محطات إيمانية في طريق التربية..
عائلات في خطر!
إنها العائلة
التي تتكون منها أي أسرة؛ أبطالها الأب والأم، فالوالدان يعلوان في سمائها كالشمس
والقمر، حيث مشاعر الدفء والضياء والنور والجمال التي تنبعث من قلبيهما وتنساب في
رحمة وحب وحنان، وهما على رأس العائلة كالملِك المتوَّج على رعيته، يذود عنها بما
يستطيع، ويرعاها ويسهر على راحتها، لا يبخل عليها بما يصلحها من نفقة ومال، ولا
يألوها نصحاً ينفعها وإرشاداً يرفعها في دينها ودنياها، فكلما كانت العائلة صالحة
كان المجتمع صالحاً، فهي اللبنة الأساسية في بناء أفراد أي مجتمع.
وللعائلة نجوم
زواهر، هم الأولاد من البنين والبنات، يزينون سماءها ويكثرون عددها، وهم لها زيادة
ونماء، وبهم تحيا العائلة وتزدان، أما الأجداد والجدات فإنهم أركان متينة
للعائلات، وأصول قوية تثبتها وتقويها حفظاً لها من الانهيار أو السقوط في لحظات
الضعف التي تمر أحياناً بها، وهم مع تقدم العمر بهم أساتذة في مدرسة الحياة يبذلون
علمهم وتجاربهم فيها دون مقابل، وبلا أدنى مَنٍّ أو أذى، وتكبر العائلة بالأرحام
وتتسع بالأقارب، وكلٌّ يشد من عضدها ويقوّي شوكتها، ويشكّل معها مجتمعاً صغيراً
داخل المجتمع الكبير الذي يضم الجميع.
اهتمام
الإسلام بالعائلة
اهتم الإسلام
بالعائلة وجعل لها مكانة كبيرة ومنزلة عالية، وحرص على تكوينها على أساس سليم،
فشرع الزواج، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ
فَلْيَتَزَوَّجْ» (رواه البخاري)، وأكد على صلاحها منذ اللحظة الأولى لإنشائها،
فقال صلى الله عليه وسلم: «إذا جاءَكم مَن ترضَونَ دينَه وخُلقَه فأنكِحوهُ» (رواه
الترمذي)، وقال: «تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأرْبَعٍ: لِمالِها، ولِحَسَبِها،
وجَمالِها، ولِدِينِها، فاظْفَرْ بذاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَداكَ» (رواه البخاري)،
فإذا ما تم إنشاؤها بالزواج حَبب إليها الأولاد، وحثها على الإنجاب، فقال صلى الله
عليه وسلم: «تزوجوا فإِنَّي مُكاثِرٌ بكم الأُمَمَ» (صحيح الجامع).
كما حرص الإسلام
على تماسك العائلات وصلاح أفرادها فدعا الآباء إلى حسن تربية أولادهم، قال تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)
(التحريم: 6)، وأمرهم بالعدل بينهم، فقال صلى الله عليه وسلم: «اتَّقوا
اللهَ، واعدِلوا بين أولادِكم؛ كما تحبُّون أن يبرُّوكم» (رواه الطبراني)، ثم أمر
الأولاد ببر والديهم، فقال تعالى: (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) (الإسراء: 23).
كما أمر بصلة
الأرحام، وجعل الإحسان إليهم عبادة، والنفقة على المحتاج منهم أعظم أجراً، فقال
صلى الله عليه وسلم: «ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيَصِلْ
رَحِمَهُ» (رواه البخاري)، وقال: «الصَّدقةُ على المسكينِ صدقةٌ وعلى ذي الرَّحِمِ
اثنتان: صدقةٌ وصِلةٌ» (رواه الترمذي).
والعائلة نعمة
عظيمة امتن الله على عباده بها فقال تعالى: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا
وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ
الطَّيِّبَاتِ) (النحل: 72)، بل بشر الله تعالى المؤمنين بلم شملهم مع
عائلاتهم في الجنة ليتم نعيمهم، قال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم
بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم
مِّن شَيْءٍ ۚ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) (الطور: 21).
الجو
العائلي
إن جو العائلة
له مذاق خاص يتذوقه محبوها، وفيها اطمئنان عجيب يشعر به أهلها، وإن عَلتها بعض
الغيوم التي تكدر جَوَّها أحياناً وتحجب بعض النور عنها، إلا أنها سرعان ما تنزاح
عن سمائها ليظهر النور من جديد أو تنزل عليها بالغيث المفيد، وإن الجو الأسري
اللطيف الذي يحيط بالعائلة يرطب من حرارة الحياة ويخفف من متاعبها ويقف في وجه
العواصف التي تتعرض لها، وذلك حين يسودها الحب والرحمة والتواضع والإيثار والتعاون
على كل خير وبر، فترى أفرادها يعيشون معا كالجسد الواحد، فرحهم مشترك لا ينفرد به
أحد دون الآخر، وحزنهم قسمة بينهم فيتداعَى بعضهم لبعض مخففا عنه.
العائلة
اليوم في خطر
إن العائلة تمر
هذه الأيام بما يهدد أمنها ووجودها ويجعلها في خطر، وقد يأتي الخطر من داخلها وذلك
حين يسعى الشيطان ويعمل جاهداً على تفكيك عُرَى العائلات بالخلافات الزوجية
الطاحنة بين الزوجين فيتحول بناؤها إلى ركام من البغضاء والكراهية والمشاحنات، كما
أنه قد يعِين أناساً على قطع أرحامهم ليهجر الأخ أخاه، وتخاصم البنت أختها، وأمها،
وأباها! ويواصل الشيطان مهمته القبيحة فيعمل على زرع بذور الفتنة بين الأرحام
فيتشاجر الإخوة معاً ويتنازع بنو العمومة فيما بينهم على متاع زائل ولأسباب واهية،
وكل ذلك من الأمراض الخطيرة التي تصيب العائلة في مقتل!
وقد تكون
العائلة في خطر حين لا تؤسَس على أسس صحيحة منذ نشأتها فيكون هَمّ الرجل عند
اختيار زوجته منحصراً في المال والجمال، أما الفتاة فتنخدع بالحب الزائف والوظيفة
الكبيرة، دون النظر منهما إلى دين الآخر وأمانته وحسن خلقه.
ومن الأخطار
المحيطة بالعائلة اليوم:
- إعراض البعض
عن الزواج وتأخر سن الزواج.
- تأخير الزوجين
الإنجاب طويلاً أو عدم الرغبة فيه.
- اكتفاء
الزوجين بطفل واحد مما يجعله وحيداً في صحراء الحياة بلا أخ يسانده أو أخت تؤانسه.
- سفر الزوج
لغير حاجة وترك الزوجة والأولاد دون عائلهم.
- سفر الأولاد
لغير ضرورة وترك الوالدين أحدهما أو كلاهما يعاني الوحدة والعيش بلا عائلة.
- العقوق من بعض
الأولاد للوالدين مما يؤدي لهجرهم وعدم الاهتمام بهم.
- قسوة الوالدين
على أولادهما مما يجعل الأولاد يهربون وينفرون من البقاء في محيط العائلة.
- جهل الزوجين
بالحقوق والواجبات المترتبة على الزواج والتقصير فيها وإهمالها.
- كثرة حالات
الطلاق التي تؤدي لتفكك الأسرة والضغينة بين أفراد العائلة.
- الشبكة
العنكبوتية ووسائل التواصل التي سلبت الأوقات والعلاقات والمشاعر من الكثيرين.
- الحروب ضد
الشعوب المستضعفة التي تؤدي إلى فقدان عائلات بأكملها، والنزوح المترتب عليها طلباً
للأمان.
عودة
إلى العائلة
بَيْدَ أن
العائلة هذه الأيام تحتاج إلى إحياءٍ جديد وعودة سريعة وإفاقة عاجلة حتى ترجع
كسالف عهدها قوية متينة، ففي ظل متغيرات العالم الحديث طال التغيير بعض العائلات
اليوم مما أدى إلى افتقاد أهلها الجو العائلي المهم لحياتهم، فقد انشغل الآباء
بتحصيل لقمة العيش ليل نهار فأشغلتهم عن مهامهم العائلية الأخرى، وانشغلت الأم
أيضاً وقد صارت امرأة عاملة يصيبها من التعب والإنهاك ما يؤخرها عن دورها الأساس
في العائلة، كما هاجر الكثير من الأبناء من عائلاتهم إلى بلاد بعيدة إما للعمل أو
الدراسة أو الرغبة في الاستقلال والعيش وحدهم.
أما وسائل
التواصل الاجتماعي فقد انتزعت الناس انتزاعاً من عائلاتهم، حين انشغل الناس بها
وافتتنوا، فَحَلَّ محل أفراد العائلة أفراد متوهَّمون عبر هذه الوسائل، قد يقضي
المرء معهم وقتاً طويلاً لا يقضيه مع عائلته، يبثهم أشواقه وأحلامه واهتمامه،
ويشاركهم سِره ونجواه، يحاورهم ويناقشهم وينصحهم بل ويقضي معهم أوقاتاً ترفيهية
لنفسه باللعب معهم حتى صار ذلك بديلاً له يغنيه عن عائلته كما يظن! وبينما تسمَّى
بوسائل التواصل صارت بالنسبة للعائلة وسائل تباعُد وفُرقة فيما بينهم لا تواصل
واجتماع! حين يعيشون معاً في بيت واحد وتحت سقف واحد وكأنهم غرباء، وهذا أمر مشاهد
لا يُنكَر.
ومع ذلك فثمة
فريق رائع من الناس ما زال يرتدي رداء العائلة السابغ الساتر الجميل، حيث يعطي
عائلته اهتمامه الكبير، ويؤتِي كل ذي حق فيها حقه، فيعاشر زوجته بالمعروف، ويحسن
إلى ولده، ويبر والديه، ويصل رحمه، ويعمل جاهدا على الرقي بمستوى عائلته الديني
والدنيوي متقربا إلى الله بذلك، رافعاً يديه شاكراً يدعوه: «رَبَّنَا هَبْ لَنَا
مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ
إِمَامًا»، ومَن كان هذه حاله فحري أن يستجيب الله له.