7 ثمرات لـ«الرِّفْق»
شرع الإسلام الرخص، حيث أسقط الصلاة عن
الحائض والنفساء؛ لضعفهما، كما شرع قصر الصلاة وجمعها؛ تخفيفاً على المسافر ورحمة
به، ورخص للمريض والمسافر الفطر في رمضان وقضاء ما أفطره بعده؛ تيسيراً وتخفيفاً
على عباده؛ وفي هذا دلالة على أن الله تعالى إذا وجد من عبده ضعفاً فإنه يخفف عنه
ويرفق به، حيث قال الله تعالى: (يُرِيدُ
اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا) (النساء: 28).
وقد جعل الإسلام للرفق ثمرات متعددة،
منها ما يأتي:
1- الاستجابة لأمر الله
وتحقيق محبته:
حث الله تعالى على الرفق، حيث وصف به
نفسه، في قوله عز وجل: (وَرَبُّكَ
الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ
الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا) (الكهف:
58)، وأوصى سبحانه موسى، وهارون، عندما أمرهما بالذهاب إلى الفرعون، حيث
قال عز وجل: (اذْهَبَا إِلَى
فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى {43} فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ
يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (طه).
ومما يدل على أن الله تعالى يحث على
الرفق، ما رواه مسلم في صحيحه عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتِ: اسْتَأْذَنَ
رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ! فَقَالَتْ عَائِشَةُ: بَلْ عَلَيْكُمُ السَّامُ
وَاللَّعْنَةُ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا
عَائِشَةُ، إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ»، قَالَتْ:
أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ: «قَدْ قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ».
2- الاقتداء بالنبي:
أوضح الله تعالى أن من عظيم منته على
نبيه صلى الله عليه وسلم أن جعله رفيقاً رؤوفاً، حيث قال عز وجل: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ
لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (آل
عمران: 159)، وقال تعالى: (لَقَدْ
جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ
عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) (التوبة: 128).
ومما يدل على رفقه صلى الله عليه وسلم ما
رواه البخاري في صحيحه عن أَنَس قَالَ: «خَدَمْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ، فَمَا قَالَ لِي أُفٍّ، وَلَا لِمَ صَنَعْتَ،
وَلَا أَلَّا صَنَعْتَ».
ومن مظاهر الرفق التي كان عليها النبي
صلى الله عليه وسلم ما رواه البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنِّي لَأَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ
وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالَتَهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتَجَوَّزُ
فِي صَلَاتِي؛ مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ».
3- خير الناس الرفيق وشرهم
العنيف:
روى أحمد في مسنده بسند صحيح عَنْ
عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَرَادَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَهْلِ بَيْتٍ خَيْرًا،
أَدْخَلَ عَلَيْهِمُ الرِّفْقَ».
وروى مسلم في صحيحه عَنْ جَرِيرٍ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ
يُحْرَمِ الْخَيْرَ»، وروى مسلم في صحيحه أَنَّ عَائِذاً بْنَ عَمْرٍو وَكَانَ
مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى
عُبَيْدِ اللهِ بْنِ زِيَادٍ فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ شَرَّ الرِّعَاءِ الْحُطَمَةُ،
فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ»؛ أي: أي راع ينبغي أن يكون رفيقاً برعيته، وأن
شر الرعاة من كان عنيفاً يحطم أسباب التواصل وعوامل التعايش بينه وبين الناس.
4- زينة الحياة:
روى الطبراني في المعجم الأوسط عَنْ
عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: «مَا دَخَلَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا نُزِعَ مِنْ
شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ»؛ فكل أمرٍ يدخل فيه الرفق؛ فإنه يُحسّنه ويزيّنه، سواء كان
عبادة أو معاملة أو دعوة أو حتى عملاً دنيوياً، وإذا نُزع منه الرفق وحلّت مكانه
الغلظة والعنف، فإن ذلك يفسده ويشوّه صورته ويقلّل أثره.
والدعوة بالرفق واللين تصل للقلب أسرع من
الدعوة الخشنة، والمعلم أو الوالد الذي يرفق في تعليم الأبناء يكسب محبتهم ويؤثر
فيهم أكثر من العنيف، والتاجر الرفيق يحتفظ لنفسه بالمشترين ويجعلهم يعودون للشراء
منه، بل إن الرفق في حل النزاعات يطفئ الخلاف، والعنف يشعله.
5- الثواب العظيم:
روى مسلم في صحيحه عَنْ عَائِشَةَ
زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ
الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ،
وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ»، فإذا كان الله تعالى يحب الرفق ويعطي عليه
الثواب العظيم؛ فإن هذا دليل على أنه من خير الأعمال عند الله تعالى.
6- الوقاية من النار:
روى أحمد في مسنده بسند حسن عَنِ ابْنِ
مَسْعُودٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «حُرِّمَ
عَلَى النَّارِ كُلُّ هَيِّنٍ لَيِّنٍ سَهْلٍ قَرِيبٍ مِنَ النَّاسِ»، فالرفق سبيل
إلى الوقاية من النار في الآخرة، كما كان سبباً في الوقاية من نار العنف والشدة في
الدنيا.
7- دخول الجنة:
روى أحمد في مسنده بسند حسن عَنْ عَبْدِ
اللهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرْفَةً يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا، وَبَاطِنُهَا
مِنْ ظَاهِرِهَا»، فَقَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ: لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ
اللهِ؟ قَالَ: «لِمَنْ أَلَانَ الْكَلَامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَبَاتَ
لِلَّهِ قَائِمًا وَالنَّاسُ نِيَامٌ».