ما لم يُحسب في المعادلة.. المرأة العربية والاقتصاد الذي لا يُرى

في ظل التحولات الاقتصادية والاجتماعية
التي يشهدها العالم العربي، برزت المرأة العربية بوصفها فاعلًا مركزيًا في عمليات
الإصلاح الاقتصادي، ليس فقط من خلال المشاركة في سوق العمل، بل عبر إعادة تعريف
الفاعلية الاقتصادية نفسها.
ومع تصاعد الأزمات العالمية، أصبح تمكين
المرأة ضرورة إستراتيجية، لا مجرد مطلب حقوقي، خاصة في ظل تزايد مساهمتها في ريادة
الأعمال، والابتكار الاجتماعي، والحوكمة المؤسسية.
أولًا: التحول من المشاركة إلى الفاعلية:
تشير تقارير البنك الدولي (2024) إلى أن
نسبة مشاركة المرأة العربية في القوى العاملة ارتفعت إلى 23.5%، مع تفاوت بين
الدول الخليجية، والمغاربية، والمشرقية، لكن الأهم من ذلك هو نوعية المشاركة:
- ارتفاع نسبة النساء في المناصب
القيادية والمؤسسية.
- تزايد عدد رائدات الأعمال في القطاعات
الرقمية والزراعية.
- مساهمة المرأة في الاقتصاد غير الرسمي،
خاصة في الريف والمناطق الهامشية
هذا التحول يُعيد تعريف الفاعلية
الاقتصادية، ويُبرز التزكية كمكون رمزي في أداء المرأة، حيث ترتبط الإنتاجية
بالنية، المقصد، والمسؤولية الاجتماعية.
ثانيًا: المرأة كفاعل إصلاحي في الاقتصاد العربي:
تمارس المرأة دورًا محوريًا في إصلاح الاقتصاد العربي عبر عدة محاور:
المجال |
مساهمة المرأة |
ريادة الأعمال |
تأسيس مشاريع صغيرة ومتوسطة تُسهم في التنمية
المحلية |
الاقتصاد الاجتماعي |
قيادة مبادرات تعاونية، بيئية، وتعليمية |
التحول الرقمي |
المشاركة في تطوير تطبيقات ذكية وخدمات إلكترونية |
التمويل المستدام |
إدارة صناديق تمويلية موجهة للفئات الهشة |
تعزيز الشفافية والمساءلة في المؤسسات العامة
والخاصة |
الحوكمة |
وقد أظهرت دراسة صادرة عن المنتدى
الاقتصادي العالمي (2025م) أن المؤسسات التي تُدار جزئيًا أو كليًا من قبل نساء في
العالم العربي تُسجّل أداءً أعلى في مؤشرات الاستدامة والابتكار بنسبة 18% مقارنة
بالمعدل العام.
ثالثًا: التحديات البنيوية أمام المرأة العربية:
في العقود الأخيرة، شهدت المجتمعات
العربية تحولات ملحوظة في حضور المرأة في ميادين التعليم والعمل والمشاركة العامة،
غير أن هذا التقدم لا يخفي التحديات البنيوية العميقة التي ما زالت تعيق دورها
الإصلاحي وتحدّ من قدرتها على التأثير في مسارات التنمية والتحول المؤسسي، فالمشهد
العام يكشف عن فجوات متجذرة في البنية القانونية، الاقتصادية، والرمزية، تجعل من
مشاركة المرأة في الإصلاح مسألة شاقة تتطلب جهداً مضاعفاً.
أولى هذه التحديات تتمثل في الفجوة
التشريعية التي ما زالت قائمة في قوانين العمل والملكية، فرغم وجود بعض النصوص
التي تضمن المساواة، إلا أن التطبيق العملي كثيراً ما يخضع لتفسيرات تقليدية أو
يفتقر إلى آليات تنفيذ فعالة، المرأة في كثير من السياقات لا تزال تواجه عراقيل في
الحصول على حقوقها الوظيفية، أو في امتلاك الأرض والمشاريع، مما يضعف استقلاليتها
الاقتصادية ويقيد قدرتها على المبادرة.
أما التحدي الثاني، فهو ضعف الوصول إلى
التمويل والموارد التقنية، فريادة الأعمال النسائية، رغم نموها، لا تزال تعاني من
نقص في الدعم المالي والتقني، سواء من المؤسسات الحكومية أو من القطاع الخاص، كثير
من النساء يفتقرن إلى شبكات الدعم أو التدريب اللازم لتطوير مشاريعهن، مما يجعل
طموحاتهن عرضة للتعثر أو التهميش.
ويُضاف إلى ذلك التمثيل المحدود للمرأة
في مراكز صنع القرار الاقتصادي، فالمجالس الإدارية، والهيئات الاستشارية،
والمؤسسات المالية الكبرى، لا تزال تهيمن عليها النخب الذكورية، مما يضعف من حضور
الرؤية النسائية في صياغة السياسات الاقتصادية، هذا الغياب لا يعكس فقط خللاً في
التوازن التمثيلي، بل يحرم المجتمعات من طاقات إصلاحية وتجديدية كان يمكن أن تسهم
في بناء نماذج أكثر شمولاً وعدالة.
وأخيراً، يبرز الخطاب الثقافي التقليدي
كعائق رمزي يُقيّد الفاعلية الرمزية للمرأة، فالتصورات السائدة حول الأدوار
"الطبيعية" للمرأة، والتمثيلات الإعلامية النمطية، تكرّس صورة محدودة
للمرأة ككائن تابع أو هامشي، مما يؤثر على ثقتها بنفسها وعلى نظرة المجتمع لدورها،
هذا الخطاب لا يكتفي بتهميش المرأة في الواقع، بل يعيد إنتاج هذا التهميش في الوعي
الجمعي، مما يجعل تغييره ضرورة إصلاحية بحد ذاته.
إن تجاوز هذه التحديات لا يتطلب فقط
إصلاحات قانونية أو برامج دعم اقتصادي، بل يستدعي أيضاً ثورة رمزية وثقافية تعيد
تعريف موقع المرأة في المشروع الحضاري العربي، فالمرأة ليست مجرد فاعل اجتماعي، بل
هي شريكة في بناء المعنى، وفي صياغة المستقبل.
رابعًا: المرأة والتزكية الاقتصادية:
المرأة العربية، في سياق التزكية
الاقتصادية، تُجسّد نموذجًا فريدًا للفاعلية التي تربط المال بالمعنى، والربح
بالرحمة، والإنتاج بالنية، فهي لا تكتفي بالمشاركة في الاقتصاد، بل تُعيد تشكيله
وفق منظومة أخلاقية وروحية، تجعل من كل فعل اقتصادي سعيًا نحو الإصلاح والتكامل
الاجتماعي.
من خلال إدارتها للموارد، ومشاركتها في
الإنتاج، تُمارس المرأة اقتصادًا رمزيًا، حيث تُصبح النية الصالحة والرحمة
والعدالة هي المحركات الأساسية، مشاريعها غالبًا ما تهدف إلى التمكين، الرعاية،
وإعادة بناء النسيج المجتمعي، لا مجرد التراكم أو الربح.
هذا النموذج النسائي، إذا أُتيح له
المجال، يُمكن أن يُسهم في بناء اقتصاد تزكوي عالمي، يُحرّر الإنسان من عبودية
السوق، ويُعيد تعريف النجاح كتحقيق للمقصد، لا كمراكمة للمال.
مما سبق، يتضح أن المرأة العربية ليست
مجرد شريك في الاقتصاد، بل فاعل إصلاحي يُعيد بناء النموذج من الداخل، عبر منظومة
نية، مقصد، وتزكية، ومع استمرار التمكين المؤسسي، وتوسيع نطاق المشاركة الرمزية،
يُمكن للمرأة أن تُسهم في بناء اقتصاد عربي أكثر عدالة، استدامة، وإنسانية.
_______________
1- البنك الدولي، مؤشرات النوع الاجتماعي
في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تقرير عام 2024م.
2- المنتدى الاقتصادي العالمي، المرأة
والقيادة الاقتصادية في العالم العربي، تقرير عام 2025م.
3- منظمة العمل الدولية، المرأة والعمل
غير الرسمي في المنطقة العربية، عام 2023م.
4- صندوق النقد العربي، دور المرأة في التنمية الاقتصادية العربية، عام 2022م.