انتفاضة لحماية الأطفال من عالم «روبلوكس»

ذات مساء هادئ،
بينما كانت الأم تهمّ بإعداد العشاء، جاءها صوت ابنها من غرفة الجلوس: ماما، لماذا
يسألني صديقي عن مدرستي؟!
تجمدت ملامح
الأم وركضت إليه لتنظر في شاشة الجهاز وترى نافذة المحادثة المفتوحة مع شخص غريب
لا يعلمون عنه شيئًا، ويبدو كشخصية كارتونية من عالم لعبة «روبلوكس»، يشارك نجلها
في المزرعة وفي الغابة وألعاب التسلّق ومغامرات داخل البيوت الافتراضية،
جلست الأم تختلس
النظر لتلك اللعبة الجديدة التي أصبح ابنها شاردًا بعد أن أدمنها ليل نهار، وصارت
حالته المزاجية متقلبة بشدة، ونوبات غضبه لا تُحتمل إن تدخلت لمنعه.
لم تكن «روبلوكس»
مجرد لُعبة، بل بابًا مفتوحًا دون حراسة لعالم الحياة الغربية المتحررة من كل
قيمة، عالم الجريمة والإباحية المائعة داخل غرف سرية وداخل خرائط مثيرة تشاركية.
تدابير حماية
وبعد تحذيرات من
خبراء نفسيين وتربويين تحدثوا عن المحتوى غير المناسب في اللعبة، والتنمر والتحرش
الإلكتروني، والإنفاق المالي المفاجئ للأطفال في عمليات شراء باللعبة، والإدمان
الرقمي الذي تمثله «روبلوكس»، اتخذت العديد من البلدان الخليجية قرارات حاسمة
بالتصدي لأخطار اللعبة، ففعلت السعودية والإمارات حظر الدردشة، وتطوّر الأمر لحظر
اللعبة مؤقتًا في بلدان منها الكويت وقطر لحين تستجيب إدارتها لتدابير حماية
الأطفال المطلوبة،
مع ذلك، فإن
الخبراء يحذّرون من عودة «روبلوكس» من جديد، ويطالبون بتعميم الحظر على كافة
البلدان العربية، كما يثمنون موقف الأزهر الشريف في مصر الذي دعا لحماية النشء من
تلك اللعبة الهدّامة وحظرها.
أما إدارة
اللعبة ذاتها فاستجابت جزئياً بتعليق ميزة الدردشة داخل اللعبة لمن هم دون الـ13
عاماً، وتفعيل أدوات الرقابة الوالدية، مع ذلك يظل خطر اللعبة قائماً نظراً
لانتشارها الشديد عربياً.
اللعبة الأكثر انتشارًا
تصف «روبلوكس»
نفسها بأنها «العالم الافتراضي الأمثل»، وتضم ملايين الألعاب والبيئات التفاعلية،
المعروفة إجمالاً باسم «التجارب»، بعض المحتوى من تطوير «روبلوكس»، لكن معظمه من
إنتاج المستخدمين، بحسب «الجارديان» ففي عام 2024م، تجاوز عدد مستخدمي المنصة
النشطين يوميًا 85 مليون مستخدم، ويُقدر أن 40% منهم دون سن 13 عامًا.
أحد الجوانب
الأساسية التي تميز «روبلوكس» الطابع الاجتماعي المتكامل فيها، يستطيع الطفل اللعب
مع أصدقائه، أو مع مستخدمين غرباء من حول العالم، وذلك من خلال المحادثات النصية
أو حتى الصوتية في بعض الألعاب.
لقد انتشرت لعبة
«روبلوكس» في المجتمع العربي والخليجي بدرجة ملحوظة في الآونة الأخيرة، فوفق تقرير
من هيئة الاتصالات السعودية، كانت «روبلوكس» من أكثر الألعاب تحميلاً في السعودية
خلال عامي 2024–2025م، وكانت الأكثر تحميلاً في المملكة خلال عام 2024م.
وفي الإمارات،
يتراوح عدد الأطفال والمراهقين من سن 7 حتى 17 عاماً الذين يلعبون «روبلوكس» نحو
مليون طفل، وقد ازداد العدد لهذه الدرجة بمعدل الضعف فقط خلال عامي 2024-2025م،
كما جاء التطبيق في المركز الثاني بين أكثر الألعاب تحميلاً في المدارس الدولية
والخاصة، وهو ما ينطبق على معظم البلدان العربية.
لماذا يجب أن نحظر «روبلوكس»؟
أشار تقرير نشره
موقع «Common Sense
Media» عام 2023م
إلى أن «روبلوكس» توفر بيئة مفتوحة للغاية يمكن للأطفال أن يتعرضوا فيها بسهولة
لمحتوى غير مناسب ما لم تكن الرقابة الأبوية مفعلة ومتابعة بشكل مستمر.
وأظهر تحقيق
إماراتي سيبراني أن 90% من الأطفال يتعرضون للتنمّر داخل «روبلوكس»، ويمكنهم
الوصول إلى محتوى جنسي أو إيحاءات غير لائقة وألفاظ بذيئة داخل غرف «روبلوكس» مع
سهولة التواصل مع بالغين دون رقابة فعالة، بسبب فشل التحقق من السن والفصل بين
الأطفال والبالغين.
من جانب آخر،
أشارت إيرين كوربوز، الشريكة المؤسسة برابطة نساء الشرق الأوسط للأمن السيبراني،
إلى أن إحدى أكبر المخاوف هو انتشار التصيد الاحتيالي، وغالباً ما يهدف هذا النوع
من الاحتيال لسرقة المعلومات الشخصية للأطفال.
وبحسب تقرير
نشرته منصّة خليجية سيبرانية، فاللعبة تعزز مبدأ أن اللاعب «المتميز» هو من يملك
أزياء نادرة، أو قدرات خاصة، أو أدوات لا يمتلكها الآخرون، وجميعها تتطلب الدفع
عبر «Robux»، وهذا يُرسخ لدى الطفل أن التميز والقبول
مرتبطان بالقدرة على الشراء؛ ما قد يخلق لديه ميلًا غير صحي للاستهلاك الرقمي في
عمر مبكر جدًا.
«روبلوكس» أيضاً
تشجع التحرش اللفظي بالأطفال، ويظهر المتحرشون عادة كـ«أقران» يبنون الثقة مع
الأطفال ويستخدمون الدردشة داخل اللعبة وطلبات الصداقة والرسائل الخاصة ويتلاعبون
بالصغار عبر محادثات غير لائقة ويطلبون صورهم الخاصة.
لقد أنشأت شركة «ريفيلينج
ريالتي» حسابات «روبلوكس» متعددة، مسجلةً إياها لمستخدمين وهميين، أعمارهم 5، و9،
و10، و13، و40 عامًا فأكثر، تفاعلت الحسابات مع بعضها البعض فقط، وليس مع مستخدمين
خارج التجربة، لضمان عدم تأثر سلوكيات شخصياتهم بأي شكل من الأشكال.
إيحاءات جنسية
إن الصورة
الرمزية لحساب الطفلة ذات السنوات العشر كانت قادرة على الوصول إلى «بيئات ذات
إيحاءات جنسية»، وشملت هذه البيئات مساحة فندقية حيث يُمكنهم مشاهدة صورة رمزية
لأنثى ترتدي ثياب فتاة ليل!
من جانب آخر،
فإن اللعبة تؤدي لأخطار الإدمان مع قضاء الطفل ساعات طويلة أمام الشاشة؛ ما يؤدي
إلى ضعف في التركيز، وتراجع الأداء الدراسي، ونوم غير منتظم، وعزلة اجتماعية.
وتشجع اللعبة
الأطفال على شراء المظهرات والمحتوى داخل اللعبة باستخدام العملة الافتراضية «روبلوكس»؛
ما قد يؤثر ماليًا على الأسر.
وبحسب تقرير
للأمن السيبراني صدر عام 2023م، تحتل تلك اللعبة المريبة المرتبة الثالثة بين
منصات الألعاب الأكثر استهدافاً بالبرمجيات الخبيثة، فحين يدخل الطفل لتحميل
اللعبة وكأنها نسخة شرعية ويفاجأ بأنه سقط ضحية القرصنة.
وعلى الرغم من
الأدوات الجديدة التي تم إطلاقها الأسبوع الماضي بهدف منح الآباء مزيدًا من التحكم
في حسابات أطفالهم، خلص الباحثون في تحقيق مشترك مع صحيفة «الجارديان» إلى أن ضوابط
الأمان الموجودة محدودة في فعاليتها ولا تزال هناك أخطار كبيرة على الأطفال على
المنصة.
وقال بيبان
كيدرون، عضو البرلمان والناشط في مجال سلامة الإنترنت: إن البحث كشف عن الفشل
المنهجي للمنصة في الحفاظ على سلامة الأطفال، مضيفًا: يجب أن يكون هذا النوع من
أبحاث المستخدمين أمرًا روتينيًا لمنتج مثل «روبلوكس».
وتعترف شركة «روبلوكس»
بوجود جهات سيئة على الإنترنت، لكنها أضافت أن هذه مشكلة تتجاوز «روبلوكس» ويجب
معالجتها من خلال التعاون مع الحكومات والالتزام على مستوى الصناعة بإجراءات
السلامة القوية عبر جميع المنصات.
كيف نحمي أطفالنا؟
دور الأسر دائماً
هو حماية أطفالهم من هجمات الغرباء؛ وبإمكانك حظر اللعبة الخطر بيد أبنائك، كما
بإمكانك ضبط إعدادات جميع الألعاب لتفعيل الرقابة الأبوية ومن ذلك خيار «حساب
الأطفال تحت 13 سنة»، حيث يتم تقييد التواصل مع الغرباء وتعطيل المحادثات النصية
والصوتية.
من جهة أخرى، لا
بد أن تتحدث مع ابنك حول أخطار التواصل مع الغرباء والتعرض للمحتوى الإباحي عبر
الفضاء الإلكتروني، وكيف يتصرف في هذه المواقف بوازع من ضميره، مع الاتفاق معه على
وقت محدد وحاسم لقضائه أمام الشاشات، والقيام بأنشطة مفيدة كالقراءة والجلسات
العائلية واللعب والرياضة والانطلاق في الحياة الطبيعية غير الافتراضية.
اقرأ أيضاً: