التنظيمات الصهيونية الكبرى حول العالم.. الجذور والفروع والأهداف (2 - 2)

تحدثنا في الجزء الأول من هذا المقال عن جذور الحركات الصهيونية، وتناولنا أهمها في الولايات المتحدة الأمريكية، ونستكمل هنا ما بدأناه هناك.

الصهيونية في أوروبا

إن العلاقة بين الحركة الصهيونية بمختلف تنويعاتها وأذرعها وأنشطتها من جانب، وقوى الغرب الرئيسة في أوروبا من جانب آخر، علاقة عضوية وثيقة لم تنفصم عُراها أو تضعف يوماً ما، منذ إرهاصات الحركة الصهيونية وحتى يومنا هذا، فمن رحِم هذه القُوى وُلدت الحركة الصهيونية الرئيسة، وعلى أراضيها نشأت، وفي أحضانها ترعرعت إلى أن بلغت أشدّها، حتى إن المؤتمر الصهيوني السنوي الذي تعقده المنظمة سنوياً في إحدى بلاد العالم لم يخرج عن دول أوروبا تقريباً، ابتداء بالمؤتمر التأسيسي الأول الذي أُعلن فيه عن تأسيس المنظمة في مدينة بازل السويسرية عام 1897م وحتى قيام كيانهم المجرم على أرض فلسطين الحبيبة عام 1984م. 

وعليه، فلسنا بحاجة إلى القول: إن جميع المنظمات الصهيونية ذات الصبغة العالمية لها حضور بارز وفعّال في هذه الدول، بما فيها التنظيمات الصهيونية التي نشأت خارج أوروبا في مراحل لاحقة كتلك التي تشكّلت في الولايات المتحدة الأمريكية، والكيان الصهيوني اللقيط، التي أشرنا إلى أهمها في المقال السابق. 

الصهيونية «الروسية»

مع أن قوى الغرب في أوروبا بوجه عام هي المعقل الأول والرئيس للصهيونية، كما تقدم، لكننا نخُصّ الصهيونية الروسية بشيء من التفصيل، للأسباب التي سيلي ذكرها.

بدايةً، أذكّر بأن وجود اليهود في روسيا قديم، حيث تعود بداياته إلى القرن التاسع الميلادي، إذ اشترك اليهود في الحوار الجدلي أو المناظرة التي جرت بين ممثلين للشرائع التوحيدية السماوية الثلاث في حضرة حاكم كييف عام 986م، التي على إثرها اعتنق أمير كييف المسيحية الأرثوذكسية وجعلها الدين الرسمي لبلاده.

ولم تكن الأمور بين اليهود ومحيطهم الروسي على وفاق دائم؛ لعدة أسباب، من بينها اختلاف الديانتين، واحتضان التتار لليهود ودعمهم بعد غزوهم لروسيا في مرحلة لاحقة، وبالتالي تخوّف الروس من اليهود، لا سيما أنهم تجمعوا في أماكن انعزالية خاصة بهم كعادتهم في مختلف بلدان العالم (الجيتو). 

وأخذت مخاوف الروس من تغلغل اليهود ونشاطهم المريب في بلادهم تزداد تدريجياً، حتى إن إيفان الرهيب قرر طردهم من البلاد، وظلت أوضاع اليهود وعلاقتهم بالروس في ظل الحكم القيصري تتأرجح صعوداً وهبوطاً، إلى أن قامت الثورة البلشفية عام 1917م، فمنح اللاشفةُ اليهودَ جميع الحقوق السياسية المتاحة لغيرهم، وساوت بينهم وبين غيرهم في شتى المجالات. 

ونظراً لقِدم تاريخ اليهود في روسيا، وأعداد اليهود الكبيرة على أراضيها عبر حلقات هذا التاريخ، بالإضافة إلى أن وجودهم على الأراضي الروسية شهد أحداثاً كبيرة وجسيمة ومتعددة كانت لها أصداؤها الواسعة، نظراً لهذا كله وغيره، كان للصهيونية حضور قوي في روسيا في معظم الفترات التي تلت نشأة الحركة الصهيونية وحتى يومنا هذا. 

بل إن «الصهيونية الروسية» تبوأت مكانة متقدمة في المنظمة الصهيونية الرئيسة بُعيد تشكّل الأخيرة، وليس أدلّ على هذا من حضور أكثر من 200 مندوب صهيوني روسي في المؤتمر الرابع للمنظمة الذي انعقد في لندن عام 1900م، كما حرصت جميع المنظمات الصهيونية العالمية الرئيسة على حضور قوي لها ولأنشطتها على الأراضي الروسية.

المنظمات الصهيونية الرئيسة داخل الكيان اللقيط

بما أن إقامة ما يُسمى بـ«إسرائيل» كان من أهم أهداف الصهيونية العالمية، وليس الهدف الوحيد، إذ إن تأسيسه لم يكن هدفاً لذاته فقط، فقد كان غرسه في قلب منطقتنا أساساً لمآرب إجرامية كبرى؛ ما يعني أن هذا الكيان الشيطاني أهم فروع الحركة الصهيونية، فقد اتخذت الصهيونية من مؤسساته النافذة أذرعاً لها، ومن أهمها جيش الكيان الصهيوني، وجهاز استخباراته (الموساد)، والاتحاد العام لنقابات العمل داخل الكيان المغتصب (الهستدروت).

ثالثاً: أهداف المنظمات الصهيونية ودورها في دعم الكيان الغاصب:

منذ تأسيس المنظمة الصهيونية الأولى وما تفرع منها من تنظيمات فيما بعد، كان الهدف المعلن هو إنشاء وطن لليهود، ثم حمايته وتوفير مختلف أشكال الدعم له بعد قيامه وهو ما حدث ويحدث فعلاً، ثم أخذوا على عاتقهم رعاية جميع اليهود في أرجاء البسيطة.

هذه أهدافهم المعلنة، وهكذا قدّموا أنفسهم للعالم من خلال أدبياتهم(1)، وهو ما تردده أدبيات الغرب أيضاً(2)، ومع بشاعة هذا الهدف المعلن القائم على اغتصاب الدولة الفلسطينية بالقوة وتشريد أهلها وارتكاب أكثر الموبقات الإنسانية إجراماً في حقهم، فإن ما تسرّب عنهم، بالإضافة إلى تحركاتهم وبشاعاتهم على أرض الواقع عالمياً وفي الساحة العربية والإسلامية خصوصاً، كل هذا كشف وبشكل مؤكد عن أهداف أخرى خفية، والأهم أنه يكشف أيضاً ارتباط أهدافهم الخفية الشيطانية بدوائر أخرى أكثر اتساعاً، في مقدمتها الماسونية العالمية. 

وفي هذا السياق، يجب ألا يغيب عن أذهاننا التحالف غير المقدس بين الصهاينة وكيانهم، وقوى الغرب الكبرى، القائم على التكاتف المتكالب على أمتنا، وهو حقيقة دامغة فطِن لها الكثيرون، من بينهم د. عبدالوهاب المسيري الذي يقول في هذا السياق ما نصّه: «.. ما تبقّى من الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة هو دولة وظيفية يدعمها الغرب ويضمن بقاءها وتقوم هي على خدمته وعلى تجنيد يهود العالم وراءه..»، ثم يقول في موضع آخر: «كانت الصهيونية ولا تزال جزءاً من التاريخ الاقتصادي والسياسي والحضاري، والإمبريالية الغربية هي الآلية الأساسية لتحويل الصهيونية من مجرد فكرة إلى دولة استيطانية»(3).

تجدر الإشارة إلى أنه بالإضافة إلى التنظيمات الصهيونية الرئيسة التي تقدم ذكرها في هذا المقال بجزأيه، ثمة عدد غير قليل من المنظمات الصهيونية الأخرى، من أهمها على سبيل المثال، لا الحصر: «المنظمة الصهيونية الأمريكية» (Zionist Organization of America – ZOA)، ومنظمة «بنِاي بريث» (أبناء العهد)، و«محافل الروتاري» و«الليونز»، و«الصندوق القومي اليهودي».. وغيرها، أخذاً في الاعتبار أن غالبية هذه المنظمات منتشرة في مختلف أنحاء العالم. 

أخيراً، ليس اليهود هم المكوِّن الوحيد للتنظيمات الصهيونية، فهناك صهاينة من مختلف الديانات والأيديولوجيات في شتى أرجاء العالم، ابتداء بقطاع عريض من الملحدين، ومروراً بـ«الصهيونية المسيحية»، وانتهاءً، وبكل أسى وأسف، بصهاينة عرب ومسلمين، وهذا أمر يتأبّى على المعالجة العجولة المبتسرة وربما أفردنا له حديثاً مستقلاً في قابل الأيام بحول الله وقوته.

 

 

 

 

 

________________________

(1) انظر مثلاً: האנציקלופדיה העברית, הוצאת חברה להוצאת אנציקלופדיות, כרך 28, ערך "ציונות".

(2) على سبيل المثال، انظر: Stearns, Peter N.: The Oxford Encyclopedia of the Modern World, Oxford University Press 2008, “Zionism”.

وانظر أيضاً: Mattar, Philip: Encyclopedia of the Modern Middle East and North Africa, Macmillan Reference USA, 2nd edition  2004, “Zionism”.

(3) المسيري، عبدالوهاب: موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، دار الشروق- مصر، الطبعة الأولى عام 1999م، المجلد السادس، ص 17، 25.

الرابط المختصر :

كلمات دلالية

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة