الأزمات الكبرى كاختبار للعطاء الكويتي.. «كورونا» وغزة نموذجين

سامح ابو الحسن

02 أكتوبر 2025

43

الأزمات الكبرى تختبر قدرة الدولة والمجتمع المدني على التحرك بسرعة وفعالية، في الكويت، قدّمت الدولة والجمعيات الخيرية نموذجاً متكرراً؛ استجابة طارئة واسعة النطاق، ثمّ محاولة تحويل جزء من تلك الجهود إلى برامج مستدامة، تجربتا جائحة «كوفيد-19» وأزمة غزة (الموجة الإنسانية الأخيرة) تقدّمان دروسًا عملية وقاسية في آنٍ واحد عن نقاط قوّة العطاء الكويتي وضعفه.

تنسيق حكومي مدعوم بقدرة مؤسساتية مدنية

في جائحة كورونا، تآزرت الأجهزة الحكومية مع مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الدولية لإدارة الأزمة الصحية والاجتماعية، فكان تعاون وزارة الصحة والجهات ذات الصلة مع لجان خيرية جزءاً من الخريطة الوطنية للاستجابة، تقرير الأمم المتحدة عن استجابة الكويت لجائحة «كوفيد» يسلّط الضوء على الدور المكمّل للجهات المدنية في تخفيف الآثار الصحية والاقتصادية.

وبنفس المنطق، تحوّلت حملات التضامن مع غزة إلى «جسر جوي» وبري من المساعدات الكويتية الرسمية والخيرية؛ وقد سجلت مؤسسات وطنية وإعلام حكومي سلسلة رحلات إغاثية وشحنات غذائية وصلت عبر قنوات رسمية ومؤسساتية متعاونة، تقارير وكالات الأنباء الكويتية والمؤسسات الرسمية توثّق رحلات إغاثة متعددة مؤخراً إلى القطاع.

سرعة ميدانية مع ضوابط مؤسسية متفاوتة

الجمعيات الكويتية أثبتت قدرة على التعبئة السريعة؛ من تجهيز سلال غذائية وحملات تبرع رقمية إلى إرسال شاحنات ومؤن طبية، مثال عملي: «نماء الخيرية» نفّذت حملات مياه وسلالاً غذائية إلى شمال غزة، وأرسلت قوافل شاحنة خلال التصعيد؛ ما يعكس مرونة لوجستية ملحوظة لدى بعض المنظمات.

في المقابل، تفاوتت مستويات الحوكمة والشفافية بين المؤسسات؛ بعض الجمعيات تملك أنظمة قياس أثر وإدارة أخطار متقدمة، وأخرى ما زالت تعمل بنموذج تقليدي أكثر اعتمادًا على الحملات والتبرعات الطارئة، هذا التفاوت يؤثر مباشرة على كفاءة توزيع الموارد وتحديد المستحقين، وتقارير مهنية ومراجع مؤسسية توصي بتعميم آليات قياس الأثر والحوكمة لتعزيز الثقة.

تحديات لوجستية وسياسية تحكّم إطار العمل الخيري خلال الأزمات

أ- القيود اللوجستية والأمنية: في حالات النزاع (كغزة) تتعرّض القوافل لعراقيل مثل إغلاق معابر أو نقص وقود وطرق مدمّرة، ما يقلّص فعالية إيصال المساعدات ويستدعي تنسيقاً دولياً يضمن مرور الشحنات، تقارير دولية تحدثت عن تأثير إغلاق معابر على وصول المساعدات وحدوث أزمات غذائية.

ب- التسييس الدولي والشرعية: العمل الخيري في مناطق الصراع يتداخل مع حسابات سياسية ودبلوماسية؛ دعم الكويت الرسمي والجمعيات مرتبط أحيانًا بآليات دولية (مثل شحنات عبر جهات متعاونة أو مساهمات إلى الوكالات مثل «الأونروا») التي تتأثر بقرارات سياسية ودبلوماسية، مثال: مساهمات الكويت لـ«الأونروا» والتحديات التي واجهت الوكالة في سياق السياسة الدولية.

جـ- اختناقات التمويل: أزمات اقتصادية عالمية وضغوط ميزانيات قد تؤثر على استمرارية التمويل؛ ما يبرز الحاجة إلى مصادر تمويل مستدامة (وقف، صناديق طوارئ، شراكات مع القطاع الخاص)، تقارير محلية عن أوزان الاستجابة تشير إلى تفاوت الموارد بين الحملات الطارئة والمشروعات المستدامة.

عناصر قوّة خاطفت المشهد الاستغاثي

1- سرعة التعبئة المجتمعية: قدرة المجتمع الكويتي على التبرّع الجماعي وإطلاق حملات رقمية وعلنية كانت محركًا أساسياً لتأمين الموارد الفورية، (وثائق إعلامية وتقارير حملات خيرية تؤكد حجم الشحنات والطائرات المرسلة).

2- التنسيق بين الجهات: وجود قنوات رسمية لتسهيل مرور المساعدات (التنسيق بين وزارة الخارجية، وكالات الدولة والجمعيات) حسّن فرص الوصول الميداني في حالات كثيرة.

3- قدرة بعض الجمعيات على الابتكار اللوجستي: جهات أثبتت قدرتها على تنفيذ حملات مياه كبيرة، توزيع سلال، وإنشاء شراكات ميدانية مع جهات تنفيذية محلية في البلدان المتضررة.

ثغرات واضحة تستدعي معالجة فورية

1- تفاوت الحوكمة والشفافية: عدم تساوٍ في أنظمة التقارير والرقابة أدى أحيانًا إلى هدر أو بطء وصول المساعدات، هناك حاجة لمنظومة وطنية توحّد معايير التقارير والتمويل.

2- اعتماد مفرط على الحملات الطارئة: قلّة آليات التمويل الدائم (أوقاف، صناديق طوارئ وطنية) يُضعف الاستمرارية ويجعل المشروعات التنموية أقل قدرة على البقاء، تقارير اقتصادية توصي بتعزيز آليات الوقف والتمويل المستدام.

3- تعطّل الوصول في سياق النزاعات: الاعتماد على قنوات دولية أحيانًا يعرقل وصول المساعدات عندما تُفرض قيود أو تصاعد للأسلحة؛ ما يتطلب إستراتيجيات بديلة وآليات طوارئ لوجستية.

دروس مستفادة وتوصيات عملية

1- بناء صندوق طوارئ وطني للعمل الإنساني: إنشاء صندوق مستقل يموَّل من تبرعات وتبرعات وقفية يضمن استمرارية التدخلات دون انتظار حملات متقطعة.

2- توحيد معايير الحوكمة والشفافية: اعتماد إجراءات موحدة للتقارير المالية والتشغيلية لكل الجمعيات، مع منصة حكومية أو شراكة مع جهات مستقلة لقياس الأثر ونشر نتائج الأداء.

3- تعزيز الشراكات الدولية واللوجستية: اتفاقيات سابقة مع جهات تنفيذية إقليمية ودولية لتسهيل المرور في حالات النزاع، وتخزين احتياطي داخل بلدان الجوار لتقليل زمن الاستجابة، (تجارب الشحنات الجوية الكويتية توضح أهمية القنوات الثابتة).

4- تحويل جزء من الاستجابة العاجلة إلى برامج تنموية: ربط المساعدات الطارئة بمشروعات تمكين (وظائف مؤقتة، تدريب، برامج صحية ومتابعة)، بحيث لا تبقى المساعدة فعلاً عابرًا بل مكوّنًا لبناء قدرة محلية مستدامة.

5- الاستثمار في قدرات الكوادر والابتكار الرقمي: تدريب فرق الطوارئ، نشر منصات التتبع الرقمية للمعونات، وأدوات قياس الأثر لتقليل البيروقراطية وتسريع التوزيع.

اختبار الأزمات مكسب إن نجحنا في التعلم

تجربتا «كورونا» و«غزة» أظهرتا الوجهين المشرق والمتحفّظ من العمل الخيري الكويتي: سرعة استجابة ومرونة ميدانية، مقابل حاجة ملحّة للتحديث المؤسسي والتمويل المستدام، إن جعل الاستجابة أكثر شفافية واستدامة وربطها بخطط وطنية للوقاية والتعافي يمكن أن يرفع من أثر العطاء الكويتي — ليس كعمل لحظيّ، بل كقوة إنسانية مستدامة تُثبِت مكانة الكويت على خارطة التضامن الدولي.




_____________________

1-  United Nations — Kuwait National Response to COVID-19 (report)،

2- The United Nations in Kuwait

3- IFRC — Kuwait COVID-19 field report (2020)،

4- go.ifrc.org

5- Kuwait Times — Namaa Charity launches emergency water relief campaign in North Gaza.

6- Kuwait Times

7- KUNA / Kuwait government news — تقارير شحنات الإغاثة الكويتية إلى غزة (2024–2025)،

8- Reuters / UN reporting on Gaza aid access and risks of shortages (reporting on aid routes and closures)،

Kuwait Times / local reporting on Kuwaiti airlifts and delivered tons to Gaza.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة