بين الاجتماعات ودفء البيت..

صراع المرأة العاملة في الخليج

في الخليج الحديث، لم تعد الحياة مجرد روتين يومي؛ بل سباق مستمر بين الواجبات المهنية والأسرية، حيث تجد المرأة نفسها محاصرة بين عالمين لا يرحمان.

أكثر من 40% من النساء الخليجيات بين 25 و45 عامًا يعملن بدوام كامل أو جزئي، وأكثر من نصفهن يشعرن أن التوازن بين العمل والمنزل مستحيل. (GCC Women Employment Survey, 2023).

هذه الأرقام تكشف عن واقع يختلف عن الصورة المتألقة التي نراها على منصات التواصل، حيث تظهر المرأة كمديرة ناجحة، بينما تحمل في صمتها أعباء تفوق الوصف.

كل صباح، ترتدي المرأة زي النجاح وتخرج للمكاتب الحديثة، تدير اجتماعات، وتتخذ قرارات، وفي الوقت نفسه تتحقق من وجبات الأطفال، وجدول البيت، واحتياجات الأسرة.

الضغط النفسي هنا لا يُرى بالعين المجردة، لكنه يتراكم يومًا بعد يوم، ويظهر في إرهاق دائم، وشعور بالذنب، وحتى قلق مزمن قد يؤثر على صحتها الجسدية والعقلية.

في بعض الدراسات الإقليمية، تبين أن 60% من نساء هذه الفئة يشعرن بأنهن غير قادرات على التوفيق بين العمل والأسرة، وأن العبء المزدوج يزيد الشعور بالتوتر والاكتئاب (UNICEF MENA MHPSS report)، وهذا يشير إلى أن النجاح المهني لا يعني بالضرورة راحة نفسية أو توازنًا حقيقيًا.

الضغط المزدوج

هناك العديد من الأسباب التي تسهم في زيادة تلك المشاعر السلبية لدى المرأة العاملة صاحبة الطموح الوظيفي في الخليج، منها هذا الضغط ثنائي القطبين الذي يتولد من توقعات المجتمع المزدوجة، فالمرأة مسؤولة عن النجاح المهني والبيت في الوقت نفسه، وأي تقصير، حتى لو بسيط، يُشعرها بالذنب.

هذا التوقع المزدوج يجعلها تسابق الزمن بلا توقف، ويضاعف الشعور بالضغط النفسي، خاصة في المجتمعات التي ما زالت تميل إلى معايير تقليدية للأدوار الأسرية.

يضاف إلى هذا الضغط أيضاً، الدعم الأسري غير المتكافئ، فبرغم تحسن مشاركة الزوج في بعض الأسر الخليجية، فإن العبء الأكبر غالبًا ما يقع على المرأة، حتى مع وجود العاملات المنزليات، تظل المرأة بطبيعتها وطبيعة أعراف بيئتها صاحبة الشعور الأكبر بالمسؤولية عن الأعمال المنزلية، ومتابعة الأطفال، والتأكد من سير الحياة اليومية، وهو ما يجعلها تتحمل مسؤوليات مضاعفة، بينما الدعم الواقعي محدود أو غير متوازن.

وثالث تلك الأسباب ما عزاه المختصون إلى بيئة العمل الصارمة، حيث الكثير من الشركات تعتمد دوامًا تقليديًا صارمًا، رغم أن بعض المؤسسات تقدم برامج مرنة، وبالتالي فإن هذا الواقع يضع المرأة أمام خيار صعب؛ إما النجاح في العمل على حساب البيت، أو العكس؛ ما يزيد الشعور بالعجز والإرهاق النفسي.

إستراتيجيات التكيف

يتحدث الخبراء عن طرق كثيرة وصلت إليها بعض النساء عن طريق التجربة، تساعدهن على التكيف إلى حد ما مع هذه الأوضاع الصعبة، منها: تنظيم الوقت، وتقسيم المهام، والاستعانة بالتقنيات الحديثة، ومشاركة المسؤوليات مع الأسرة بوعي.

ومع ذلك، يبقى الشعور بالذنب النفسي حاضرًا دائمًا، إذ تجد المرأة نفسها محاصرة بين ما يجب وما ترغب فيه.

من الناحية النفسية، ينصح المختصون بأن توفر المرأة مساحة خاصة للراحة، حتى لو نصف ساعة يوميًا للتأمل، أو هواية صغيرة تمنحها فرصة للتنفس بعيدًا عن ضغوط الواجبات، فهذه اللحظات الصغيرة وفقاً للخبراء تعتبر حجر الزاوية في الحفاظ على الصحة النفسية والجسدية.

المجتمع والدعم المؤسسي

يرى الخبراء كذلك أنه فيما يتغير الوعي الاجتماعي تدريجيًا، فقد أصبح من المقبول أن تكون المرأة عاملة وربة بيت في الوقت نفسه، وأن تطلب المساعدة أو الدعم عند الحاجة، ويؤكدون أن العديد من الشركات والمؤسسات بدأت تستثمر في برامج رفاهية الموظفين، وسياسات مرنة، لتخفيف الضغط عن المرأة العاملة، وهو تحول ضروري لضمان استمراريتها وإنتاجيتها. (Ministry of Health – Women Workforce Programs).

ويشدد الخبراء أيضاً على أن دعم الزوج، وتشجيع الأطفال، ومشاركة الجيران والأقارب، كلها عوامل تساعد المرأة على التوازن النفسي، لافتين إلى أن المرأة ليست وحدها في هذا السباق، لكن تحتاج لمن يقدر حجم التحدي الذي تواجهه يوميًا.

وفي النهاية، فإن المرأة العاملة في الخليج ليست مجرد موظفة أو ربة بيت؛ إنها بطل يومي يتحدى الزمن والضغط، تتعلم كل يوم أن تقول «لا» أحيانًا، وتطلب المساعدة أحيانًا، وتمنح نفسها قدرًا من الرعاية كما تمنح كل من حولها الحب والدعم.

التحدي ليس فقط تحقيق التوازن بين العمل والمنزل، بل الحفاظ على الهوية، والنفس، والحلم الشخصي وسط ضغوط الحياة المتسارعة، ومن يدعمها اليوم؛ من أسرة، ومجتمع، ومؤسسات، هو من يضمن غدًا جيلًا من النساء العاملات القويات والسعيدات في الخليج.



اقرأ أيضاً:

عمل المرأة.. بين متطلبات الواقع وتنظيرات «النسوية»

فاتورة باهظة الثمن تدفعها المرأة في معركة المساواة

د. زينب الأشوح لـ«المجتمع»: عمل المرأة وراء الفشل بأهم استثمار في حياتها

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة