الفاشر تموت جوعاً.. قراءة في أبعاد الأزمة الإنسانية في السودان

أ. د. حلمي الفقي

14 سبتمبر 2025

223

في قلب الصحراء الأفريقية الشاسعة، وفي شمال غرب السودان، تتغافل الإنسانية، وتتعامى عن واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم، ألا وهي حصار أكثر من مليون ونصف مليون إنسان في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، يموتون الآن جوعاً وعطشاً ومرضاً أمام العالم بسبب حصار ظالم فرضته مليشيات «الدعم السريع» على مدينة الفاشر المنكوبة

الأهمية الجغرافية والتاريخية للفاشر

مدينة الفاشر هي العاصمة التاريخية لسلطنة دارفور العربية المسلمة الضاربة في أعماق التاريخ، وكانت الفاشر محطة رئيسة على طريق القوافل التجارية التي تربط بين دارفور خصوصاً، والسودان عموماً، وبين ليبيا ومصر شمالاً، وتشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى غرباً.

وتبلغ مساحة دارفور 500 ألف كم2، وهي بذلك تقترب من مساحة دولة مثل فرنسا، وتنقسم دارفور إلى 5 ولايات: شمال دارفور، وجنوب دارفور، وولاية في الشرق، ورابعة في الغرب، وخامسة في الوسط، وكان لدارفور على مر التاريخ أهمية اقتصادية كبيرة، حيث يحوي باطنها الكثير من المعادن النفيسة، وبها العديد من مناجم الذهب، مثل: جبل علام، وجبل عبدالشكور، ويبلغ إنتاج دارفور من الذهب نحو 50 طناً من الذهب سنوياً، وكانت هذه واحدة من أسباب اشتعال الحروب، وتأجيج الصراعات في دارفور.

ومنذ اندلاع حرب دارفور الأولى في عام 2003م، كانت الفاشر واحة الأمان لسائر ولايات دارفور الخمس، فاستضافت مقرات بعثة الأمم المتحدة، ومقرات الاتحاد الأفريقي، ونزح الناس إليها من كل مناطق القتال في دارفور؛ ما زاد تعداد السكان في الفاشر إلى أكثر من مليون ونصف مليون إنسان.


«الاغتصاب» سلاح يستهدف الأسر السودانية | مجلة المجتمع
«الاغتصاب» سلاح يستهدف الأسر السودانية | مجلة المجتمع
حظيت جرائم الاغتصاب في السودان على يد «قوات الدعم السريع» باهتمام دولي
www.mugtama.com
×


طرفا الصراع

تدور رحى المعارك في دارفور بين طرفين رئيسين:

الأول: مليشيات «الدعم السريع»، وهس التي تفرض حصاراً مميتاً على مدينة الفاشر، ومنعت عنهم الماء والدواء والغذاء والكهرباء، وكل الحاجات الضرورية اللازمة للحياة، وقد أحكمت مليشيات «الدعم السريع» سيطرتها على معظم ولايات ومدن دارفور، وإذا سقطت –لا قدر الله– في يدها مدينة الفاشر، تكون قد سيطرت على دارفور كلها بولاياتها الخمس، وقد تحالف مع «الدعم السريع» بعض القبائل المحلية المسلحة؛ ما أكسب الصراع بُعداً عرقياً في بعض جوانبه.                                                                                                      

الثاني: الجيش السوداني، وقد تحالفت معه بعض القبائل المحلية، والحركات المسلحة السودانية، مثل حركة تحرير السودان، وحركة العدل والمساواة.

الفاشر تحت حصار مُطبق

بدأت الحرب في السودان، في 15 أبريل 2023م، بهجوم غادر من مليشيات «الدعم السريع» على مواقع القوات المسلحة السودانية، واستولت على العديد من المدن والأقاليم، وارتكبت جرائم ومذابح مروعة، وقتلوا الأطفال، واغتصبوا النساء، وبعد معارك ضارية تمكن الجيش السوداني من تحرير كامل ولاية الخرطوم العاصمة من تحت قبضة مليشيات «الدعم السريع».

إلا أن قوات «الدعم السريع» استولت على معظم أقاليم دارفور، وفي أبريل 2024م فرضت المليشيات حصاراً محكماً على مدينة الفاشر، التي يقيم بها أكثر من مليون ونصف مليون إنسان، وخلال عام ونصف عام من حصار الفاشر اضطر أهلها إلى أكل أوراق الشجر، وعلف الحيوانات، ومات العشرات منهم جوعاً وعطشاً.


سوء التغذية يحصد أرواح أطفال السودان | مجلة المجتمع
سوء التغذية يحصد أرواح أطفال السودان | مجلة المجتمع
معدلات سوء التغذية تجاوزت بالفعل 30% في العديد من المناطق في السودان
www.mugtama.com
×


ولم تكتف «الدعم السريع» بذلك، فقصفت أحياء الفاشر السكنية بالمدفعية الثقيلة، وقصفت المرافق الصحية، والمؤسسات التعليمية، والبنية التحتية، فقطعت الطرق، وخرج أكثر من 90% من المستشفيات عن الخدمة، وانتشرت الأمراض والأوبئة، وحصدت الكوليرا أرواح المئات، وأصابت الآلاف، وبخاصة في مخيمات النزوح التي تفتقد المياه النظيفة والخدمات الضرورية، وانتشرت الكثير من الأمراض نتيجة الجوع والعطش وانهيار المرافق الصحية.

وأصبح الوضع في الفاشر فوق احتمال البشر؛ ما اضطر الأمم المتحدة إلى وصف الأزمة الإنسانية في السودان بأنها واحدة من أسوأ الكوارث ألإنسانية في العالم، وذلك لأسباب كثيرة، من أهمها ما يلي:

1- شهد السودان أكبر موجة هجرة ونزوح في العالم، فقد نزح أكثر من 15 مليون إنسان داخل السودان، وخارجه.

2- انهيار الخدمات الأساسية الضرورية، بسبب منع «الدعم السريع» عن المحاصرين الماء والغذاء والدواء والكهرباء، فتحولت حياتهم إلى جحيم.

وأمام هذه الكارثة المروعة، أصدر مجلس الأمن قراره رقم (2736)، في 13 يونيو 2024م، ونص القرار على عدة مسائل، منها:

1- مطالبة مليشيات «الدعم السريع» بإنهاء حصارها لمدينة الفاشر.

2- الدعوة إلى وقف فورى للقتال في الفاشر ومحيطها.

3- حث جميع الأطراف على الالتزام بالقانون الدولي الإنساني.

4- الدعوة إلى تسهيل وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى جميع أنحاء السودان.

ورغم مرور أكثر من عام على صدور قرار مجلس الأمن، لم تتحرك دولة واحدة لوقف هذه المجاعة، ووقفت الإنسانية تتفرج على الإنسان يموت جوعاً وعطشاً ومرضاً، وكأن الإنسانية أصبحت بلا إنسانية، وأصبحت مبادئ الأمم المتحدة، وقواعد القانون الدولي حبراً على ورق! 

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة