لماذا تبتسم «نوبل» لمجرمي الحرب؟!

د. عمرو نافع

22 يوليو 2025

158

في كل عام يتعالى الجدل حول جائزة «نوبل» للسلام، وهل تعد أداة يحركها قادة أميركا، أم جائزة سلام تتمتع بالشفافية، خاصة وأنها استقرت في أحيان كثيرة بخزانة مجرمي حرب.

تمنح جائزة «نوبل» سنوياً في العاصمة النرويجية أوسلو، وتحديداً في العاشر من ديسمبر، من قبل اللجنة النرويجية لجائزة «نوبل».

وقد سعى مؤسس الجائزة ألفريد نوبل مخترع الديناميت بنهاية القرن التاسع عشر لإسداء اعتذار ضمني للبشرية بعد الدمار الذي لحق بها جراء الاستغلال العنيف لمنجزه العلمي.

صحيح أن «نوبل» للسلام فاز بها من قبل عدد من أبرز دعاة التسامح واللاعنف، ومنهم الزعيم نيلسون مانديلا في جنوب أفريقيا، أو الزعيم مارتن لوثر كينج المنادي بإنهاء الفصل العنصري، والأم تيريزا، وعدد من دعاة السلام من أفراد ومنظمات، لكن هناك وجهاً آخر لا ينساه التاريخ!

الوجه المظلم لـ«نوبل»

يرى كثيرون أن الجائزة لطالما ضلت طريقها، من حيث تم منحها لشخصيات لا علاقة لها بالسلام، بل علاقتها المباشرة بنقيضه، وهو النزاعات والشقاق والحروب المستعرة.

ففي عام 2019م، فاز رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد بالجائزة، وذلك لمبادرته بسلام مع إريتريا وإصلاحات سياسية في البلاد وُصفت بـ«أمل أفريقيا»، في حين تناست الجائزة مثلاً أنه المسؤول عن عمليات عسكرية عنيفة جرت وقائعها في إقليم تيغراي شمالاً وراح ضحيتها آلاف القتلى وملايين النازحين وتسببت في مجاعة كبرى في التسعينيات.

كذلك تغافل مانحو الجائزة تأثير بناء سد النهضة على الحقوق المشروعة لدولتي المصب في حصة مياه النيل وما يعنيه السد من تهديد حقيقي بالجفاف.

مثال آخر صادم في جوائز «نوبل» تقوده أونغ سان سو تشي، الزعيمة البورمية، التي فازت بالجائزة عام 1991م عندما كانت رهن الإقامة الجبرية، وتناست الجائزة أن تشي كانت وراء الحملة التي شنّها جيش ميانمار ضد مسلمي الروهنجيا في ولاية راخين التي أدت إلى دفع أكثر من 700 ألف شخص إلى البحث عن ملاذ في بنغلاديش المجاورة، وبرغم دفاعها الطويل عن حقوق الإنسان والحريات!


هل توسع
هل توسع "نوبل" الآداب آفاقها أم تبقى من نصيب الغرب؟ | Mugtama
  يُعلَن، اليوم الخميس، في ستوكهولم عن اسم ا...
www.mugtama.com
×

«سلام» أمريكا والصهاينة

جائزة «نوبل» للسلام سبق وأن حازها عدد كبير جداً من رؤساء أمريكا وأوروبا وساستها البارزين، ولهذا يُنظر لهذا الهوى الغربي للجائزة كاتهام رئيس يحيط بنزاهتها وحياديتها.

لقد فاز بها وزير الخارجية الأمريكي الشهير هنري كيسنجر عام 1973م لدوره في إنهاء حرب فيتنام، برغم جرائم بلاده هناك آنذاك.

كذلك حاز الجائزة العديد من الرؤساء الأمريكيين ورؤساء الحكومات الأوروبيين البارزين برغم كونهم قادة عسكريين وليسوا دعاة سلام، بدءاً من روزفلت (1906)، وويلسون (1919)، وتشرشل (1953)، وكارتر 2002 وأوباما (2010)، وقد نشر الأخير مثلاً ترسانة عسكرية في أفغانستان بعد فوزه بالجائزة وأدت لنتائج وخيمة ضد الأبرياء.

وإذا ما تحولنا لـ«إسرائيل»، الابنة المدللة للغرب، سنرى كيف حصل على «نوبل» للسلام عام 1978م مجرم الحرب مناحم بيجن، رئيس الوزراء «الإسرائيلي» الهالك، وذلك مناصفة مع الرئيس المصري الراحل أنور السادات بعد توقيع اتفاقية «كامب ديفيد»، وكان بيجن قائداً لعصابات «إرجون» التي قتلت عشرات الفلسطينيين في مجزرة دير ياسين 1948م قبل إعلان دولة الكيان الغاصب، وحاولت اللجنة تبرير فوزه آنذاك بأن تركيزها ينصب على دوره السياسي لاحقاً وليس ماضيه!

تكرر ذلك بفوز شيمون بيريز، وزير الخارجية «الإسرائيلي» آنذاك عام 1994م بالجائزة نفسها، وذلك إلى جانب إسحاق رابين، رئيس الوزراء حينها، وياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية الراحل، لدورهم في اتفاقية أوسلو بين الجانبين.

وكان بيريز مهندس تطوير الترسانة النووية «الإسرائيلية»، وكان داعماً لعمليات القمع ضد الفلسطينيين في غزة والضفة، وقد أقدم بيريز برغم الجائزة وأوسلو على مجزرة قانا عام 1996م خلال العدوان «الإسرائيلي» على الجنوب اللبناني، وكان بيريز وقتها قد أصبح رئيساً للوزراء، فقصف مقر الأمم المتحدة الذي لجأ له الأبرياء ما أوقع أكثر من 100 شهيد.

أما تاريخ رابين فلا يقل إجرامية، فقد كان قائداً في المليشيا الصهيونية «بلماح»، وشارك بعمليات قذرة استهدفت مدينتي اللد والرملة خلال «النكبة»، وشارك في جرائم حرب خلال توليه قائداً لأركان الجيش خلال حرب 1967م التي عرفت بـ«النكسة»، ثم قمع الانتفاضة الأولى نهاية الثمانينيات خلال توليه وزارة الدفاع رافعا شعار ضد المقاومين «يجب كسر عظامهم».


مناحم بيجن.. من مجرم حرب إلى جائزة
مناحم بيجن.. من مجرم حرب إلى جائزة "نوبل للسلام" | Mugtama
هو أحد أكبر رؤوس الإرهاب الصهيوني وذلك باعتبار مشا...
www.mugtama.com
×

صدمة ترشيح ترمب

والآن، وامتداداً لهذه السلسلة الممتدة، فقد صُدم العالم حين انتشرت صورة مجرم الحرب «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو، والملاحق من محكمة العدل الدولية، وهو يصافح الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، بمناسبة تزكية «إسرائيل» له لنيل «نوبل» للسلام.

ومعروف أن أمريكا هي الحليف الرئيس لـ«إسرائيل» في جرائمها ضد الإنسانية من خلال إمدادها بالذخيرة والسلاح والتغطية السياسية في الأمم المتحدة عبر حق «الفيتو» لتعطيل أي مشروع لإدانة جرائمها في العالم العربي؛ قتلاً وتدميراً وتجويعاً وتهجيراً، وبخاصة حرب الإبادة في قطاع غزة، ثم المشاركة في عملياتها العسكرية المدمّرة ومنها قصف إيران بثاني أقوى قنبلة في العالم؛ ما يهدد السلم البشري.

في دورية «المحادثة» الأمريكية، وتحت عنوان «هل يستحق ترمب الفوز بنوبل السلام؟»، تقول إيما شورتيس، المؤرخة وزميل معهد أستراليا المستقل للدراسات: لم يحدث سلام في غزة كما وعد ترمب، ولم يحدث سلام في إيران، وما دام يقود الإدارة الأمريكية فلن يحدث سلام في الشرق الأوسط؛ لأن أمريكا و«إسرائيل» يعملان جاهدين لإشعال فتيل الحرب بلا هوادة.. فقط لإحكام الهيمنة من خلال العنف وبلا عزاء للمواثيق الدولية وحقوق الإنسان.

من جانبه، أكد علي المعموري، الباحث بجامعة دينكين، أن ترشيح ترمب لجائزة «نوبل» للسلام سابقة لا يمكن تجاوزها لفرط سخريتها، وهو من يقود مخطط «أبراهام» لتطبيع العلاقات العربية «الإسرائيلية»، وتكلفة ذلك الباهظة في فلسطين تحديداً، وتجاهل حتى حل الدولتين، والانحياز المطلق لـ«إسرائيل» وبناء مستوطنات جديدة، وصمت ترمب تجاه الكارثة الإنسانية في قطاع غزة وتأييده الصريح للتهجير القسري لسكان القطاع، وهو موقف يدعم مجمل سياسة التطهير العرقي في فلسطين، ويقوّض مبادئ السلم الإنساني بشكل جوهري.

ولو نظرنا لموقف أمريكا من إيران فلن نجد بالمثل غطاء قانونياً لضربتها لطهران التي أسهمت في زعزعة الاستقرار الإقليمي وأسفرت عن ضحايا أبرياء.

لا تزال الفرصة سانحة للجائزة لدعم منظمات وأفراد دافعوا عن السلام والإغاثة، وبينهم وكالة الأمم المتحدة لتشغل لاجئي فلسطين (أونروا)، والمرشحة بالفعل هذا العام، وبين المرشحين هناك أسماء أكثر إنصافاً للإنسانية ومنهم الأمين العام للأمم المتحدة نفسه أنطونيو غوتيريش، أو محكمة العدل الدولية.

لماذا لا يدعم العالم فوز خبيرة الأمم المتحدة فرانشيسكا ألبانيز التي تعرضت لفرض عقوبات عليها من الولايات المتحدة، بسبب فضحها جرائم الإبادة «الإسرائيلية» والتخطيط لدفع الفلسطينيين إلى رفح، وفرض النزوح عليهم أو الدمار الكامل، ومنع العودة إلى أراضيهم المغتصبة؟!

إن سجل ترمب ملطخ بالدماء والبؤس، واعتقاد ترمب بأنه يستحق جائزة «نوبل» للسلام يشهد على أوهامه بالعظمة في مواجهة أدلة دامغة تُثبت عكس ذلك، وقد دخلت حرب غزة شهرها العشرين لأن ترمب لم يرد إنهاء الحرب العبثية التي راح ضحيتها أكثر من 70 ألف بريء، معظمهم من الأطفال، غير ما خلفته من أرقام مضاعفة من المشوّهين والضحايا بقنابل أمريكية الصنع، وتدمير قطاع غزة ومنع الإمدادات الإغاثية عن سكانه، وتحويل المنافذ القليلة التي تسيطر عليها القوات الأمريكية لمصائد موت للأبرياء.

فهل هذا المنجز كفيل بمنح ترمب «نوبل» للسلام، وهو الرجل الذي جاء لينهي عقوداً من الأعراف الدولية التي تم إرساؤها بعد الحرب العالمية الثانية؟!

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة