سوء التغذية يحصد أرواح أطفال السودان

كشفت الحرب الدائرة الآن في السودان بين «الدعم السريع» وقوات الجيش، عن كارثة كبرى تلاحق أطفال السودان الذين تشردوا في مخيمات النزوح واللجوء خارج البلاد، إضافة إلى تسرب عدد كبير منهم من أسرهم ليتحولوا إلى أطفال شوارع.

وضرب الجوع كل الفئات العمرية للأطفال؛ ما حدا بالمنظمات الدولية لوصف الوضع في السودان بأنه أسوأ كارثة إنسانية في العالم.

ويشكل سوء التغذية الخطر الأكبر الذي يهدد بإبادة أجيال كاملة من أطفال السودان؛ نظرًا لفشل المنظمات الإنسانية في الوصول إليهم مع اشتداد المعارك بين الطرفين، ووصولها إلى داخل الأحياء والمدن، إضافة إلى عمليات نهب المواد الإغاثية التي يقوم بها في الغالب أفراد ينتمون إلى مليشيا «الدعم السريع»، وهو ما اشتكت منه المنظمات الدولية التي طالبت بفتح ممرات آمنة لوصول المواد الإغاثية إلى النازحين، والأطفال المحتاجين للبقاء على قيد الحياة.

وأجبرت الاشتباكات العنيفة ملايين الأشخاص على الفرار من منازلهم بحثًا عن الأمان، سواء داخل السودان أو عبر الحدود إلى البلدان المجاورة؛ ما أدى إلى اكتظاظ مخيمات النزوح وتزايد الضغط على الموارد الشحيحة بالفعل.

وقد أدت هذه الظروف إلى تدهور كبير في قدرة الأسر على تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الحصول على الغذاء والمياه النظيفة والرعاية الصحية. 

ونتيجة لهذه الظروف القاسية، شهد السودان ارتفاعًا حادًا في معدلات سوء التغذية بين الأطفال، وخاصة الذين هم دون سن الخامسة، وفي العديد من المناطق، وخاصة مخيمات النزوح مثل مخيم زمزم في شمال دارفور، الذي تجاوزت فيه معدلات سوء التغذية عتبة الطوارئ، بل ووصلت إلى مستويات المجاعة.

تدهور صحي

يحذر تقرير موحد لمنظمات متعددة تابعة للأمم المتحدة من تدهور كبير في الوضع الصحي لأمهات وأطفال السودان نتيجة لأمراض سوء التغذية التي جلبتها الأوضاع المتردية للبلاد، وأن السودان أصبح من بين 4 دول هي الأسوأ عالميًا في أمراض سوء تغذية الأطفال.

وتؤكد منظمة الصحة العالمية أن 3.7 ملايين طفل دون سن الخامسة في عام 2025م يعانون من سوء التغذية الحاد، وقد صنفت المنظمة أكثر من 700 ألف طفل من بين هؤلاء باعتبارهم يعانون سوء التغذية الحاد الوخيم، وهم معرضون لخطر كبير للوفاة ما لم يحصلوا على رعاية وعلاج عاجلين، كما أكدت أن قرابة 3 ملايين طفل سنوياً يعانون من سوء التغذية.

وتوزعت أمراض سوء التغذية في جميع ولايات دارفور ولكنها كانت أكثر تركيزًا في شمال دارفور، حيث تجاوزت المعدلات 35% (حد المجاعة) في بعض المناطق، بالإضافة إلى الخرطوم وجنوب دارفور.  

وقد أشارت تقارير صادرة عن منظمة «أنقذوا الأطفال» إلى أن معدلات سوء التغذية تجاوزت بالفعل 30% في العديد من المناطق، وهو ما يعتبر الوصول إلى عتبة المجاعة.

وتشير التوقعات إلى أن أوضاع الأطفال الصحية في السودان ستزداد تدهورًا خلال عام 2025م؛ بسبب استمرار الصراع وتدهور الأمن الغذائي وتضرر الخدمات الصحية والمياه والصرف الصحي والنزوح.

وحذرت المنظمات الإغاثية من أن عام 2025م سكون عامًا كارثيا على أطفال السودان ما لم يتم وصول المواد الإغاثية للأطفال في جميع مناطق النزاع ومخيمات النزوح بشكل عاجل، كما حذرت من أن موسم الأمطار سيكون عائقًا أمام المنظمات الإغاثية للوصول إلى مناطق النزاع. 

 

3 كوارث أسرية وتعليمية خلفتها الحرب في السودان |  Mugtama
3 كوارث أسرية وتعليمية خلفتها الحرب في السودان | Mugtama
أنتج التمرد العسكري الذي قادته «الدعم السريع» في السودان واقعًا مريرًا يضرب الأسرة
www.mugtama.com
×


شهادات حية

تدهورت الأوضاع في مخيمات النزوح بشكل غير مسبوق وخاصة في مخيمات شمال دارفور، حيث عرضت بعض النساء أطفالهن أمام منظمات الإغاثة الدولية للتدليل على سوء التغذية الحاد الذي أوشك على الفتك بهؤلاء الأطفال بعض أن تناقصت أوزانهم بشكل كبير، وأصبحوا غير قادرين على الحركة.

وقالت أم رواب: إن جميع أطفالها الأربعة أشرفوا على الموت في مخيم زمزم للنازحين بشمال دارفور، معلنة استغاثتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقالت: إننا اضطررنا لأكل أوراق الشجر حتى أحافظ على حياة أطفالي الذين يموتون دون أن يسعفهم أحد، معتبرة أن نزوحها المتعدد من مدن النزاع أفقدها كل ما تملك من أموال ومتاع، كما أفقدها زوجها العائل الوحيد للأسرة.

وتتحدث أمهات أخريات عن رحلاتهن الصعبة والمرهقة بحثًا عن الغذاء لأطفالهن المصابين بسوء التغذية، في ظل ظروف أمنية صعبة ونقص حاد في الإمدادات الغذائية، كما تنتشر قصص الأطفال الذين يعانون من الهزال الشديد والمضاعفات الطبية الخطيرة مثل الحمى الشديدة والقيء المستمر وفقدان الشهية التام.

وأفاد نشطاء في حقوق الإنسان أن كثيراً من السيدات الحوامل في مخيمات النزوح اضطررن للصوم حتى يتمكنّ من توفير وجبة طعام لأطفالهم، وهو ما سيؤدي إلى أضرار جسيمة بأجنتهن.

وقد نقل العاملون في المجال الإنساني والتقارير الإعلامية شهادات تزيد من فداحة الوضع؛ فقد حذروا من أن طفلاً يموت كل ساعتين في مخيم زمزم بسبب سوء التغذية، ووصفوا الوضع في المخيم بأنه «كارثي للغاية»، وقدروا وفاة حوالي 13 طفلاً يوميًا.

 

تحديات التربية في مخيمات النزوح.. السودان نموذجاً |  Mugtama
تحديات التربية في مخيمات النزوح.. السودان نموذجاً | Mugtama
خلفت الحرب الأهلية المستعرة في السودان آثارًا مدمر...
mugtama.com
×


أسباب الأزمة

أرجع العديد من الخبراء أسباب الكارثية الإنسانية التي تضرب أطفال السودان إلى عدة أسباب، من بينها:

1- تدمير مصانع إنتاج الأدوية والغذاء جراء النزاع؛ ما أدى إلى تقويض قدرة البلاد على توفير الغذاء الكافي للسكان.

2- فرار معظم المزارعين من أراضيهم بسبب تعرض حياتهم للخطر؛ ما أدى إلى انخفاض حاد في الحبوب والمواد الغذائية.

3- تدمير الطرق والجسور أدى إلى صعوبة بالغة في وصول المواد الإغاثية إلى النازحين والهاربين من جحيم الحرب.

4- أدى القتال في السودان إلى مقتل مئات الآلاف من رؤوس الماشية؛ وهو ما خفّض إلى حد كبير من إنتاج الألبان الضرورية لغذاء الأطفال وغيرهم.

5- تدمير الأسواق والمتاجر أغلق منافذ وصول الأسر إلى الغذاء، وهو ما أسهم أيضًا في تفاقم الأزمة.

وهكذا، انتقلت آثار الأزمة في السودان من الجيل الحالي الذي تشتت بين نازح ولاجئ إلى احتمالات قوية بالقضاء على جيل كامل من الأطفال الذين يشكلون مستقبل البلاد.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة