لماذا طلب نتنياهو العفو من رئيس الدولة؟
انكسرت هيبة
رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو، وتبخر غروره وصلفه وجبروته، وذلك مجرد
تقديمه طلب الاسترحام إلى رئيس الدولة العبرية، طلب الاسترحام يعني الاعتراف
الضمني بجريمة الفساد، الجريمة التي ظل نتنياهو ينكرها، لسنوات، ويدعي أنه بريء
منها، وأنه يتعرض لمؤامرة سياسية.
انقسامٌ يمزّق المجتمع «الإسرائيلي» من الداخل
نتنياهو اصطدم
في الفترة الأخيرة بعدة حقائق، فرضت عليه إعادة قراءة الواقع، واتخاذ أصعب قرار في
حياته، قرار طلب الاسترحام من رئيس الدولة.
وفي الحقيقة،
فإن نتنياهو يطلب الاسترحام من المجتمع «الإسرائيلي» الذي بات منقسماً على نفسه
بشكل مرعب، وقد سبق وأن حذر «الإسرائيليين» من خطر الانقسام داخل المجتمع، وهو من
قال: «لقد انهارت دولة اليهود الثانية قبل 1955 سنة على يد الرومان بسبب الانقسام»،
ولهذا كان شعار «الإسرائيليين» طوال فترة العدوان على غزة «معاً سننتصر»، ولكن
الواقع الميداني يقول: لم يكن «الإسرائيليون» معاً، ولن يكونوا معاً، وقد مزقهم
الانقسام إلى مجتمعين متنابذين، الأول في «تل أبيب» يدعي العلمانية، والثاني في
القدس ويدعي اتباع تعاليم التوراة.
الانقسام داخل المجتمع «الإسرائيلي» وعلى خطورته لم يأت من فراغ، لقد أسهمت عدة عوامل في تعميق
الانقسام، ولعل أهمها فشل الجيش «الإسرائيلي» في تحقيق الانتصار المطلق والساحق
على غزة، كما وعد بذلك نتنياهو، هذا العجز عن النصر، والفشل في تحقيق أهداف الحرب
ضرب عصب الثقة بالمستقبل لدى المجتمع «الإسرائيلي»، حتى اصطف «الإسرائيليون» في
طوابير طويلة، للحصول على الجنسية البرتغالية، بعد أن سمحت البرتغال لكل «إسرائيلي»
يثبت أنه من أصول شرقية بالحصول على الجنسية، فكان التهافت على السفارة البرتغالية
دليل قناعة مجتمعية بأن هذه الدولة لم تعد هي الحلم، ولم تعد مصدر الأمن والأحلام.
واعتراف رئيس
الوزراء الضمني بالفساد والرشوة جاء بهدف التخلص من معطيات سياسية واجتماعية باتت
لعنة في تاريخيه، وراحت تضرب عصب الوجود «الإسرائيلي» نفسه، معطيات سياسية
وميدانية عنيدة أجبرت رئيس الوزراء على قراءة الواقع المتغير في منطقة الشرق
الأوسط بشكل عام بحذر وقلق، وبعيون يثقبها مخرز غزة التي فرضت نفسها شوكة في حلق «الإسرائيليين».
لقد أفرز العامان
الماضيان من الإرهاب «الإسرائيلي» على غزة متغيرات ميدانية وسياسية فرضت نفسها على
المجتمع «الإسرائيلي»، الذي اكتشف عجزه أمام مقاتلي «القسام» من جهة، واكتشف تخبط
قيادته في قراراتها السياسية، وما لذلك من ارتدادات إستراتيجية سلبية، مست وجود
الكيان، وزلزلت حضوره في الساحة الدولة؛ ما عزز من حالة الانقسام التي يعيشها «الإسرائيليون»،
قبل أن تنعكس بسلبياتها على التحالف اليميني الحاكم، الذي سيتأثر بطلب الاسترحام.
كما سيتأثر حزب
الليكود نفسه، الذي تدنت مقاعدة في الكنيست، وفق استطلاعات الرأي، وقد يكون
الانقلاب داخل حزب الليكود ما يشغل بال نتنياهو، وهو الذي سبق له وانقلب على رئيس
الوزراء شارون.
طلب نتنياهو العفو يهزّ اليمين.. ويكشف هشاشة القيادة
طلب نتنياهو
الرحمة شكّل ضربة قوية لمعسكر اليمين «الإسرائيلي» المتطرف، الذي فرضت عليه مصالحه
الحزبية أن يدافع عن أكذوبة نتنياهو لسنوات، ليجد نفسه اليوم في ورطة حزبية
وسياسية وأخلاقية، فلا قادة أحزاب اليمين قادرون على التمسك بنتنياهو، والدفاع
عنه، بعد اعترافه الضمني بالفساد وخيانة الأمانة، ولا هم قادرون على التخلي عن نتنياهو،
ومواجهة مستجدات مرحلة ما بعد نتنياهو، ولا سيما أن طلب نتنياهو للاسترحام سينعكس
سلباً على نفسية الأجيال الصاعدة في المجتمع التي عشقت نتنياهو البطل القوي
المدافع عن وجود دولتهم، ورأت في شخصية نتنياهو نموذجاً للبطل والقدوة و«ملك
إسرائيل» الذي يدافع عن وجودها، وعن مصالحها.
المعارضة «الإسرائيلية»
ستستثمر هذه اللحظة، وستوظفها بما يخدم مصالحها الحزبية، لذلك طالبت المعارضة من
رئيس الدولة بعدم منح نتنياهو كتاب العفو قبل أن يتعهد باعتزال العمل السياسي، وقد
يتطور موقف المعارضة على ضوء المفاجأة التي ستعصف بالمجتمع «الإسرائيلي»، ليصير
شرط المعارضة لمنح العفو لرئيس الوزراء نتنياهو استقالة الحكومة التي يرأسها؛ لأن
رد فعل المجتمع «الإسرائيلي» على رئيس وزراء فاسد سيكون كبيراً، وستعمق حالة
الانقسام التي باتت معلماً من معالم المجتمع «الإسرائيلي»، الذي انزاح إلى التطرف
في لحظة توقيع اتفاقيات سلام مع الدول العربية، ليكتشف ضعفه وهشاشته حين فاجأه
العرب الفلسطينيون بمعركة «طوفان الأقصى».