الأمم المتحدة.. هل تخضع لخطة تُدار من «تل أبيب» وتُموّل من واشنطن لتجويع غزة؟

رغم التحذيرات المتتالية للجان الأمم المتحدة، وآخرها تحذير «اللجنة المعنية بالتحقيق في الممارسات «الإسرائيلية» التي تمس حقوق الشعب الفلسطيني وفلسطينيي الأراضي المحتلة»، من «نكبة» أخرى مماثلة لتهجير الفلسطينيين في العام 1948م، بسبب معاناة لا يمكن تصوّرها تسببها الممارسات «الإسرائيلية»، فإن الأمم المتحدة صامتة على خطة تجويع الفلسطينيين وتمررها ضمناً.
عام 2024م، وبعد قتل جميع موظفي الأمم المتحدة الأجانب الذين كانوا يوزعون
الغذاء، قامت منظمات الإغاثة الإنسانية، بما في ذلك المطبخ المركزي العالمي،
بإعادة توجيه سفن المساعدات المتجهة إلى غزة إلى قبرص.
والآن، مع تطبيق خطة تجويع غزة وفرض الاحتلال نقل الفلسطينيين بالتجويع إلى
الجنوب كشرط لحصولهم على الطعام، تمهيداً لطردهم لسيناء، كما قال وزير المالية من
حزب الصهيونية الدينية بتسلئيل سموتريش، عادت هيئات الأمم المتحدة لإيقاف برامج
توزيع غذاء بحجة التضييق والقتل «الإسرائيلي»؛ ما يجعل دورها في غزة على المحك.
مسؤولو الأمم المتحدة حذروا، في 9 مايو 2025م: لن نقبل بأي خطة لمساعدات
غزة (الخطة «الإسرائيلية» الأمريكية) تتعارض مع مبادئنا الإنسانية، وطالبوا
بالسماح الفوري بإدخال المساعدات إلى غزة لإنقاذ الأرواح، وأكدوا جاهزية برنامج
الأغذية العالمي لتسليمها فور فتح «إسرائيل» للمعابر.
لكن هناك مخاوف من أن تقبل الأمم المتحدة بخطة المساعدات التي تُدار من «تل
أبيب» وتُموّل من واشنطن لتجويع غزة، بعدما أعلن برنامج الأغذية العالمي أنه سلّم
آخر مخزوناته الغذائية المتبقية إلى مطابخ الوجبات الساخنة في قطاع غزة.
الخطة الصهيوأمريكية
تحدث الاحتلال الصهيوني عن عدة خطط لتوزيع المساعدات على سكان غزة الذين
يتضورون جوعاً، لكن محورها ربط توزيع الغذاء عليهم بانتقالهم إلى جنوب غزة وحشر
2.2 مليون فلسطيني في مساحة تعادل 34 كيلومتراً مربعاً فقط.
ووفق «إذاعة الجيش الإسرائيلي»، في 6 مايو، تتلخص آلية «إسرائيل» لتوزيع
الطعام على الغزيين خلال اجتياح واسع في 3 مراكز جميعها في رفح جنوب غزة، وقالت: لن
توزع مساعدات في أي مكان آخر، ومن شأن ذلك أن يسرع تهجير السكان من شمال القطاع
إلى جنوبه، وسيحصل مندوب عن كل عائلة على 70 كيلوجراماً من المواد الغذائية، يعتبر
الجيش «الإسرائيلي» أنها كافية لأسبوع وتمنع مجاعة.
ويدعي الجيش أن الآلية التي وضعها تمنع وصول «حماس» إلى هذه الإمدادات حيث
سيتم توزيع المواد الغذائية على الغزيين في المنطقة الواقعة بين محوري موراغ
وفيلادلفيا، ويسيطر عليها الجيش «الإسرائيلي» ويدخل إليها الفلسطينيون بعد تفتيشهم،
وسيجري توزيع المواد الغذائية بموجب سجلات تديرها الجمعيات والشركات الخاصة
الأمريكية، بادعاء أنه بهذه الطريقة ستصل المساعدات إلى العائلات والمواطنين.
وذكرت صحيفة «هاآرتس»، في 7 مايو، أن الجيش «الإسرائيلي» بدأ أعمال حفريات
واسعة لإقامة منطقة لتوزيع مواد غذائية في مدينة رفح، في منطقة مساحتها 80 دونماً
تقريباً في غرب رفح، ويخطط الجيش لتهجير مئات آلاف الفلسطينيين، الذين يسكنون في
خيام بالمنطقة الإنسانية في المواصي، إلى جنوب القطاع من خلال حواجز عسكرية وصولاً
إلى منطقة إنسانية جديدة تقع بين محور فيلادلفيا ومحور موراغ وتشمل رفح.
وحسب خطة الجيش، فإن منظمات إنسانية ستوزع المواد الغذائية والمساعدات على
السكان تحت حراسة شركات أمريكية خاصة، وتمول خطة توزيع هذه المساعدات جمعية مؤسسة
غزة الإنسانية في سويسرا، ومصادر تمويلها غامضة، وبموجب الخطة، سيُسمح بدخول 60
شاحنة مساعدات إلى قطاع غزة يومياً، لكن هذه الكمية تشكل عُشر عدد الشاحنات التي
تم الاتفاق على دخولها إلى القطاع يومياً خلال فترة وقف إطلاق النار الأخيرة.
وتقضي الخطة «الإسرائيلية» بأن تنقل الشاحنات المساعدات إلى 6 مراكز، يوزع
كل واحد منها مساعدات على 5 – 6 آلاف عائلة، ويحصل مندوب كل عائلة على 18 كيلوجراماً
من الأغذية مرة واحدة في الأسبوع، ومنتجات نظافة مرة كل أسبوعين!
ونقلت «هاآرتس» عن تقرير صدر عن معهد القدس للشؤون الإستراتيجية، أنه سيقام
في المنطقة الإنسانية الجديدة في رفح حكم عسكري جزئي مؤقت، وأن هذه المنطقة ستشكل
أيضاً معسكراً انتقالياً يسمح بهجرة السكان إلى دول توافق على استقبال سكان غزة.
وتزعم «تل أبيب» ووشنطن أن هدف الخطة قطع نفوذ «حماس» على المساعدات،
وإضعاف قبضتها على القطاع، في إشارة لمنع حكومة غزة من توزيع المساعدات وترك الأمر
لشركات مرتزقة أمريكية، وفق صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، في 9 مايو.
ووفق صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، في 9 مايو، فإن المبادرة الأمريكية
الجديدة لإعادة توزيع المساعدات الإنسانية على الفلسطينيين في غزة تقوم على
مرحلتين؛ الأولى تستهدف 1.2 مليون من السكان فقط، في حين تشمل الثانية مليون
فلسطيني، المتبقين من سكان القطاع، وأوضحت الصحيفة أن المبادرة التي قدمها المبعوث
الأمريكي للأمم المتحدة، وتحمل اسم «مؤسسة غزة الإنسانية» (GHF)، تقوم على إقامة 4 مراكز
توزيع، يختص كل مركز بـ300 ألف شخص.
موقف الأمم المتحدة
يرى خبراء أن آلية توزيع المساعدات في غزة التي تعكف الولايات المتحدة و«إسرائيل»
على الترويج لها، تمثل وسيلة ابتزاز من قبل واشنطن و«تل أبيب» للفلسطينيين، وتعفي «إسرائيل»
من أي مسؤولية عن الأوضاع الإنسانية الصعبة في غزة.
وقد حذرت وكالات الإغاثة الدولية من أن الخطط «الإسرائيلية» للسيطرة على
توزيع المساعدات في غزة، ومن بينها الاقتراح المدعوم من الولايات المتحدة، لن تؤدي
إلا إلى زيادة المعاناة والموت في الأراضي الفلسطينية المدمرة، داعية «إسرائيل»
إلى رفع حصارها عن المواد الغذائية والإمدادات الأخرى.
ورفضت الأمم المتحدة النظام الجديد، قائلة: إنه يستخدم المساعدات كسلاح،
ويهدد بالتسبب في نزوح جماعي للفلسطينيين، وينتهك مبادئ الحياد، ولن يكون قادراً
ببساطة على توفير حجم المساعدات المطلوبة، وترفض الأمم المتحدة والمنظمات التابعة
لها التعاون مع هذه المبادرة التي تهدف إلى إعادة المساعدات الإنسانية للقطاع.
وقالت «يديعوت أحرونوت»: إن المناقشات المغلقة حول المبادرة بالأمم المتحدة
شهدت هجوماً كبيراً على «إسرائيل»، واتهمت الدول المختلفة «تل أبيب» بتجويع سكان
غزة، ففي بيان أصدرته، في 9 مايو، حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) من
استخدام المساعدات كطُعم لإجبار السكان على النزوح؛ ما سيخلق خياراً مستحيلاً بين
النزوح والموت.
وحذرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) من أن إطالة «إسرائيل»
منع إدخال المساعدات إلى قطاع غزة تفاقم الضرر غير القابل للإصلاح على حياة عدد لا
يُحصى من الفلسطينيين.
فهل تخضع الأمم المتحدة لهذه الخطة التي تُدار من «تل أبيب» وتُموّل من
واشنطن لتجويع غزة؟ أم ترفضها وتستمر الخطة عبر شركات مرتزقة أمريكية؟ أم يتم وقف إطلاق
النار وإجهاض الخطة الصهيوأمريكية؟