نحن وأنتم.. اختلافٌ يمكن أن يصنع الوعي لا الخصومة

في لحظات الأزمات الكبرى، حين تختلط الأصوات وتتقاطع المواقف، لا يعود الاختلاف مجرد رأي يُقابِل رأيًا، بل يتحوّل إلى مرآة تكشف ما في الأعماق من مبادئ وقيم، فالتجارب كثيرًا ما تُظهِر ما تعجز الكلمات عن وصفه، وتفضح الأحداث ما خُبئ طويلًا خلف الشعارات.

ونحن -المؤمنين بالحق والحرية، أبناء وصنّاع الثورة من كل دينٍ ولونٍ ومذهب- نختلف عن أولئك الذين اعتادوا السلب والنهب والسطوة، ممن كانوا أدوات لسلطة فاسدة سقطت أخلاقيًا قبل أن تسقط سياسيًا، اختلافنا هذا لا يحمل عداوة لمن رجع، بل يصنع الوعي، ومن أراد منكم أن يسمع صوت الحوار فليقرأ أولاً هذه الكلمات.

بين القسوة والرحمة.. مشهد يكشف الفجوة

أذكر واقعة بقيت ثابتة في الذاكرة رغم مرور السنوات، وقف شاب من «الشبيحة» أمام شيخٍ تجاوز السبعين، مرفوع الرأس، مزهوًا بقوّته، وقال ببرود: «سأقتل تلك القطة لأريك مهارتي في الرماية.. قتلُ الرجل عندي كشربة ماء»! لم تكن تلك كلمات تفاخر عابرة، وإنما انعكاسٌ لعقلية اعتادت العنف حتى استهانت بالدم، وجعلت القتل عملاً سهلاً لا وزن له.

في مقابل ذلك، فإننا نخشى الله في أصغر مخلوق، ونرى الحياة نعمة لا تُزهق إلا بحق، ونفهم أن الرحمة قوة، وأن الحوار بداية الإصلاح، وأن كلمة الحق تُنقذ الظالم من نفسه قبل أن تُنقذ المظلوم من بطشه.

الحرية.. من يسمو بها ومن يهبط

لسنا مثلكم في فهم الحرية، فهناك من يراها مُطلقة له وحده، محرّمة على غيره، أو يعتبرها سلطة على رقاب الناس يفرض بها رأيه بالقهر والقوة.

بينما نحن نراها مسؤولية قبل أن تكون حقًا، ونراها جسرًا للفهم لا بابًا للخصومة، وقد أثبتنا ذلك يوم الفتح، ويوم خرجت مظاهرات 25 نوفمبر اعتراضًا على حُكم الثورة، فقام رجال الثورة نفسها بحماية المتظاهرين وتأمين وقفتهم.

هذه هي الحرية التي نرفعها؛ حرية واعية، تُعلِي قيمة الإنسان، وتمنحه القدرة على قول «لا» بثبات، وأن يبني وطنه دون استعلاء، وأن يحاور المختلف باحترام دون تحقير.

المال والسلطة.. بين غاية ووسيلة

أنتم تنظرون إلى الحياة كصيد للفرصة ونهب للثروة واستقواء بمنصب أو نفوذ، حتى أصبحت الأخلاق عندكم ترفًا يُستغنى عنه، أما نحن فنؤمن أن المال إن لم يكن حلالًا فهو وبال على صاحبه، وأن السلطة إن لم تُبنَ على العدل تحوّلت إلى لعنة على من يمارسها ومن يخضع لها.

وقد أثبتت محاكمات المرحلة ما نقوله؛ إذ حوسِب من أساء لكم قبل أن يُحاكم من سفك دماء الثائرين لسنوات، نحن نريد دولة تحفظ الحقوق وتصون الدماء والأعراض، وتُكرّم اليد العاملة، وتدفع الزراعة والصناعة والتجارة لتكون بديلاً عن السلب والإفساد.

من أراد البناء فنحن له سند، ومن رغب بالإصلاح فنحن أوسع صدرًا له، فالبلاد أرحب من أن تضيق بأبنائها.

يدٌ ممدودة لا يدٌ مرفوعة

لسنا دعاة صراع، ولا طلاب ثأر، فالأوطان لا تُبنى بالانتقام، ولا تنهض بالشحناء، نحمل جراحنا لا لنورّثها لأطفالنا، بل لنجعل من ألمها عزيمة وقوة، نرفع الصوت بالحق كي يعود من ابتعد عنه، ونريد للعدالة الانتقالية أن تداوي شيئًا من تلك الجراح، فتكبُت الألم بدل أن تنفجر به الفتنة.

أما أنتم، فحين تنكرون حقائق الواقع، إنما تدفعون نحو الانفجار، وتُسفهون آلامًا لا يليق بأحد تجاهُلها.

نريد مجتمعًا يشارك فيه الجميع؛ من اختلف ومن اتفق، من أخطأ ثم تاب، ومن ضل ثم اهتدى.

نريد دولة يسعها القانون، لا يعلو فيها أحد على الآخر إلا بقدر ما يحمل من خير.

لكنكم تأبون منح أنفسكم فرصة للمراجعة، وتصنعون الصدام بعناد لا يُفيدكم ولا يفيد أبناءكم.

إلى الإنسان البسيط: النار لا تميّز بين أحد

أخطر ما يهدد الأمم أن تُسلّم رقابها لمن يشعل الفتن، فهناك من لا يعيش إلا وسط الضباب؛ لأن الوضوح يكشف ضعفه، وهناك من يعتاش على الكراهية؛ لأنها ترفعه حين يهبط الجميع، لكن النار لا تعترف بصاحبها، فإذا اشتعلت أكلت الأخضر واليابس، وجعلت العدو والصديق رمادًا واحدًا.

نقولها بصدق: لا تتبعوا كل من ينفخ في الكير، فالمستفيد من الفتنة يريد حماية نفسه لا حمايتكم، وسيأتي يوم يعلم الظالمون أن وعد الله كان مفعولًا، فالتسارع الثالث قد بدأ، ولا يرد القدَر معاند ولا متكبر.

ختاماً، نحن لا نتباهى بأننا مختلفون، لكننا نعرف قيمة المبادئ حين تشتد الظلمة.

نختلف عمَّن يرى القسوة مجدًا، ونرجو له الهداية لا الهزيمة، نختلف عمن يعلي المال فوق الإنسان، ونذكّره لا لنغلبه، بل ليعود حقه إليه.

نختلف، نعم، لكن اختلافنا ليس لعنة، بل فرصة للوعي والحوار وشراكة الوطن.

فمن أراد الخير فبابه مفتوح، ومن آثر الفتنة فالتاريخ يمضي، والحق يبقى، ولا ينفع الندم حين تأتي لعنة العقد الثامن فيُقطع رأس الأفعى وتسقط الذيول ويُمحى الباطل بإذن الله.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة