مشروعية الجهاد في سبيل الله

لا يستطيع أحد
في الأمة أوتي القليل من العلم بالشرع أن ينكر مشروعية الجهاد وأهميته بل وفرضيته
في الإسلام، ولا أحد ينكر النصوص الشرعية من القرآن والسُّنة التي تفرض على الأمة
الجهاد والإعداد له والوقوف موقف الجاهزية في وجه كل من يريد بالأمة سوءاً، وليس
هذا فقط، وإنما للفتوحات الإسلامية الواجبة على الأمة حتى قيام الساعة في حال
جاهزية الأمة لذلك، ووقوع الأسباب الدافعة للقتال والجهاد.
ولو أردنا أن
نسوق النصوص الشرعية التي تحض الأمة على الجهاد ما استطعنا، لكننا نتخير منها قوله
سبحانه: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن
قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ
وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا
تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ
تُظْلَمُونَ) (الأنفال: 60)، وقوله تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ
الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ
بَصِيرٌ {39} وَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ
الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (الأنفال).
وفي السيرة
النبوية الكثير من النصوص التي تمجد أهل الجهاد وتجعلهم في أعلى مكانة بين
المسلمين، فعن أبي هريرة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟
قال: «إيمان بالله ورسوله»، قيل: ثم ماذا؟ قال: «الجهاد في سبيل الله»، قيل: ثم
ماذا؟ قال: «حج مبرور» (متفق عليه)، وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: «إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين
كما بين السماء والأرض» (رواه البخاري).
ويحاول أعداء
الأمة اليوم أن يصموا الجهاد بأوصاف تنفر النفس الإنسانية منه مثل العنف والإرهاب،
لكن كل هذا لا يغير من الحقيقة، وأن الجهاد فريضة يجب أن تقام بضوابطها التي
فصلتها شريعة الله عز وجل.
القوانين
الدولية تتيح للأمم الدفاع عن نفسها
يشهد التاريخ
القديم والحديث بحركات تحرر عبر أحداثه الكبرى، لتأتي القوانين والمواثيق الدولية
حديثا لتؤكد حق الإنسان في وطن حر لا يدنسه احتلال أو عربدة تحت شعارات التغلب ولو
ساندها العالم كله، ولقد شرعت القوانين الدولية حق الشعوب المحتلة في المقاومة
بكافة السبل حتى تحصل على حريتها كاملة.
فحسب ميثاق
الأمم المتحدة، يعتبر حق تقرير المصير من الحقوق الأساسية التي يجب أن تتمتع بها
جميع الشعوب، وتؤكد تلك المواثيق العديد من النصوص القرآنية التي أنزله الله عز
وجل لتحرير النفس الإنسانية من كافة القيود البشرية، وكافة أدوات استعبادها لغير
الله عز وجل، وكافة أشكال الاستضعاف والانتهاك الإنساني المعنوي والمادي.
فكل أمة من حقها
الدفاع عن أراضيها إذا استبيحت، وعن أهليها إذا انتهكت حرياتهم أو عقائدهم أو
أموالهم، ويمسى ذلك في الإسلام «جهاداً»، وليس إرهاباً أو عنفاً كما يروج له الغرب.
والجهاد في
الإسلام هو حق للدفاع عن النفس والدين والأرض والعرض، فيقول الله تعالى: (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ
وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ
الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل
لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا) (النساء: 75)؛ ومن هنا فإن مشروعية الجهاد
والمقاومة ثابتة بالقوانين الدولية وبشريعة الإسلام والنصوص القرآنية في حال احتل
موطن من مواطن المسلمين، وعلى الأمة أن تهب لنجدة ذلك الموطن وإلا فالإثم على
الجميع إن لم تقم مجموعة بتلك المهمة لتسقط الفريضة عن البقية، فإن عجزت تلك
المجموعة فالواجب ينتقل على البقية لينصروهم.
الجهاد
في فقه الشيخ القرضاوي
يقول الشيخ يوسف
القرضاوي رحمه الله، الذي يعتبر مجدد الفقه في العصر الحديث، حول فريضة الجهاد: «إن
موضوع الجهاد في الإسلام من أعظم الموضوعات خطراً، وأبعدها أثراً، لما له من قيمة
وأهمية في الحفاظ على هُويَّة الأمة، والدفاع عن كِيانها المادي والمعنوي، وعن
أرضها وأهلها، وعن رسالتها التي هي مبرِّر وجودها وبقائها، وهي رسالة الإسلام.
وبغير الجهاد
يُصبح حِماها مستباحاً، ودم أبنائها رخيصاً رخص التراب، وتغدو مقدساتها أهون من
حَفنة رمل في صحراء، وتهون الأمة عند أعدائها، فيتجرَّأ عليها الجبان، ويتعزَّز
عليها الذليل، وتُغزى الأمة في عُقر دارها، ويتحكَّم أعداؤها في رقابها، فقد نزع
الله من صدور عدوها المهابة منها، بعد أن كانت تُنصر بالرعب على أعدائها مسيرة شهر»(1).
وواقع الأمة
اليوم هو المعبر الأكبر عن حالها دون تفعيل تلك الفريضة الغائبة، فاستحلها أصاغر
الخلق، واحتل أرضها كل من أراد، وانتهك حرمتها القليل والدنيء.
وعن حال الأمة
تجاهه يقول القرضاوي: «ربما أسقطت الأمة الجهاد من حسابها ومن بَرنامجها: أسقطته
مادياً، وأسقطته نفسياً، وأسقطته فكرياً وثقافياً، فالأمة يجب أن تعدَّ نفسها
للجهاد عسكرياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً ونفسياً وأخلاقياً، وإن لم تقُم
بذلك تداعت عليها الأمم من كل أفق، كما تداعى الأكلة على قصعتها، كما نبَّأنا
الحديث الشريف، الذي نبَّهنا على مؤامرة دولية مرتقبة على المسلمين، رغم كثرتهم
العددية، ولكنهم –للأسف- كمٌّ بلا كيف.
فعن ثوبان قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة
إلى قصعتها»، فقال قائل: ومن قِلَّة نحن يومئذ؟ قال: «بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم
غثاء كغثاء السيل، ولينزعنَّ الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفنَّ الله في
قلوبكم الوَهْن»، فقال قائل: يا رسول الله، وما الوَهْن؟ قال: «حب الدنيا وكراهية
الموت» (أخرجه أحمد).
فالضعف الذي تمر به الأمة وحالة الوهن التي تعتريها، هو سبب نابع منها وليس مفروضا عليها حين تخلت عن الإعداد النفسي والبدني والمادي للجهاد، وأسقطته من حساباتها تحت دعاوى السلام المزيف، السلام الذي يتيح لعدوك أن يعد نفسه بينما ينتزع منك الحق في الإعداد، ويتهمك بكل نقيصة في الوقت الذي يقوم فيه بقصفك على مدار الساعة في أعز بقاع يملكها المسلمون».
______________________
(1) من مقدمة
كتاب فقه الجهاد للشيخ القرضاوي.