قراءة هادئة للعدوان الصهيوني على إيران

جمال خطاب

14 يونيو 2025

174

تابع العالم، فجر الجمعة الماضي، العملية العسكرية الصهيونية واسعة النطاق ضد إيران، البعض كان يتوقع الهجوم، والبعض الآخر استبعده حتى يتم تجنب الرد الإيراني.

استهدف الهجوم مجموعة من المنشآت النووية والمقرات والقواعد العسكرية، بالإضافة إلى عمليات اغتيال طالت شخصيات بارزة.

يأتي هذا الهجوم الكاسح ضد إيران في ظل تصاعد حرب الإبادة التي يشنها الكيان الصهيوني على الأبرياء في غزة، وفي طل التوترات الإقليمية والدولية، ليفتح الباب أمام تساؤلات حول مستقبل الصراع العربي الصهيوني.

أهداف الهجوم الصهيوني وحجم الأضرار

وفقًا للمعطيات الأولية والتصريحات الصادرة من طهران، شملت الاغتيالات قائد الحرس الثوري، ورئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية (أرفع منصب عسكري في إيران والمسؤول عن التنسيق بين الجيش والحرس الثوري)، وقائد قاعدة خاتم الأنبياء المسؤولة عن الدفاع الجوي الإيراني، كما تواردت أنباء عن إصابة حرجة أو وفاة علي شمخاني، أمين مجلس الأمن القومي الإيراني سابقًا، كبير مستشاري مرشد الثورة، المسؤول عن ملف المفاوضات مع الولايات المتحدة، هذه الاغتيالات تهدف على ما يبدو إلى خلخلة نظام التحكم والسيطرة الإيراني.

أما بالنسبة للأهداف العسكرية الأخرى، فقد استهدفت دولة الكيان:

- منظومات الدفاع الجوي ومنصات الصواريخ الإيرانية:

فقد تم استهداف عدد من منظومات «خرداد» للدفاع الجوي، التي تقول إيران: إنها تضاهي كفاءة منظومة «S-400» الروسية (مع بعض الشكوك حول دقة هذا التقييم)، كما استُهدف عدد كبير من منصات الصواريخ الباليستية ومنصات الدفاع الجوي على الحدود الغربية الإيرانية، خاصة في منطقة شمال غرب إيران.

- المنشآت النووية:

وقد شمل الهجوم منشآت نطنز وبعض المراكز والقواعد التي تستخدمها إيران لتطوير برنامجها النووي، ورغم عدم وضوح حجم الخسائر، فإنه من المؤكد أن المنشآت النووية قد أصيبت إصابات قاصمة جراء العدوان الجوي الصهيوني.

الأسلحة والتكتيكات الصهيونية

بدأ الهجوم حوالي الساعة الثالثة والنصف فجرًا، واستخدمت دولة الكيان إستراتيجيتين رئيستين:

1- الطائرات المقاتلة:

أظهرت الفيديوهات المنشورة من وزارة الدفاع الصهيونية طائرات من طراز «F-35»، و«F-15»، و«F-16»، يُرجح أن هذه الطائرات، حسب محللين، طارت عبر الحدود فوق الأجواء السورية الأردنية، وألقت صواريخها من فوق الأجواء العراقية باتجاه الأهداف الإيرانية.

2- المسيرات:

تحدثت مصادر أمنية عن استخدام مسيرات لدولة الكيان، تم تهريبها داخل إيران عبر اختراق أمني، في عملية مشابهة لما قامت به أوكرانيا ضد روسيا، واستهدفت بها مجموعة من الأهداف الدقيقة.

لاعبون دوليون وإقليميون مهدوا للهجوم

يبدو أن دولة الكيان الصهيوني وظفت مجموعة كبيرة من الفاعلين الدوليين لإنجاح هذا الهجوم في سياق معقد ومتصاعد، يتمثل فيما يلي:

- مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية:

أصدر مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية قرارًا حديثًا، صدر بضغط أوروبي، اتهم إيران بعدم الوفاء بالتزاماتها النووية، وهذا القرار يدفع بسيناريو الملف النووي نحو إعادة تفعيل العقوبات الدولية على إيران في أكتوبر المقبل.

لم تفهم إيران هذه الإشارة؛ ولذلك ردت بإعلان تفعيل منشأة جديدة لتخصيب اليورانيوم وتشغيل أجيال جديدة (الجيل السادس) في مؤسسة فوردو؛ ما يعني تسريع وتيرة التخصيب، وهذا تصعيد يصب في صالح نتنياهو الذي يرى ضرورة ضرب الطموح النووي الإيراني.

- انتهاء مهلة ترمب:

انتهت مهلة الـ60 يوم التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لإنهاء ملف التفاوض مع إيران.

- الغطاء السياسي الأمريكي:

رأت دولة الكيان أن إدارة ترمب توفر لها فرصة سانحة وغطاءً سياسيًا لشن هذه الضربة التي تمثل حلم نتنياهو منذ توليه رئاسة الوزراء، وتجلي المشروع النووي الإيراني.

- تحييد الأذرع الإيرانية:

كان على إيران أن تفهم أن تحييد خطر «حزب الله» و«الحوثيين» بشكل أو بآخر، يمهد لإفساح المجال أمام دولة الكيان لضرب إيران.

سيناريوهات المستقبل

هل تبتلع إيران الضربة؟ هل وصلت إيران لمنطقة الاحتفاظ بحق الرد!

لا يزال المشهد قابلاً للتطور، والرد الإيراني الأولي لم يكن على مستوى الهجوم الصهيوني الكاسح.

المرشد الإيراني قام بسلسلة من التعيينات السريعة (قائد الجيش، رئيس الأركان، قائد الحرس الثوري) لمحاولة ملء الفراغ ومنع الشلل.

على أي حال، هناك سيناريوهان محتملان لمستقبل الصراع:

الأول: ابتلاع الضربة:

قد تفترض إيران أن هذه الضربة هي رسالة من أمريكا قبل المفاوضات المرتقبة، وبالتالي تبتلعها وتتجنب التصعيد الكبير، وتكتفي بردود رمزية، وهذا هو السيناريو الذي يجعل إيران كلاً مباحًا وينقلها لمربع تلقي الضربات وعدم الرد إلا بتصريحات فارغة من قبيل «الاحتفاظ بحق الرد».

الثاني: حرب شاملة:

وكل المقدمات بعد الهجوم الذي أدى إلى إفقاد الجيش الإيراني للتوازن بعد أن ضيع زمام المبادرة تستبعد هذا الرد.

لماذا لم توجه إيران ضربة للقواعد الأمريكية في الخليج؟

تتمتع الولايات المتحدة بوجود عسكري قوي في الخليج، حيث تمتلك عدداً من القواعد العسكرية في الخليج، هذه القواعد كانت أهدافًا محتملة هددت إيران بقصفها إذا اندلعت حرب، فلماذا لم تقصفها؟

أولًا: نأت الولايات المتحدة بنفسها عن الهجوم، وقامت دولة الكيان به بالكامل تقريبًا، صحيح أن السلاح الصهيوني والتكنولوجيا الصهيونية تعود في أغلبها للأصل الأمريكي، ولكن هذا لا يبرر لإيران ضرب القواعد الأمريكية.

ثانيًا: لعل إيران تخشى أن يستفز قصفها لتلك القواعد أمريكا فتشارك في الهجمات عليها وهذا يعني مزيدًا من الضغط والتدمير.

ثالثًا: قد يكون سلاح الصواريخ الإيراني قد أصيب جراء الهجوم الصهيوني الكاسح بنوع من الشلل المؤقت أو الدائم، وهذا شيء متوقع جدًا.

مزيد من العربدة الصهيونية

دوافع الضربة الصهيونية لإيران، وخصوصًا بعد قص أجنحتها، هي أن القوة في تلك الدولة تشكل خطرًا كامنًا، وهذا أمر خطير لأن تقدير القوة الكامنة من قبل كيان عنصري متعصب محكوم باليمين المتعصب يعتمد على عقيدة تعتبر أن كل المسلمين قوى كامنة، وهكذا فالعقيدة الصهيونية الجديدة، مع وجود شخصيات مثل سموتريتش، وبن غفير، ستحاول إخضاع المحيط الإقليمي بالقوة لا بالتفاهم والاتفاق، وهذا مكمن الخطورة.

فقد رأت دولة الكيان في بقايا جيش الأسد خطورة كامنة، فقامت بتدمير ما تبقى من جيشه المهترئ، وترى في وحدة سورية خطرًا كامنًا، ولذلك تعمل على تفكيكها، حسب تصريحات مسؤولين دولة الكيان الحاليين.

فما الذي يمنعها من أن ترى في ديموجرافية ووحدة مصر خطرًا كامنًا يستفز ردًا ما، أو في قوة المملكة العربية السعودية الاقتصادية، أو في قوة باكستان وتركيا العسكرية.

لا شك أن نجاح الضربة العسكرية على إيران، التي ثبت أنها نمر من ورق، سيعزز الصلف والغطرسة الصهيونية وسيكون له آثار سلبية كبيرة على المنطقة.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة