ذهب العرب.. وهْم السيادة أم أداة استقرار؟

لطالما ارتبط الذهب في المخيال العربي بالثروة والسلطة، لكنه في الاقتصاد الحديث يُعد إحدى أدوات السيادة النقدية والتحوط المالي.

تمتلك الدول العربية احتياطيات متفاوتة من الذهب، تُستخدم غالبًا لدعم العملة الوطنية، وتعزيز الثقة في النظام المالي، ومواجهة الأزمات، لكن السؤال الجوهري: هل يُشكل احتياطي الذهب رافعة حقيقية للاقتصاد العربي، أم أنه مجرد وهْم سيادي لا ينعكس على النمو والإنتاج؟

أولًا: الذهب كأصل احتياطي:

في الاقتصاد الكلي، يُصنف الذهب ضمن الأصول الاحتياطية غير المدرّة للعائد، لكنه يُستخدم كأداة للتحوط ضد التضخم، وتقلبات أسعار الصرف، وعدم اليقين الجيوسياسي، وتُظهر النماذج الديناميكية أن الذهب يُعزز من استقرار النظام النقدي، لكنه لا يُحفّز النمو الاقتصادي مباشرة، فوظيفته الأساسية تكمن في دعم الثقة، وليس في توليد القيمة الإنتاجية.

ثانيًا: واقع الاحتياطي الذهبي في الدول العربية:

وفقًا لبيانات مجلس الذهب العالمي لعام 2025م، تتصدر المملكة العربية السعودية الدول العربية باحتياطي يبلغ 323 طنًا، يليها لبنان بـ287 طنًا، ثم الجزائر بـ174 طنًا، والعراق بـ163 طنًا، وليبيا بـ147 طنًا، ومصر بـ128 طنًا، هذه الأرقام تُظهر تفاوتًا كبيرًا بين الدول، لا يعكس بالضرورة قوتها الاقتصادية أو استقرارها المالي.

ثالثًا: تحليل العلاقة بين الذهب والاقتصاد العربي:

1- الذهب كأداة استقرار نقدي:

يُستخدم الذهب لدعم العملة المحلية، خاصة في الدول التي تُعاني من ضعف الثقة أو التضخم، فوجود احتياطي ذهبي يُعزز من قدرة البنك المركزي على التدخل في السوق، ويُقلل من الاعتماد على الدولار أو اليورو، لكنه لا يُغني عن وجود سياسات نقدية فعالة أو مؤسسات مالية مستقلة.

2- الذهب والنمو الاقتصادي:

لا توجد علاقة سببية مباشرة بين حجم احتياطي الذهب والنمو الاقتصادي، فلبنان مثلًا يمتلك ثاني أكبر احتياطي ذهبي عربي، لكنه يُعاني من انهيار اقتصادي شامل، في المقابل، دول مثل الإمارات وقطر تمتلك احتياطيًا أقل، لكنها تُحقق معدلات نمو مرتفعة بفضل التنويع الاقتصادي والاستثمار في المعرفة والبنية التحتية.

3- الذهب والتحوط من تقلبات النفط:

في الدول الريعية، يُستخدم الذهب للتحوط من تقلبات أسعار النفط، فعندما تنخفض الإيرادات النفطية، يُمكن استخدام الذهب كضمان في الاتفاقيات المالية أو كأداة دعم للاحتياطي النقدي، لكن هذا الاستخدام يظل محدودًا ما لم يُدمج ضمن إستراتيجية مالية متكاملة.

رابعًا: التحديات البنيوية في توظيف الذهب:

• ضعف السيولة: الذهب أصل غير سائل، لا يُمكن استخدامه بسهولة في تمويل العجز أو الإنفاق العام.
• غياب إستراتيجية إدارة الذهب: معظم الدول العربية لا تمتلك سياسات واضحة لاستخدام الذهب في دعم التنمية أو الاستثمار.
• الاستخدام الرمزي: في بعض الحالات، يُستخدم الذهب كأداة دعائية لإظهار القوة، دون أثر اقتصادي ملموس.
• الاعتماد المفرط على الأصول الثابتة: التركيز على الذهب والنفط يُضعف من قدرة الدول على تطوير قطاعات إنتاجية مستدامة.

خامسًا: توصيات إستراتيجية:

البيانات التوضيحية (2025م):

جدول: احتياطي الذهب مقابل الناتج المحلي الإجمالي (GDP) في الدول العربية

القراءة التحليلية للجدول

• لبنان يمتلك ثاني أكبر احتياطي ذهبي عربي، لكنه يُسجل أحد أدنى مستويات الناتج المحلي؛ ما يُظهر ضعف العلاقة بين الذهب والنمو الاقتصادي.
• السعودية تُظهر توازنًا بين الاحتياطي الذهبي والناتج المحلي؛ ما يعكس دورًا أكثر تكاملًا للذهب ضمن منظومة اقتصادية واسعة.
• الإمارات وقطر رغم احتياطيهما الذهبي المحدود نسبيًا، فإن ناتجهما المحلي مرتفع؛ ما يُشير إلى أهمية التنويع الاقتصادي والاستثمار في القطاعات الإنتاجية.
• مصر والعراق يمتلكان احتياطيًا متوسطًا، لكن ناتجيهما المحليين أعلى من دول ذات ذهب أكثر؛ ما يُشير إلى أهمية الإنتاج لا التخزين.

يتضح مما سبق، أن احتياطي الذهب في الدول العربية يُمثل عنصرًا مهمًا في الاستقرار النقدي، لكنه لا يُشكل رافعة تنموية مستقلة، فالقوة الاقتصادية لا تُقاس بكمية الذهب في الخزائن، بل بقدرة الدولة على تحويل الأصول إلى أدوات إنتاج واستثمار، الدول التي تُوظف الذهب ضمن إستراتيجية اقتصادية متكاملة، وتربطه بالإنتاج والمعرفة، هي التي تُحوّله من مجرد مخزون إلى أداة سيادية فعالة.

________________

1- https://asharqbusiness.com/economics/69601

2- مجلس الذهب العالمي، وحدة أبحاث الطاقة.

https://attaqa.net/2025/05/