمنعم عليهم بنعمة الإيمان والهداية علموا وعملوا، والمغضوب عليهم علموا الحق ولم يعملوا به، والضالون عملوا عن غير علم واتباع، وذكرت عاقبة كل صنف من هؤلاء من خلال الوصف، فالمنعم عليهم فقط هم الناجون، بخلاف من باؤوا بغضب الله والضلال عن الهدى، وفي ذلك بيان لضرورة طلب العلم والعمل به.

هداية الآية: وفيها استشعار المؤمن بالأُنس، فهو يسير على طريق سار معه فيه النبيون والصديقون والشهداء والصالحون، وتحثه على الاطلاع على سيرهم حتى يستلهمها، ثم معرفة سير مخالفيهم حتى يجتنبها، فيكون على بصيرة من طريقه في كل خطوة يخطوها.

 

قراءة «الفاتحة» في الصلاة من المسلمين الجدد بغير العربية |  مجلة المجتمع الكويتية
قراءة «الفاتحة» في الصلاة من المسلمين الجدد بغير العربية | مجلة المجتمع الكويتية
  يجد المسلمون الجدد في الدول غير الإسلامية...
mugtama.com
×


فسورة «الفاتحة» ليست مجرد دعاء نتبرك بتكراره في كل ركعة، بل هي منهاج حياة، تفتح للعبد باب التأمل في رسائل القرآن كلها، فتُعلِّمه من هو ربه، ولماذا خُلق، وإلى أين المصير، وما الطريق؛ لذا كانت بحق «أم الكتاب»، التي جمعت أمهات المعاني وأصول الهدايات، حيث أجملت في 7 آيات كل ما جاء مفصلاً في القرآن العظيم من حديث عن التوحيد والعبادة ووصف يوم القيامة والجنة والنار وسبل الصالحين والفاسدين وأفكارهم وأخلاقهم بتفصيل.





________________

(1) نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي (11/ 85).

(2) تفسير القرطبي (1/ 220).

(3) تفسير السعدي، ص40.


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة