«الانهيار الكبير».. هل النظام المالي العالمي قنبلة موقوتة؟

على الرغم من
اهتمامنا بشؤون المال اليومية وعمل معظمنا المضني من أجله، فإننا نحتاج إلى التوقف
قليلًا للتفكير في حقيقة المال بصورة واقعية، وماذا يعني في عالم اليوم؟
لا شك أن
الكثيرين -ومنهم أولئك العاملون في الحقل المالي- لا يدركون غالبًا المفهوم الدقيق
للمال، وحقيقة أن المال يأتي من العدم وبصورة ائتمانية يصعب فهمها، ذلك لأن هذا
السر الصغير والخطير لا يُعلَّم في معظم المدارس الاقتصادية، ولا تدركه سوى مجموعة
صغيرة من المطلعين الماليين.
يقول ويليم
ميدلكوب، مؤلف كتاب «الانهيار الكبير»: قبل عام واحد فقط على انهيار ليمان براذرز،
طُبع كتابي الأول في هولندا تحت عنوان «إذا انهار الدولار 2007»، وتوصلت بعد دراسة
النظام المالي على مدى أكثر من 10 أعوام إلى خلاصة مفادها أن انهيار النظام المالي
العالمي المهتز وديونه المتراكمة مسألة وقت لا أكثر.
وبعد أن حدث هذا
الانهيار للبيت الورقي بعام واحد فقط تغيرت حياته جوهريًا، فأصبح شخصًا معروفًا، لذلك
قرر ترك عمله كمعلق سوق مالية، والتركيز على الفرص التجارية الناشئة من الواقع
الاقتصادي الجديد، أدرك أن هذا الواقع الجديد سيكون مغريًا للمستثمرين للنظر جديًا
في الاستثمار في الأصول الثابتة، بخاصة الذهب والفضة، وهذا ليس بجديد، فالسوابق
التاريخية موجودة في كل أزمة على مدى السنوات الثلاثمائة الماضية.
من معيار الذهب إلى مطابع النقود الرقمية
قبل اندلاع
الحرب العالمية الأولى، كانت معظم العملات الرئيسة مدعومة بالذهب، وكان ذلك عصر
معيار الذهب حيث كان عرض المال مقيدًا بنمو احتياطي الذهب، لكن حاجة الدول
الأوروبية المتزايدة إلى تمويل التكاليف الباهظة للحرب دفعت بها إلى التخلي عن
معيار الذهب في العقد الثاني من القرن العشرين لكي يتسنى لها طباعة مزيد من المال،
واستبدلت تلك الدول، بالإضافة إلى معظم الدول الأخرى، معيار الذهب بنظام النقد
الورقي.
يكشف ميدلكوب
أنه بغرض مكافحة التداعيات الاقتصادية الناجمة عن أزمة الائتمان، أطلقت البلدان
لعجزها المالي العنان ليزداد بصورة دراماتيكية، ودفعت قيمة الفواتير المترتبة
عليها؛ ما جعل الحكومات تبيع كميات هائلة من السندات، لكن أعدادًا متزايدة من
المستثمرين توقفت عن شراء هذه السندات الحكومية، فما كان من المصارف الحكومية إلا
اللجوء إلى الطريقة الوحيدة؛ تشغيل مطابع المال الرقمية، وبهذا الأسلوب تم شراء
الديون المتراكمة والسندات الحكومية بما مجموعه 10 تريليونات دولار، وذلك في أنحاء
العالم جميعها، وفي الفترة الممتدة من عام 2008 إلى عام 2013م.
الخيار النووي.. تسييل الديون
يصف الاقتصاديون
هذه العملية بـ«تسييل الديون» من قبل المصارف المركزية، وتشير الكتب الاقتصادية
المتخصصة إلى هذا الإجراء باسم «الخيار النووي» الذي يجب اللجوء إليه عندما لا
تتوافر أي وسيلة أخرى للتمويل، فمن السهل البدء بهذه العملية لكن من المستحيل
إيقافها.
وللأسف، فإن
الجامعات في أنحاء العالم لا تزال تروج لفكر مدرسة شيكاغو للاقتصاد، وترتكز عقيدة
هذه المدرسة على إنتاج نقود ورقية من قبل المصارف المركزية بالتعاون مع المصارف
الخاصة، وما زال طلابنا حتى يومنا هذا يدرسون مثل هذا الفكر في كتب اقتصادية تقوم
على نماذج أسواق منتهية الصلاحية، ربما هذا هو سبب عدم وجود فهم كامل لدور المال
في اقتصادنا الحالي من قبل كثير من الاقتصاديين والصحفيين.
فشل محتوم للنظام النقدي
يقول ميدلكوب: صحيح
أنني لا أعاني إعاقة كوني لا أحمل درجة بكالوريوس في الاقتصاد، لكني أعتمد على
الفهم السليم لمبادئ المال، وقد دأبت على دراسة كتب المال والأزمات الاقتصادية
التي سطرها المؤرخون، وعليه يمكنني القول: إن الأزمة الحالية كان يمكن توقعها
بمراجعة لـ6 آلاف عام من التاريخ الموثق للمال، في نهاية المطاف، يجب النظر إلى
احتمال فشل النظام النقدي الحالي بوصفه حتمية إحصائية أكثر منه غير مرجح الحدوث
نظريًا.
ويعود ميدلكوب
ليؤكد أنه: سيُدرك السياسيون عند الوصول إلى هوة ما أن تغييرًا رئيسا كبيرًا أطلقت
عليه اسم إعادة الترتيب الكبيرة هو وحده ما ينقذ النظام النقدي العالمي، ولا شك في
أنهم سيصلون إلى هذا الإدراك عندما يقفون مكتوفي الأيدي حيال إعادة تمويل جبال
ديونهم.