مفاتيح مجرّبة للتعامل مع الابن المراهق

فترة المراهقة تشبه العاصفة تمامًا، حين
تضطرب الأجواء، وترتطم الأشياء بقوة وبلا مقدمات، ينتابنا الخوف والفزع، ولا يدري
الأبوان ماذا حلّ بأولادهما، وربما لا يدركان فعلياً كم التغيرات النفسية والجسدية
التي تجعل مصاحبة ابنك نحو شاطئ الأمان ضرورة وليست رفاهية.
في كتاب حديث صدر عن دار «عصير الكتب» باسم
«6 مفاتيح للتعامل مع المراهقين»، تشرّح خبيرات في التربية أساليب استيعاب طباع
المراهقين، وإجابة أسئلتهم الشائكة حول جوانب حياتهم بشكل مصحوب بتدريبات عملية
وأسئلة حقيقية لأمهات عربيات في غرف التربية الإيجابية.
واقعنا من صنع أفكارنا
تلوم أمهات كثيرات أنفسهن بقسوة مع أي
إخفاق، وهو ما يجعلها غير قادرة على تغيير نفسها فضلاً عن الأبناء، تروي خبيرة
التربية نسمة جابر موقفًا لأم عادت من عملها ووجدت أن البيت فوضوي بدرجة لا توصف،
وأبناءها متكيّفون مع ذلك!
هذا الموقف كفيل عادةً بتفجير ثورة عادةً،
لكن هل سألت الأم نفسها: ما الغاية التي سأحققها من الصوت العالي والغضب؟ وما
الرسالة التي تعلمها أبنائي؟ أليس من الأفضل أن أختلي بنفسي ريثما أهدأ، ثم أستعيد
ترجمة الأمر داخلي دون شخصنة أو تهويل أو تعميم، وأن ننطلق لمراجعة نظام البيت
ونرتب سويًا ما استطعنا.
من أصعب اللحظات التي تمر على الأم لحظات
الصمت، التي تملأ أرجاء المنزل بعد حوار مُجهد، تعتبر خبيرة التربية سمر عليّ أن
شكوى الآباء تتزايد من تطاول الأبناء أو انعزالهم مع وسائل التواصل، هي أزمات
سببها غياب التواصل الفعّال داخل الأسرة.
يحتاج أولادنا في سن المراهقة تحديداً
للشعور بأننا ننصت إليهم ونعطي أولوية لاهتماماتهم، وكي يكون التواصل فعّالاً لا بد
أن تبعدي عن المشتتات، وتتدربي على لغة الجسد والكلمات التي تخبر ابنك بأنك مهتمة
بما يقول، وكي يصبح تواصلنا بإحسان تنصح الخبيرة بأن نتخلى عن عقلية الناقد وننطلق
لعقلية القائد الذي لا يفتّش في الأخطاء.
في مرحلة المراهقة تنشط دماغ المراهق عبر
الجزء الداخلي السفلي المسؤول عن المشاعر لا المنطق العقلاني، لهذا من المهم أن
تبدأ كلامك معه بعبارة: «أنا أشعر بأن..»، أو «أريد أن نتحدث».
رحلة بناء العادات
تعاني الأمهات من أعباء جسدية ونفسية
تزداد بمرور السنوات، والحق أنه كي نحل هذه المعضلة لا بد أن نبدأ من منطقة
العادات التي ننشئ عليها أولادنا، لقد لاحظت خبيرة التربية نشوى الفولي أن سر قوة
العادة تكمن في أنها تأتي دون تفكير.
والعادة لا تكتسب بين يوم وليلة، تتذكر
الكاتبة كيف كان أبوها يشجعها على القراءة بينما يقرأ في الشرفة، بينما ألهمتها
والدتها بنظامها وطقس صلاتها وبخاصة صلاة الفجر والسجادة المعطّرة، بل إن نهمها في
شرب الشاي باللبن لم يكن سوى عادة تذكرها بجلساتها الجميلة مع أمها التي تفتقدها.
غالباً، تقود البشر في تحركاتهم توقعهم
للثواب والعقاب؛ فمهما تنام متأخراً سوف تستيقظ مبكراً لتجنب الخصم في العمل، وبالمثل
يمكننا دعم سلوكيات إيجابية بالحوافز وعبارات المديح.
التربية الجنسية
في مرحلة المراهقة يشعر الأبناء بتغيرات
جسدية سريعة ترتبط بالبلوغ عند الذكر والأنثى، وتصاحبها صراعات داخلهم لإثبات
ذواتهم، وصراعات أخرى قد لا نشعر بها تمتد لقناعاتهم الدينية أو روابطهم العائلية،
وتمتد لتحصيلهم الدراسي.
وتعد القضايا الجسدية واحدة من أبرز
صراعات المراهقين، فتقول د. ابتسام الجيزاوي: إن هناك أفكاراً ومعتقدات تعيق
التربية الجنسية، ومنها اعتقاد الأبوين بأنها أمر لا يتفق مع الدين أو أنها عيب
وحرام.
على العكس، من المهم أن يدرك ابنك أن
الميل إلى الجنس الآخر أمر طبيعي، ولكن الإسلام يوفر لنا سبل التلاقي في إطار
الزواج، علينا أن نتحدث معهم عن تغيرات أجسادهم بنبرات هادئة وأفق مفتوح، وتعليمهم
الآداب الشرعية الخاصة بالطهارة والغسل عند الحيض والاحتلام، علينا أيضاً التطرق
معهم لكيفية حماية أنفسهم من التحرش، والنقاش في حقائق الفطرة التي تنتكس بشيوع
الشذوذ الجنسي وخاصة في الخارج، لأسباب منها التدليل الزائد أو غياب الاهتمام
الأبوي والأمومي ووجود شخصيات غير آمنة في محيط الابن.
إن إحجام الوالدين عن مناقشة هذه القضايا يدفع الابن للحصول عليها من مصادر غير موثوقة أو بطرق تتجاوز مرحلته العمرية.
الاحتكاك بالعالم الخارجي
تتذكر خبيرة تربية المراهقين إيمان رفعت
كيف تغيرت طفولتها بعد أن أصبحت أسرتها تسافر للخارج، وهي لذلك تدعو دوماً لفتح
المنافذ الطبيعية قائلة: إن العزلة تجعلنا نرى أولادنا يتجاوزون الخامسة عشرة لكن
سلوكهم لا يرتقي لأكثر من 7 سنوات!
إن الشعور بالاستقلالية يعد واحداً من
أهم مشاعر المراهقة المهمة لتكوين الشخصية السوية، وتنصح خبيرة التربية بأن يصبح
المراهق قادراً على اتخاذ القرارات، وأن تتاح له فرصة الاختيار فيما يحبه من نشاط
سواء رياضي، أو تطوعي، أو ديني أو فني، أو تشجيعه على ممارسة العمل بأجر لساعات
محدودة في الصيف، مع تحفيزه على الدورات التي تنمي مهاراته وثقته ومحيطه الآمن
باستمرار.
إن الإفراط في حماية الأبناء خوف مرضي
ويربي أفضل الكاذبين، فنرى مراهقاً يكذب ويغش ويسرق، وليس ذلك يعني أن نتركهم للأخطار،
ولكن أن نؤهلهم للخروج شيئاً فشيئاً من الشرنقة، يتزامن ذلك مع دعم فكرة حدودنا
وحدود الآخرين في كل شيء.
بعد تهيئة الابن والتحاور معه، تأتي خطوة
التعديل؛ وهي ببساطة أن تنصحه بشكل مغلف بين إطراء وآخر، وبصيغة أقرب للاقتراح
لتنمية القصور، مع عدم مقارنته إطلاقاً بالآخرين، ثم عليك متابعة مآلات تجاربه
مبكراً قبل الانزلاق؛ كأن تلاحظ أن ابنك يميل لتيارات متطرفة أو متسيبة فتجعله
يغير مساره فوراً.
طباع الشخصية
الكثير من الأمهات يضعن أبناءهن في قوالب
محددة من إعدادهن، من عينة أنت كسول وأنت مزعجة دائماً وكئيبة، وأنت طيب والكل
يخدعك، لا تنتبه الأم للحكمة من اختلاف أبنائها واستشعار عظمة الله في هذا التعدد
الذي هو سُنة الحياة.
تقول هند الصباغ خبيرة التربية: على كل أُم
أن تدرك جيداً طباع ابنها المترسخة داخله، فهناك الساعي للكمال الذي يحتاج لمن
يعينه على تحقيق التميز الذي يستحقه عبر الاجتهاد والتنظيم، مع إشعاره بالتقدير
عبر هدايا بسيطة، وهناك شخصية المساعد ويحتاج لمن يخبره بأهمية خدماته ومحبتك
الدائمة لشخصه لا أفعاله.
هناك شخصية المنجز وهو لا يعبر غالباً عن
مشاعره لأنه عملي ويحتاج لمن يساعده في ذلك، هناك المفكر وهذا يشعر بالضيق من
التجمعات ولا يحب استنزاف طاقته دون فائدة، وهناك المخلص الذي يحتاج لأن تفي
بوعودك معه، وهناك المتحمس وهو لا يحب إجباره على قرار، وهناك صانع السلام ويحتاج
لمن يبسط أهدافه، وهناك المتحدي الذي يحب الوضوح، وهناك المتفرد الذي تحتاج للطف
في اقتحام كهفه.
إن فهم تلك المفاتيح يجعلنا أقدر على
مصاحبة أبنائنا في رحلة الحياة، وأن نرشدهم فيها ليكونوا أفضل نسخة من أنفسهم، لا
منّا.