ذكرى معركة «الزَّلَّاقَة» الخالدة

كاتب المدونة: الطيب أديب

 

تمكن البطل يوسف بن تاشفين من توحيد بلاد المغرب العربي وصار قائدًا وأميرًا للمرابطين في المغرب الأقصى، وأصبحت الدولة المرابطية قُوَّة لا يُستهان بها تُشكل خطرًا على الفرنجة في الأندلس، وملجأ وحصنًا للمسلمين في الأندلس.

مراكش وجامعها

وأما مدينة مراكش ذات الأصل الأمازيغي (أمور- أكوش) فهو مركب من كلمتين «أمور» و«أكوش» (أرض الله)، وهي ثالث أكبر مدينة مغربية تقع في جنوب وسط المغرب، بناها السلطان المسلم يوسف بن تاشفين عام 462هـ/ 1070م، وشيد ابن تاشفين جامعاً كبيراً في المدينة عام 514هـ، وكانت جنبات جامع ابن يوسف تعج بجهابذة العلم أمثال ابن رشد، ومالك بن وهيب، وابن زهر، وابن عطية، وابن القصيرة.. وغيرهم.

ومن الجامع/الجامعة تخرج عدد من كبار العلماء أمثال: عبدالواحد المراكشي، وابن البناء العددي، والمنصور السعدي، والنبيل زيدان، وابن القاضي.. وغيرهم، وأصبحت مدينة مراكش قبلة يقصدها طلاب العلم والعلماء.


ملوك الطوائف

بعد سقوط الدولة العامرية في الأندلس عام (399هـ/ 1009م)، سقطت الخلافة الأموية، وتفككت الدولة الأندلسية الكبرى إلى 20 دويلة صغيرة، يحكمها ملوك طوائف، ومن أشهرهم: بنو عباد في أشبيلية، وبنو ذي النون في طليطلة، وبنو هود في سرقسطة، ونشأت بين هذه الدويلات منازعات وحروب، بل واستقوى بعضها على بعض بألفونسو السادس ملك الفرنجة نفسه، وتلقب ملوك الطوائف بألقاب كالمأمون والمعتمد والمعتصم والمتوكل إلى غير ذلك من الألقاب، ووصف هذه الحالة المأساوية الشاعر أبو علي الحسن بن رشيق فقال ساخراً:

مما يزهدني في أرض أندلــس      سماع مــقتدر فيـها ومعتضد

ألقاب مملكة في غيـر موضعها    كالهرِّ يحكي انتفاضًا صولة الأسد

ولما كان الوضع في الأندلس على هذا السوء، من التفرق والتشرذم، أعمل ملك الصليبين فيها ألفونسو السادس سيفه وسنانه، حتى أصبح ملوك الطوائف يبعثون إليه بالجزية كل عام، فضج بعضهم من تجبره وغطرسته، وقتل المعتمد رسل ألفونسو السادس عندما جاءت لتحصيل الجزية وتهديده، فغضب ألفونسو السادس وأعد العدة لإفناء المعتمد وباقي ملوك الطوائف.

وفي هذه الحالة المتردية من الضعف والهوان في الأندلس، كانت قوة أمير المرابطين في المغرب تتصاعد مهددة جيوش ألفونسو السادس ملك قشتالة، فأرسل إلى ابن تاشفين رسالة استفزازية يهزأ منه قائلاً: «فإن كنت لا تستطيع الجواز فابعث إليَّ ما عندك من المراكب نجوز إليك، أناظرك في أحب البقاع إليك؛ فإن غلبتني فتلك نعمة جُلِبت إليك، ونعمة شملت بين يديك، وإن غلبتك كانت لي اليد العليا عليك، واستكملت الإمارة، والله يتم الإرادة».

فكان رد الأسد المرابط يوسف بن تاشفين مدويًّا، يقطر عزة وإباءً مع قلة حروفه، فكتب على ظهر الرسالة: «الجواب ما ترى لا ما تسمع».

معركة «الزَّلَّاقَة»

لم يجد المعتمد بن عباد حرجاً في الاستقواء بأمير المرابطين في المغرب يوسف بن تاشفين ليخلص البلاد من خطر ألفونسو السادس، وبعد استشارته لملوك الطوائف، كاتبه المعتمد بن عباد مستنجداً لقدومه بجيشه، وهنا نصحه بعض مستشاريه بألاّ يستدعي ابن تاشفين ورجاله (المرابطين) خوفاً من استيلائهم على الأندلس قائلين له: «الملك عقيم، والسيفان لا يجتمعان في غمد واحد».

إلا أن المعتمد لم ينصت إليهم، وأجابهم بعبارته الشهيرة التي صارت مثلاً بعده: «رعي الجمال عند ابن تاشفين خير من رعي خنازير قشتالة».

ووصل جيش ابن تاشفين وعسكر بالجزيرة الخضراء، والتقي الجيشان عند سهل الزَّلَّاقَة يوم الجمعة الموافق 12 رجب 479هـ/ 23 أكتوبر 1086م، وأعد بن تاشفين، وابن عباد، خطة المعركة الفاصلة التي انتهت بمقتلة عظيمة للجيش الصليبي، وطعن ألفونسو في إحدى ركبتيه طعنة أفقدته إحدى ساقيه، وولى هارباً في 500 فارس من 80 ألف فارس ومائتي ألف راجل.

وذكر مؤرخون إسبان أن تقديرات القتلى في صفوف قوات ألفونسو السادس قد بلغت بنهاية المعركة 60 ألفاً، وأن 100 فارس فقط تمكنوا من الوصول إلى بر الأمان والفرار من ساحة المعركة.

وأمد الانتصار الحاسم عمر الدولة الأندلسية إلى ما يزيد على 3 قرون، وأصبح يوم «الزَّلاَّقَة» عند المغاربة والأندلسيين مثل يوم «القادسية» و«اليرموك».

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة