قراءة في جوهر الهزيمة «الإسرائيلية»..

11 سبباً لفشل الاحتلال الصهيوني في حسم المعركة

لؤي صوالحة

21 أكتوبر 2025

362

منذ السابع من أكتوبر، حين فاجأت المقاومة الفلسطينية العالم بعملية «طوفان الأقصى»، لم يعد السؤال عمن يملك القوة العسكرية هو الأكثر أهمية، بل أصبح السؤال الأكبر: من يملك القدرة على الانتصار؟

لقد كشفت هذه الحرب، بوضوح، أن التفوق التكنولوجي والعدد الكبير من القوات لا يضمن الحسم، وأن امتلاك الطائرات والدبابات والصواريخ لا يعني النصر إذا فقدت الإرادة والثقة بالنفس، فـ«إسرائيل»، الدولة التي بنيت على الخوف والأمن، المطلق، وجدت نفسها عاجزة عن فرض إرادتها على قطاع غزة المحاصر؛ ما كشف هشاشة مشروعها الاستيطاني برمته.

أولًا: سقوط أسطورة «الجيش الذي لا يُقهر»:

الجيش «الإسرائيلي» لطالما اعتُبر رمزًا للقوة والاحترافية، لكنه في غزة اصطدم بجدار صمود غير متوقع، فمنذ اندلاع المعركة، تمكنت المقاومة من تحقيق اختراقات نوعية في خطوط الحدود، وسقطت منظومات دفاعية متطورة مثل «القبة الحديدية» أمام صواريخ دقيقة، وأثرت الضربات المباشرة على قواعد عسكرية ومستوطنات؛ ما أحدث صدمة كبيرة في الداخل «الإسرائيلي» وخارجه.

الدرس الأول هو أن التكنولوجيا وحدها لا تصنع النصر، التكنولوجيا بلا إستراتيجية واضحة، بلا معنويات مرتفعة، وبلا معرفة حقيقية بالأرض، تصبح مجرد أدوات فاشلة، والمقاومة الفلسطينية أثبتت أنها تفهم الأرض، وتعرف كيفية استغلال التضاريس، وتدمج بين التكتيك والابتكار، لتجعل كل ضربة لها تأثيرًا مضاعفًا.

ثانيًا: انهيار العقيدة القتالية «الإسرائيلية»:

العقيدة القتالية "الإسرائيلية" اعتمدت منذ تأسيسها على مفهومي الردع والحسم السريع؛ حيث كان الهدف من كل عملية تحقيق نصر فوري قبل أن يستنزف الجيش والاقتصاد والمجتمع.

لكن في غزة، تحولت المعركة إلى حرب استنزاف طويلة، لم يتمكن فيها الجيش من فرض المبادرة، وأصبح في حالة دفاع مستمرة، يتفاعل مع ضربات المقاومة بدل أن يحدد هو مجريات المعركة.

هذا الانقلاب في دور الجيش من مهاجم إلى مدافع أثر بشكل مباشر على معنويات الجنود والقيادة، وجعل كل عملية عسكرية تقابل برد فعل غير متوقع من المقاومين؛ ما أدى إلى فقدان السيطرة على الأحداث على الأرض.

ثالثًا: غياب أهداف إستراتيجية واضحة:

أحد أهم أسباب الفشل «الإسرائيلي» الافتقار إلى هدف واضح وحقيقي، فشعارات مثل القضاء على «حماس»، وتحرير الأسرى، ونزع سلاح غزة، لم تكن قابلة للتحقيق؛ حيث إن «حماس» ليست جيشًا نظاميًا، بل منظومة اجتماعية وسياسية متكاملة، ووجودها ممتد في البنية المجتمعية والاقتصادية.

أما تحرير الأسرى، فقد أصبح ورقة تفاوضية أكثر من كونه هدفًا عسكريًا، وغياب الهدف الواضح أدى إلى تشتت العمليات العسكرية، وعدم فعالية الخطط الإستراتيجية، وتحويل المعركة إلى سلسلة من الغارات دون تحقيق نتيجة حاسمة.

رابعًا: الهشاشة النفسية للمجتمع «الإسرائيلي»:

المجتمع «الإسرائيلي»، الذي بُني على أساس الأمن أولًا، تعرض لصدمة نفسية كبيرة منذ اليوم الأول للهجوم؛ فانطلقت موجات الهلع والهرب من مناطق الغلاف، وبدأت تظهر مظاهرات تطالب الحكومة بوقف الحرب وإعادة الأسرى بأي ثمن، والثقة بالجيش لم تعد كما كانت؛ ما أثر على الروح المعنوية للجنود، وأصبح المجتمع «الإسرائيلي» يضغط على قيادته السياسية لتحقيق إنجاز سريع؛ ما زاد من التناقض بين السياسة العسكرية والواقع على الأرض.

خامسًا: تطور المقاومة الفلسطينية إلى مدرسة قتالية متكاملة:

المقاومة لم تعد تعتمد على الكمّ فقط، بل على الذكاء التكتيكي والابتكار المستمر؛ فالأنفاق لم تعد مجرد وسيلة تحرك، بل أصبحت منظومة دفاعية وهجومية متكاملة، والصواريخ لم تعد عشوائية، بل دقيقة وتؤثر في العمق الإستراتيجي، مستهدفة مواقع حيوية للجيش والمستوطنات.

كما أدارت المقاومة حربًا إعلامية ذكية، عززت من تأثير ضرباتها على الرأي العام العالمي، وحوّلت كل مواجهة إلى انتصار معنوي حتى لو لم يتحقق نصر عسكري واضح.

سادسًا: الانقسام السياسي «الإسرائيلي»:

حكومة نتنياهو واجهت معضلة معقدة؛ التوازن بين الضغط الداخلي لليمين المتطرف، والمطالب الدولية بضبط النفس.

الجيش، بدوره، أصبح أداة في صراع سياسي داخلي، وتراجعت استقلالية القرارات الإستراتيجية، هذا الانقسام أدى إلى قرارات متناقضة، وتأجيل عمليات عسكرية، وجعل «إسرائيل» تتخبط بين الاستجابة للشارع، والالتزامات الدولية، وضغط الحلفاء.

سابعًا: الفشل الإعلامي والأخلاقي:

الفضاء الإعلامي كان ساحة معركة حاسمة، وفشلت «إسرائيل» فيها بشكل واضح؛ فصور الأطفال والمستشفيات والمخيمات المدمرة أثرت على الرأي العام العالمي، وعكست صورة دولة تهاجم المدنيين تحت شعار الدفاع عن النفس.

بينما استغلت المقاومة الإعلام بذكاء، وفضحت التناقض بين الشعارات والواقع؛ ما عزز موقفها على الساحة الدولية.

ثامنًا: التراجع الدولي وضياع الغطاء السياسي:

لأول مرة منذ عقود، بدأت الولايات المتحدة تضع حدودًا واضحة لعمليات القصف، وحذر الكونغرس من استمرار تمويل الحرب؛ حيث إن دولاً أوروبية بدأت تتحدث عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ومنظمات حقوقية تصف ما يحدث بأنه إبادة جماعية؛ ما عزز العزلة الدولية لـ«إسرائيل»، وأجبرها على مراجعة خياراتها العسكرية والسياسية.

تاسعًا: الأزمة الاقتصادية:

الحرب أثَّرت بشكل مباشر على الاقتصاد «الإسرائيلي»، من حيث:

  • توقف شركات التكنولوجيا عن العمل بشكل كامل.
  • ارتفاع تكاليف التجنيد والاستنزاف العسكري.
  • نزوح الاستثمارات الأجنبية.
  • زيادة الديون العامة.

هذه الضغوط الاقتصادية أسهمت في زيادة التوتر الداخلي، وأثرت على قدرة «إسرائيل» على الاستمرار في الحرب دون تهديد استقرارها الداخلي.

عاشرًا: الوحدة الفلسطينية المعززة:

الحرب أعادت اللحمة بين الضفة وغزة والقدس والداخل الفلسطيني؛ ما أضاع رهان «إسرائيل» على الانقسام، والمقاومة أصبحت قوة موحدة، والشعب الفلسطيني عاد ليشكل جبهة واحدة، تتجاوز الانقسامات التقليدية؛ ما زاد صعوبة تحقيق أي أهداف «إسرائيلية».

حادي عشر: أزمة الهوية «الإسرائيلية»:

الهزيمة تكشف أزمة وجودية؛ فـ«إسرائيل» دولة قامت على الاحتلال والعدوان، وتعيش على الخوف أكثر من الأمن، وكلما طال النزاع؛ اتضح أنها تواجه شعبًا يقاتل من أجل الحرية وليس من أجل البقاء فقط، وأن مشروعها الاستيطاني مهدد بالفشل الأخلاقي والسياسي.

وفشل الاحتلال في حسم الحرب ليس فشلًا عسكريًا فقط، وإنما فشل شامل؛ سياسي، ونفسي، وأخلاقي، واقتصادي.

غزة لم تنتصر بالأسلحة فقط، بل بالإيمان والصمود، وبالقدرة على تحويل الضعف إلى قوة، والعجز «الإسرائيلي» إلى هزيمة إستراتيجية ممتدة؛ فالتاريخ سيكتب أن «إسرائيل» لم تهزم الفلسطينيين بالآلة العسكرية، لكنها انهارت أمام إرادة شعب مصمم على الحرية والكرامة.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة