سر النجاح.. 10 ثمرات عظيمة للثقة في توفيق الله
من أعظم مقامات
الإيمان، وثمرة من ثمار التوكل الصادق، ودليل على صفاء العقيدة وحسن الظن بالله
تعالى، وقوة دافعة إلى الثبات والعمل، إنها الثقة في توفيق الله تعالى، وهي تعني
يقين العبد بأن الله معين له ومسدد خطاه، قال تعالى: (وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ) (هود: 88).
والثقة ليست
أمنية تُقال باللسان، بل يقين يملأ القلب، فيدفع إلى العمل، ويضيء درب الساعي في
طريق الدعوة والبناء والإصلاح، ولئن كان التوفيق مفتاح النجاح في الحياة، فإن
الثقة في توفيق الله المفتاح إلى ذلك المفتاح.
وللثقة في توفيق
الله تعالى ثمرات جليلة تظهر في حياة المؤمن، منها ما يكون في قلبه، ومنها ما يكون
في عمله وسلوكه، ومنها ما يجنيه في الدنيا والآخرة، ويتبين ذلك فيما يأتي:
1- طمأنينة القلب وسكينة النفس:
من وثق بتوفيق
الله امتلأ قلبه راحة واطمئنانًا، فلا يضطرب أمام المصاعب، ولا ييأس عند الشدائد،
لأن قلبه متعلق بربه، لا بالأسباب وحدها، قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ
اللَّهِ) (الرعد: 28)، كما أكد الله تعالى أن المؤمن مهما اجتمعت عليه
الصعاب فإنه يواجهها بالأنس بالله سبحانه والثقة في توفيقه وحفظه، قال تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ
إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا
وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (آل عمران: 173).
2- دوام اللجوء الي الله والاستعانة به:
من يطالع آيات
القرآن الكريم يجد أمثلة عديدة للواثقين في توفيق الله تعالى وهم يستعينون به
ويطلبون منه حاجاتهم، حتى وإن تجاوزت الأسباب العادية، فهذا سيدنا إبراهيم عليه
السلام يطلب من الله أن يهبه الذرية بعد أن أصبح شيخاً كبيراً وامرأته عجوزاً، قائلاً:
(رَبِّ هَبْ لِي مِنَ
الصَّالِحِينَ) (الصافات: 100)، وهذا نبي الله زكريا عليه السلام يقول: (رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا
وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ) (الأنبياء: 89).
3- أداء العبادات التي تعتمد على الثقة في توفيق الله:
هناك عبادات لا
يقوم بها المسلم إلا إذا كان واثقاً في توفيق الله تعالى له وموقناً بأنه يسدد
خطاه، مثل صلاة الاستخارة، فهي سُنة في حق من هم بأمر وتحير فيه، وكأنه يطلب من
ربه الإذن فيه أو الانصراف عنه، ويظهر هذا في نص دعاء الاستخارة.
ففي صحيح
البخاري عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ كَمَا
يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ، يَقُولُ: «إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ
بِالْأَمْرِ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ
لِيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ
بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا
أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ، اللَّهُمَّ
إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي
وَعَاقِبَةِ أَمْرِي..».
ومن أمثلة
العبادات التي لا يقوم بها المسلم إلا بعد اليقين في توفيق الله له صلاة الحاجة،
وكذلك صلاة الاستسقاء، وصلاة الكسوف والخسوف.. وغيرها.
4- الثبات في المواقف الصعبة:
الثقة في توفيق
الله تمنح المؤمن ثباتًا أمام الابتلاءات والمحن، لأنه يعلم أن النصر والتيسير بيد
الله وحده، قال تعالى: (إِنْ
يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ) (آل عمران: 160)، وهذا سيدنا
موسى عليه السلام عندما خرج ومعه بنو إسرائيل من مصر بسبب بطش فرعون وجنوده،
فأتبعهم فرعون حتى أدركهم على الشاطئ؛ (فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى
إِنَّا لَمُدْرَكُونَ {61} قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) (الشعراء).
وهذا سيدنا محمد
صلى الله عليه وسلم عندما كان في الغار هو وصاحبه، ووقف المشركون أمام الغار، وقال
أبو بكر: لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا، فقال له صلى الله عليه وسلم: «ما ظنك
باثنين الله ثالثهم، لا تحزن إن الله معنا»، وفي هذا يقول تعالى: (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ
نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ
هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ
مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ
تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ
هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة: 40).
5- حسن الظن بالله:
ثقة المؤمن في
توفيق ربه سبحانه تنبع من حسن الظن بالله، ومن ثم تُثمر زيادة الإيمان وحسن
التوكل، فيتوقع العبد الخير دائمًا من مولاه، ففي مسند أحمد عن وَاثِلَةَ بْنِ
الْأَسْقَعِ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: «قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، فَلْيَظُنَّ
بِي مَا شَاءَ»، ومن ظنّ أن الله يوفقه وييسّر أمره، كان له ما ظنّ، جزاءً على
صدق قلبه.
6- النجاح في العمل والإنجاز:
الواثق في توفيق
الله تعالى لا يتردد في الإقدام على الأعمال، بل يعمل بإخلاص ويقين أن الله لن
يضيّع سعيه، فالثقة بالله تُولِّد العزيمة، والعزيمة تُثمر التوفيق في النتائج، قال
تعالى: (وَمَا تَوْفِيقِي
إِلَّا بِاللَّهِ)، وقال عز وجل: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ
اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت: 69).
7- الرضا بالقضاء والقدر:
تجعل الثقة في
الله العبد راضيًا بكل ما يجري عليه من أقدار، لأنه يعلم أن الله لا يقدّر إلا
خيرًا، قال تعالى: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ
وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ
ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ {22} لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا
تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) (الحديد)، وقال عز وجل: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ
بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (التغابن: 11).
8- قوة الدعوة والتأثير في الناس:
الداعية الواثق
بتوفيق الله يملك قوة معنوية تنعكس في بيانه وسلوكه، فيؤثر في الناس ويُصلح
القلوب، لأنه يتكلم من قلب موقن بأن الله تعالى بيده مفاتيح القلوب، وأنه سبحانه وعده
بالأجر والمثوبة بمجرد الدعوة والبلاغ، وهذا يجعله متفانياً في أداء ما أمر الله
به، تاركاً أمر الاستجابة من المدعوين إلى الله تعالى، وقد كان الأنبياء عليهم
السلام مثالًا لذلك، فبثقتهم في توفيق الله ثبتوا حتى أقاموا الحجة ونشروا النور
في العالمين.
9- الثقة في نصر الله:
تنوعت الآيات
القرآنية التي تؤسس لليقين بأن الله تعالى مع المؤمنين، وهو ناصرهم في الدنيا قبل
الآخرة، قال تعالى: (إِنَّا لَنَنْصُرُ
رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ
الْأَشْهَادُ) (غافر: 51)، وقال عز وجل: (وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) (الصافات:
173)، وقال سبحانه: (قَالَ
الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ
فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (البقرة: 249).
10- الفوز في الدنيا والآخرة:
من وثق بالله
وتوكل عليه حق التوكل نال توفيقه في الدنيا وسعادته في الآخرة، قال تعالى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ
فَهُوَ حَسْبُهُ) (الطلاق: 3)، وقال عز وجل: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ
النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ
حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ {173} فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ
اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ
وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) (آل عمران).