الانقسام المجتمعي داخل الكيان الصهيوني

نلاحظ في الآونة الأخيرة منذ أحداث «طوفان الأقصى»، في 7 أكتوبر 2023م، وما تبعها من تطورات، بروز مشاهد من الانقسامات داخل المجتمع الصهيوني، سواء منها السياسي بين الأحزاب، أو الديني بين السلطة العلمانية واليهود الحريديم على خلفيات عزم الحكومة على تجنيدهم في الجيش، أو على خلفيات العدوان المتكرر على الشعب الفلسطيني؛ ما يحدو بنا لبحث طبيعة العلاقات الداخلية في الكيان وما قد يترتب عليه من نتائج تصب إن شاء الله في صالح القضية الفلسطينية والأمة جمعاء،

الصراع الطبقي بين الأصول والأجناس العرقية الصهيونية

ينقسم اليهود داخل الكيان الصهيوني القائم حاليًا على أرض فلسطين إلى أجناس وأصول متعددة، فمنهم:

1- الأشكناز: وتعني اليهودي الذي ينحدر من أصل ألماني، فهي كلمة عبرية ألمانية، ولكن فيما بعد أصبحت تطلق على كل يهود أوروبا وشرق أوروبا، والأستراليين القادمين من أوروبا الغربية وشمال أمريكا، والقادمين من جنوب أفريقيا، والأرجنتين، والبرازيل، وهؤلاء يشكلون الطبقة أو الفئة التي تتولى أغلب السلطات والمواقع القيادية.

2- يهود السفارديم: وتعني بالعبرية إسبانيا، وهم اليهود الذين طردوا من إسبانيا والبرتغال عام 1492م، بالإضافة لليهود القادمين من الدول العربية وشمال أفريقيا، ويشكلون غالبية في فلسطين المحتلة بعد قيام دولة الصهاينة، لكن نفوذهم أقل من نفوذ الأشكناز.

3- يهود الفلاشا: وهو اسم يطلق على اليهود من أصل إثيوبي، ومعناه المنفيون أو الغرباء، وقد رُحل عشرات الآلاف منهم إلى «إسرائيل»، لتعزيز دولة الاحتلال، وتكريس الطابع اليهودي لـ«إسرائيل»، لكنها واجهت أوضاعًا عنصرية وتم استغلالهم في الأعمال البسيطة مما دفعها للاحتجاج على الحكومة في أوقات كثيرة(1).

4- ومنهم يهود سود البشرة من الهند، كما أن منهم اليهود الخزر الذين يفترض أنهم من الجنس التركي(2).

توافد هؤلاء المهاجرون اليهود إلى «إسرائيل» من مناطق مختلفة من العالم، ومن أمم عديدة وبلغات وانتماءات قومية متنوعة، في فترات متفرقة، حتى أصبح المجتمع اليهودي يتكون من هذه المجموعات الطبقية غير المتجانسة.

ومنذ إعلان دولة «إسرائيل» عام 1948م، سيطر اليهود القادمون من أوروبا الشرقية «الأشكناز» على مقاليدها، ومارسوا العنصرية ضد باقي الجماعات اليهودية الأخرى(3).

وأصبحت الطائفة الأشكنازية تشكل الطبقة الفوقية في المجتمع «الإسرائيلي»، ويحتل أبناؤها المراكز العليا في الدولة، بينما هناك من يعامَلون كالعبيد ويقيمون في مخيمات رديئة الخدمات كالفلاشا، أو يعيشون في معاناة من العنصرية التي تمارس ضده كالسفارديم، وهذا أمر مؤثر ولا بد على استقرار هذا الكيان وبقائه.

مظاهر التفرقة العنصرية داخل المجتمع «الإسرائيلي»

تجلت تلك العنصرية داخل الكيان الصهيوني في عدة مظاهر، أبرزها ما يلي:

أولاً: التفرقة في الحياة الاجتماعية:

يشمل التمييز ضد اليهود الشرقيين من قبل الأشكناز طيفًا واسعًا من المجالات، فقد أحجم الأشكناز عن الزواج المتبادل، واعتبروا زواج أحد أبنائهم أو بناتهم من السفارديم عملًا ينم عن تمرد خطير، وهذا ينم بشكل واضح عن عنصرية الطائفة الفوقية بنفس المقدار الذي تدل فيه على احتقارها لأبناء الطوائف الشرقية.

وسكن اليهود الأشكناز المناطق المطلة على الشريط الساحلي لبعدها عن الحدود العربية، وسكنوا أيضًا وسط البلاد في المناطق ذات الأراضي الخصبة، وقدمت لهم الحكومات الدعم المالي لتحسين أحوالهم الاقتصادية والتجارية.

أما السفارديم، فقد أبعدوا عن هذه المناطق التي تركز بها الأشكناز، فكانت النتيجة نشوء مجتمعين «إسرائيليين»؛ الأول مزدهر، والآخر فقير(4).

كما أرسلت الدولة بالسفارديم إلى مستوطنات زراعية في تربة قاسية، ومناطق أقل خصوبة من البلاد، وإلى المناطق الجبلية قرب القدس وصحراء النقب الجرداء، بينما حجزت المناطق الخصبة الواقعة على الشريط الساحلي للأشكناز(5).

ثانيًا: التفرقة في التعليم:

نشرت إحصائية رسمية في «إسرائيل»: أن الجهاز التعليمي «الإسرائيلي» ليس منصفًا، ويقيم فصلًا طبقيًا طائفيًا، وطبقيًا قوميًا بين طلابه، فأبناء الطبقتين الوسطى والعليا -الأشكنازيين الغربيين- ينتسبون للمدارس الرفيعة، أو الأفضل في كل تيارات التعليم؛ الحكومية العامة أو الحكومية الدينية، وأبناء الطبقتين المتوسطة الدنيا والشرقية الدنيا يتعلمون في مدارس خاصة بالمحتاجين إلى رعاية، حيث يتلقون عناية تطويرية، أما أبناء الوسط العربي فإنهم يبعثون إلى مدارس منفصلة(6).

ويحاول الأشكناز طمس هوية وثقافة السفارديم من خلال المناهج التعليمية، وقد ذكر أحد كتَّاب اليهود الشرقيين: كان مؤلمًا ومهينًا أن تخلو الكتب المدرسية من تاريخنا، ومن ثقافتنا، ومن أسماء كتابنا وحاخاماتنا وشعرائنا، وقصائدنا ووجهائنا، شعرنا أحيانًا أننا كالأيتام(7).

وكذلك في الوظائف العامة: يحتل اليهود الأشكناز معظم الوظائف وخصوصًا الوظائف العليا، مع أن هذا لا يتناسب وعدد سكان السفارد وهم الأكثر عددًا؛ إذ يبلغ عددهم ما بين 60 - 70%، وهذا إجحاف بحقوق اليهود السفارد(8).

ويترتب على ذلك التفرقة في الدخل أيضًا: فلما كان اليهودي الأشكنازي يحصل على الوظائف العليا؛ لذا فإنه يحصل على دخل أعلى مما يحصل عليه اليهودي السفردي؛ لذا تجد اليهودي السفردي يمتهن أحط الأعمال(9).

ثالثًا: التفرقة في السياسة:

قليل من اليهود السفارديم من يتواجد في مناصب قيادية، فبالرغم من أن اليهود الشرقيين يشكلون أكثر من نصف السكان اليهود في «إسرائيل»، نجد أن كافة زعماء الأحزاب «الإسرائيلية» هم من أبناء الطبقة الأشكنازية(10)، كما أن انتخابات البرلمان اليهودي ورئاسة الوزراء والمناصب العليا في الدولة كالجيش والمخابرات والمؤسسات غالباً وأكثريتها بالمطلق بيد اليهود الغربيين(11).

رابعًا: التفرقة في الجيش:

إن المتابع للمناصب العليا في الجيش «الإسرائيلي» في بداية نشأته، يجد أن اليهود الشرقيين يحرمون من المناصب العليا في الجيش(12).

ويتوزع اليهود الشرقيون في داخل المؤسسة العسكرية في جميع الأعمال الدنيا، مثل أعمال المطبخ، وقيادة السيارات، وأعمال الصيانة العسكرية، وأشغال التنظيف والحفر والمخازن العسكرية، أما في الوحدات العسكرية، فقد فرضت عليهم مهام المشاة والعربات نصف المجنزرة، أما الأشكناز فكان منهم الجنرالات والضباط والطيارون، ورجال الأسطول البحري، والصواريخ والمخابرات العسكرية(13).

من هنا يمكننا القول: إن المجتمع «الإسرائيلي» مجتمع عنصري بامتياز، حيث يشعر اليهود الغربيون أنهم أرقى من اليهود الشرقيين، وتحول الأمر لصراع طبقي بين الطائفتين.






____________________

(1) انظر: الأحزاب السياسية في إسرائيل ودور حزب العمل، ماجستير جامعة اليرموك، 1993م، نرمين يوسف غوانمة، ص 56، والمشروع الصهيوني الجديد، د. أسعد السحمراوي، ص 28، دار النفائس، بيورت لبنان، 1996م.

(2) أبحاث في الفكر اليهودي، د، حسن ظاظا، ص 104، ط1، دار العلم دمشق، 1407ه

(3) انظر: المشروع الصهيوني الجديد، د. أسعد السحمراوي، ص 28.

(4) الأحزاب السياسية في إسرائيل، نرمين الغوانمة، ص 27.

(5) الإسرائيليون الجدد يوسي ميلمان، ترجمة مالك البديري، الأهلية للنشر والتوزيع، 128)

(6) مظاهر العقلية العنصرية في إسرائيل، عطا القيمري، مجلة الدراسات الإسرائيلية، خريف 1991م، العدد 8، ص314.

(7) الأحزاب السياسية في إسرائيل، نرمين غوانمة، ص 44.

(8) أبحاث في اليهودية، د، حسن ظاظا، ص 193.

(9) التفرقة العنصرية، السيد محمد عاشور 47.

(10) ظاهرة الفهود السود في إسرائيل، عبد الحفيظ محارب، ص 142، بتصرف يسير.

(11) أبحاث في اليهودية والنصرانية، د. حسن ظاظا، ص193.

(12) شريعة الحرب عند اليهود، حسن ظاظا، محمد عاشور، ص97.

(13) الأحزاب السياسية في إسرائيل ودور حزب العمل، ماجستير جامعة اليرموك، 1993م، نرمين يوسف غوانمة، ص 56.


كلمات دلالية

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة