الطفل "حمزة".. خرج بحثًا عن ورق عنب فعاد شهيدا

رغم بدء عدوان الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة، وانتشار دوي أصوات الانفجارات، طلب الطفل حمزة علي (12 عاما)، من أسرته إعداد وجبة "المحاشي" التي يحبها كثيرا.
وبعد أن أقنع زوجة والده، خرج "حمزة" في 10 مايو/أيار الجاري، ليبحث عند بائع الخضار عن "ورق العنب"، لكنّه للأسف، لم يجده هناك.
وفي ذلك اليوم بدأت قوات الاحتلال عدوانها على غزة، حيث شنت غارات جوية واسعة النطاق، وغاب حمزة لساعات طويلة عن المنزل، ولم يعد له أثر.
خرج والده "محمود" مذعورا ليبحث عنه، وفي قلبه شكّ بأن "حمزة" إما أصيب جرّاء القصف الإسرائيلي، أو استشهد.
توقف الأب عند بائع الخضار قليلا يسأل عن "حمزة"، ليخبره البائع أن الطفل جاء باحثا عن "ورق العنب"، مشيرًا أنه طلب منه الذهاب مباشرة إلى المنزل لخطورة الأوضاع واستمرار قصف قوات الاحتلال.
** مجهول الهوية
بعد فترة زمنية قضاها الوالد في البحث، علم أن حمزة فُقد برفقة صديقه من عائلة "مصبح".
احترق قلب الوالد خوفا على الصديقين، فذهب إلى مركز الشرطة ليترك خبرا عن فقدانهما، وهناك قدّموا له صورة لطفل مُصاب، لكن وجهه كان منتفخا جرّاء الإصابة.
للوهلة الأولى، شعر الوالد أن ملامح الطفل المُصاب قريبة من ملامح "حمزة"، لكنه لم يكن متيقّنا، فهرع إلى مستشفى الشفاء بمدينة غزة، علّه يتأكد أن من كان في الصورة "ليس بحمزة".
بحث عنه في الغرف، حتّى أخبره أحد الأطباء أن هناك طفلا مجهول الهوية، في غرفة العمليات.
وبسبب صعوبة دخول الوالد إلى الغرفة، للتعرف على هوية هذا الطفل المجهول، ساعده الأطباء بأخذ صورة له عبر الهاتف المحمول.
هذه الصورة وقعت كالصاعقة على قلب والد "حمزة"، فقد كان هو بكل براءته، وفق قوله.
حمزة وصديقه، أصيبا إصابات خطيرة بشظايا صاروخ استهدف المحيط الذي كانا يتواجدان فيه، وبقيا في المستشفى أكثر من 4 ساعات "مجهولا الهوية".
ويقول الوالد والدموع تختنق في عينيه "إن حمزة واجه أوجاعه وآلامه الأخيرة، وحيدا، دون أن نعرف، ودون أن يتعرف إليه أحد".
** استشهد مُبتسما
خرج الطفل حمزة من غرفة العمليات، بعد ساعات، لإصابته بشظايا في غالبية أجزاء جسده، تسببت بتهتك العظام وغيرها من الأعراض، ليدخل مباشرة العناية المكثّفة.
هناك، وعلى باب تلك الغرفة، أُجبر والد حمزة على مغادرة المكان، كونه لا يستطيع الدخول إلى طفله، كما أنه لا فائدة لمكوثه أمام الباب، على حدّ قوله.
غادر وقلبه معلق داخل وحدة "العناية المكثّفة"، ذاهبا إلى المنزل وهو يتمتم بالدعاء بالشفاء والسلامة للطفلين الجريحيْن.
في صبيحة اليوم التالي (11 مايو)، خرج مسرعا نحو المستشفى ليطمئن على صحة "حمزة"، ليستقبله المدير، ويخبره بأن "حمزة استشهد بينما صديقه في وضع حرج".
فقد الوالد توازنه، وسقط أرضا؛ كيف لـ"حمزة" أن يغادر دون الوداع الأخير، وفق قوله.
وتابع: "حمزة خرج ليشتري وجبة طعام يحبّها من أمام المنزل، بأي ذنب قُتل؟".
توجّه الوالد لإلقاء نظرة على "حمزة"، بعد استشهاده، ليُفاجأ كما يقول بـ"ابتسامة عريضة تُزيّن وجهه".
وأضاف: "حمزة استقبل الشهادة مبتسما، وهذا ما أثلج قلبي وقلب أحبائه".
** غياب وأوجاع
قبل استشهاده بثلاثة أيام، كان حمزة يخاف من النوم وحيدا، حيث كان يرى في منامه انفجارات ضخمة ونيران تلتهم كل شيء، رغم أن العدوان لم يكن قد بدأ، بحسب زوجة والده، إسراء حبيب (32 عاما).
وتضيف إن حمزة "كان يعاني من صعوبة في النوم في الأيام الأخيرة، وكان يستيقظ خائفا يقول إنه يرى انفجارات الصواريخ، والنيران"، فيما تكرر هذا الحلم لمدة 3 أيام.
لم يكن "حمزة" يعرف أن صواريخ قوات الاحتلال ستلتهم جسده الضعيف، وتسرق حياته مبكرا، بحسب حبيب.
وفي المنزل، ما زال كل شيء على حاله منذ غياب "حمزة" عنه، وفق ما أفادت زوجة والده.
ثياب العيد التي اختارها بنفسه، برفقة زوجة والده، وكان ينتظر العيد كي يرتديها ما زالت مُعلّقة داخل الخزانة.
وتضيف حبيب: "حينما اشترينا هذه الملابس، ارتداها حمزة، وخرج متوجها لأعمامه كي يهنئوه بها؛ لقد كان ينتظر العيد بكل لهفة، كي يرتديها".
كما كان يجمع مصروفه خلال شهر رمضان، كي يقدّمه "عيدية" لعمّاته في العيد، كما قالت.
وتضيف: "ذهب حمزة، وما زالت الذكريات المؤلمة، تحاصرنا فهو ما زال موجودا في كافة تفاصيل الحياة".
وتذكر أنه كان "المساعد الأول لوالده الذي يعاني من آلام في الأقدام".
أما شقيقه عُمر (3 سنوات)، لا ينفك عن التساؤل: "متى سيعود حمزة إلى المنزل؟ لقد اشتقنا إليه".
** حمزة "الأيقونة"
عقب استشهاده، انتشرت صورة الطفل الشهيد "حمزة" وهو مبتسما، على المستويين المحلي والدولي.
كما لاقت هذه الصورة رواجًا وتعاطفًا في الأراضي التركية، حيث عنون عدد من المواقع والصحف صورته بـ"أطفال غزة يستقبلون الشهادة بابتسامة".
وفي 13 أبريل/نيسان الماضي، تفجرت الأوضاع في الأراضي الفلسطينية جراء اعتداءات "وحشية" ترتكبها شرطة إسرائيل ومستوطنوها في المسجد الأقصى، وحي "الشيخ جراح" وسط القدس المحتلة في محاولة لإخلاء 12 منزلا فلسطينيًا وتسليمها لمستوطنين.
وامتد العدوان إلى كافة الأراضي الفلسطينية والبلدات العربية في الأراضي المحتلة، شمل قصفا جويا وبريا وبحريا على قطاع غزة (بدأ يوم 10 مايو)، وأسفر عن 280 شهيدا، بينهم 69 طفلا و40 سيدة و17 مسنا، وأكثر من 8900 إصابة.
وفجر الجمعة (21 من الشهر الجاري)، جرى تنفيذ لوقف إطلاق النار بين الفصائل الفلسطينية في غزة والاحتلال بوساطة مصرية ودولية بعد عدوان على القطاع استمر 11 يوما.