بين الواجب وحلف الفضول

د. محمد السبأ

28 أغسطس 2025

122

من واجب الإنسان المسلم على أخيه أن ينصره ويقف معه في السراء والضراء، ويمنع الظالم من ظلمه وانتهاك حقوقه، وإلى جانب وجوبه فهو من المروءة والأخلاق الحميدة التي تُعد من أعظم القيم التي كانت عند العرب وأقرَّها الإسلام، لأنها تحقِّق مقاصده التي جاء بها لإخراج الناس من الظلمات إلى النور.

واجب المسلم على المسلم

من أحق حقوق المسلم على أخيه المسلم أن يبادر لمساعدته إذا حلَّ به ضرّ أو كان في ضائقة أو نزلت عليه مصيبة، وقد قال الله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) (التوبة: 71)، وضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثَلاً لقوة الرابطة بين المؤمنين فقال: «مَثَلُ المُؤْمِنينَ في تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمهمْ وَتَعَاطُفِهمْ مَثَلُ الجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ والحُمَّى» (صحيح الجامع، 5849)، وقال: «المُؤْمِنُ للْمُؤْمِنِ كَالبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضَاً وشبَّكَ بَيْنَ أصَابِعِهِ» (رواه البخاري، 2446)، وقال: «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، ويَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ» (صحيح الجامع، 6712)، ونهى عن خذلان المسلم: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ» (رواه مسلم، 2564).

خطر خذلان المسلم لأخيه

خذلان المسلم لأخيه المسلم يشكِّل خطراً كبيراً يعود عليه وعلى دينه ودنياه وآخرته، كما يعود سلباً على المجتمع والأخوَّة في الدين، ويضعف روح التضامن والرحمة بين المسلمين، ويوهن عزيمة المؤمنين، بينما يقوّي ظلم المعتدين، ويفتح للفساد أبواباً.

قال الله تعالى: (وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) (الأنفال: 73)، وهو سببٌ كبير لخذلان الله للعبد، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ، وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، إِلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ، وَمَا مِنْ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ، إِلَّا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ نُصْرَتَهُ» (مسند أحمد، 16368).

حلف المطيَّبين (حلف الفضول)

أعلن النبي صلى الله عليه وسلم الغاية الأسمى من بعثته فقال: «إنما بُعِثتُ لأتمِّمَ صَالحَ الأَخْلَاق» (ابن عبدالبر، 24/ 333)، وقد حضر حلفاً لقومه في دار عبدالله بن جُدْعان وهم في الجاهلية وعمره 15 سنة، فأعجبه، لأنه قام بالأخذ على يد الظالم ونصرة المظلوم، قال صلى الله عليه وسلم: «شَهِدْتُ حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ مَعَ عُمُومَتِي وَأَنَا غُلامٌ، فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي حُمْرَ النَّعَمِ، وَأَنِّي أَنْكُثُهُ» (مسند أحمد، 1655).

أنت كمسلمٍ ترى أخاك المسلم يتعرَّض للظلم بكل أنواعه، فإمَّا أن تقوم بنصرته واجباً أو مروءة، فالواجب هو ما أوجبه عليك الله ورسوله، والمروءة هي ما يوجبه عليك الخلق الكريم والذّمام، أمَّا أن تكون بعيداً عن هذا وذاك، فلا بالشريعة اهتديت، ولا بأخلاق العرب اقتديت؛ فإنها والله المصيبة على الحقيقة، والإيذان بالفساد والمزيد من ظلم العدو وتحكُّمه في الأمة والملة، بينما أعداء الله في غيهم وظلمهم وضلالهم (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) (البقرة: 217)، وهم على طبعهم وطبيعتهم (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) (المائدة: 82)، فماذا ننتظر منهم بعد هذا البيان الذي بيَّنه لنا اللطيف الخبير؟!

ظلمهم وعدوانهم عقيدة وديناً

نرى ونسمع مراراً من أعداء الإسلام من اليهود والنصارى والمشركين أنهم يعلنونها بصراحة: أن حربهم على الإسلام، وأنهم يقومون بما يقومون به حسب عقيدتهم ودينهم، وأنهم يحسبون أنفسهم في مهام مُقدَّسة، وأنهم يريدون الانتقام من الإسلام وأهله.. إلخ، بينما أهل الإسلام يسايرون الطِّباع ويسعون للتطبيع، ويقسون على القريب ويصدِّقون التقارب، وما يزالون يلهثون وراء التفاوض والمفاوضات سنين عدداً!

أليس الله أعلم بخلقه مؤمنهم وكافرهم؟ فانظر إذاً إلى تحذير الله لعباده المؤمنين من الركون إلى أولئك وما يقول الله في هؤلاء وأمثالهم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ) (آل عمران: 118)، هل هناك أوضح من هذه الآية الكريمة؟

أين تضع نفسك اليوم؟

ليس لنا إلا أن نختار أحد الصفَيْن: صف المؤمنين الذين قال الله فيهم وحث على ولائهم: (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) (المائدة: 56)، أو الصف الآخر الذي دأب على الظلم واستمرأ العدوان، والحذر الحذر من أن تصدِّق أي دعاية أو دعوة أو دعوى في غير سبيل المؤمنين، فمجرد الركون خطرٌ عظيم؛ فكيف بأكثر منه (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ) (هود: 113)، وذاك هو الزبير بن عبدالمطلب الذي حفَّزته مروءته حتى قام بدعوة قريش لحلف الفضول، فكان مفتاح خير ورمز إصلاح، بينما كان العاص بن وائل رمزاً للظلم والعدوان، وأنت بعد هذا أين تضع نفسك؟


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة