الخدع الترويجية.. كيف تتخذ الشركات قرار الشراء عنك؟

هل تساءلت يومًا:
لماذا تفضل منتجًا على آخر، أو علامة تجارية على أخرى؟ وهل مبرراتك منطقية حقًا أم
أنها عاطفية مكتسية بثوب المنطق الذي ألبسته إياها الحملات الترويجية التي صارت
جزءًا لا يتجزأ من حياتنا الإلكترونية؟! هل هناك من يقود عقلك بخيوط غير مرئية نحو
الشراء دون أن تشعر؟ هل نحن حقًا أحرار في اختياراتنا أم أننا نتوهم تلك الحرية في
قرارتنا الشرائية؟
يقول غوستاف
لوبون، في «سيكولوجية الجماهير»: «ما معظم أفعالنا اليومية إلا نتيجة لعوامل
مستترة لا ندركها»، فعندما ترى إعلانًا جذابًا أو عرضًا مغريًا، ربما تظن أنك
تقارن بعقلك وتختار بعناية، لكن الحقيقة أن عقلك ليس دائمًا منطقيًا كما تظن،
وفي عالم
التسويق الحديث، لم تعد الشركات تبيع منتجات فقط، بل أصبحت تبيع أوهامًا محسوبة
بدقة وتعتمد على علم النفس والاقتصاد السلوكي، ونتيجة ذلك صار ملايين المستهلكين
الذين يظنون أنهم أحرار في اختياراتهم، ضحايا خداع تسويقي ذكي وممنهج.
وكما ذكر مورغان
هاوزيل، في كتابه «فن إنفاق المال»: البشر لا يتصرفون بعقلانية، بل يستخدمون العقل
لتبرير ما فعلوه، إننا كبشر نقع تحت تأثير التحيزات المعرفية، وهي أنماط تفكير لا
واعية تجعلنا نتخذ قرارات غير عقلانية، فالمسوّقون يعرفون كيف يستغلون هذه
التحيزات بدقة، ليزرعوا فيك شعورًا خفيًا بأنك بحاجة إلى الشراء الآن، وإلا ستخسر
فرصة لا تعوض، فهل ما زلت تشك أن قرار الشراء اتخذ بالنيابة عنك بالفعل؟!
الخدع الترويجية وحيل الاقتصاد السلوكي الأكثر شيوعًا
1- المرساة السعرية:
هي أحد أكثر
فخاخ التسويقية انتشارًا، تبدأ القصة بعرض السعر الأصلي المرتفع جدًا، ثم يُقدَّم
السعر بعد الخصم ليبدو وكأنه صفقة العمر؛ على سبيل المثال، السعر القديم 2000، والسعر
الجديد 999 فقط! ما يحدث هنا هو أن السعر المرتفع الأول يغرس في ذهنك توقعًا
معينًا لقيمة المنتج، فتبدو الألف وكأنها لا تُذكر، في الحقيقة، ربما لم يكن
المنتج يستحق حتى هذا المبلغ، لكنك أصبحت مقتنعًا بالعكس دون وعي.
وهناك أيضًا إستراتيجيات
تسعير أخرى أكثر دقة، مثل:
- التسعير
النفسي: وضع الأسعار عند 999 بدلًا من 1000 لجعلها تبدو أقل.
- العروض
المجمعة: شراء قطعتين والحصول على الثالثة مجانًا، لتحفيزك على شراء أكثر مما
تحتاج.
- التسعير المقارن: عرض منتج متوسط بجانب منتج
غالٍ جدًا وآخر رخيص، لتبدو الصفقة الوسطى الأكثر منطقية، كل هذه الأساليب مصممة
لتقودك لاتخاذ القرار الشرائي الذي تريده الشركة لك، لا ما تريده أنت لنفسك على
الحقيقة.
2- تأثير الندرة:
إحدى أبرز هذه
الأدوات الخوف من الفوات (FOMO)؛ وهو الشعور بالقلق من تفويت فرصة نادرة، ولهذا
ترى عبارات دعائية مثل: «آخر 3 قطع متبقية».
والسبب في ذلك
كما ذكر روبرت تشالديني في كتابه «سيكولوجية الإقناع»: «الندرة تخلق الرغبة؛
فعندما يعتقد الناس أن شيئًا ما قد لا يكون متاحًا، تزداد رغبتهم فيه أكثر»، وقال
ابن المفلح المقدسي في كتابه «الفروع»: «العين ترى غيرَ المقدور عليه على غيرِ ما
هو عليه»؛ أي أنه يعظم في عين الإنسان ما لا يملكه وما لا يستطيع الحصول عليه،
فيكون في عينيه أكبر من قيمته الفعلية.
3- تأثير النفور من الخسارة:
هل حقًا تريد أن
تشتري المنتج بسعره العادي بدلًا من سعره المخفض؟
«ينتهي العرض
خلال 2:59:00»، هذه ليست معلومات بريئة، بل أدوات ضغط نفسي تحفّز منطقة الخوف في
دماغك لتتخذ قرارًا سريعًا دون تفكير، والحقيقة أن الناس يتحفّزون أكثر عند الخوف
من الخسارة، أكثر منهم عند الرغبة في التحصيل.
4- الضغط الاجتماعي أو ضغط القرناء:
وهذا ضغط لو
علمت عظيم، فهو يجعل الإنسان يتصرف على غير طبيعته وعنه يقول لوبون في «سيكولوجية
الجماهير»: «هذه الروح (روح الجماعة) تجعلهم (أي أفراد الجماعة) يشعرون ويفكرون
ويسيرون على وجه يخالف ما يشعر به ويفكر فيه ويسير عليه كل واحد منهم وهو منفرد».
5- المنتج الأكثر مبيعًا أو 90% من الناس اختاروا هذا المنتج:
كل هذا يخلق
وهمًا بأن الجميع يشتري، وأنك إن لم تلحق بهم فأنت الخاسر الوحيد، إنها قوة
الإقناع في أوجها، لكنها ليست إقناعًا منطقيًا، بل عاطفيًا تمامًا.
6- تأثير الطُّعم:
عندما يُقدَّم
للمستهلك ثلاث خيارات أو أكثر، فإنه غالبًا يختار الخيار الذي يقع في المنتصف بين
الأرخص الذي يبدو محدودًا جدًا، والأغلى الذي يبدو مبالغًا فيه، ولهذا السبب تصمّم
شركة «أبل» تشكيلة هواتف «iPhone» بطريقة مدروسة تجعل المستهلك ينجذب
تلقائيًا نحو الخيار الذي تريده الشركة أن يختاره.
ففي lineup هواتف iPhone
17 مثلاً:
- النسخة الأرخص
مثل iPhone 17 تبدو كأنها تحتوي على الأساسيات بدون أي
إضافات.
- النسخة الأغلى
مثل iPhone 17 Pro
Max تبدو فاخرة
أكثر من اللازم وسعرها مرتفع جدًا.
- بينما النسخة
المتوسطة فهي (iPhone 17
Air) أغلى من
العادية بدون أي مبرر حقيقي سوى نحافة الهاتف، وهي في ذات الوقت أقل من أن تقارن
بالنسخة الأغلى.
فأبل في هذا
المثال استعملت هات الإير النسخة المتوسطة ككبش فداء من جهتين:
الجهة الأولى:
الدعاية، فتقديمها للهاتف الأنحف على الإطلاق جعلها تبدو كما لو أنها تقدم شيئًا
جديدًا ومختلفًا.
الجهة الثانية:
كونه أغلى من الفئة العادية جعله يبدو خيارًا مستبعدًا لكثيرين، فإما أن يدفعوا
أقل ويحصلوا على قيمة مقابل سعر أكبر، أو يدفعوا أكثر ويحصلوا على أفضل «آيفون»
يمكن للمال أن يشتريه.
وقد أكدت
المبيعات نجاح إستراتيجيتهم بالفعل، فالهاتف الأغلى هو الأكثر مبيعًا يليه الفئة
الأدنى بينما تراجعت الفئة المتوسطة الطُعم للمرتبة الأخيرة.
7- الاستهلاك التفاخري:
والحقيقة أن
الاستهلاك التفاخري ليس ظاهرة جديدة، وإنما استفحش ظهورها بسبب وسائل التواصل
الاجتماعي، فقد ظهرت هذه الظاهرة أول ما ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية بعد
الحرب العالمية الثانية حتى اتخذت مسمى ”Keeping up with the “Joneses؛ أي مواكبة الجيران فيما يقتنونه كشراء سيارة جديدة أو تجديد
واجهة المنزل، والآن، وبسبب وسائل التواصل الاجتماعي، اتسعت دائرة المواكبة لتشمل
العالم بأسره.
كيف تحمي نفسك من الوقوع ضحية لهذه الحيل؟
الوعي هو سلاحك
الأول، لا يمكن لأحد أن يخدعك إذا كنت تعرف كيف يعمل الخداع، وأولى خطوات هذا
الوعي أن يصير الإنسان أكثر إدراكًا للعالم من حوله، هذا العالم الرأسمالي الذي
أبدعت الكاتبة في وصف الإنسان الذي يعيش في ظله حين قالت: على مدار القرن العشرين،
حافظت الرأسمالية على زخمها من خلال تحويل الشخص العادي إلى مستهلك لديه تعطش لا
يُروى لمزيد من الأشياء.
وكلما أدرك
الإنسان هذه الحقيقة مبكرًا، وحقيقة أن الاستهلاك لمجرد اقتناء الجديد أو للتفاخر
ما هو إلا وقود يغذي آلة الرأسمالية، كان حظه في النجاة من الوقوع فريسة لشباك
الاستهلاكية التي لا تنتهي أكبر.
وهذه بعض
النصائح العملية لتجنّب الوقوع في خداع المستهلك:
1- توقف لحظة
قبل الشراء: اسأل نفسك: هل أحتاج هذا الغرض فعلًا، أم أنني خائف من فوات العرض؟
2- قارن الأسعار
من مصادر مختلفة قبل أن تتأثر بـ«السعر الأصلي».
3- احذر من
العروض ذات العد التنازلي أو الكميات المحدودة، فغالبًا ما تكون مجرد خدعة لإجبارك
على القرار السريع.
4- درّب نفسك
على الوعي بالتحيزات المعرفية، فمعرفتها تقلل من تأثيرها عليك.
5- ضع ميزانية
والتزم بها، فهذا يجعلك تشتري بعقل لا بعاطفة.
الشراء
والاستهلاك أصبح هدفاً يركض وراءه الكثير من الناس لتسلق طبقة اجتماعية معينة أو
إثبات أهميتهم وكينونتهم، فقد تجاوز الأمر استخدام الإنسان للمال بغرض شراء ما
يحتاجه، حتى غدا يخترع احتياجات لا وجود لها، ويشتري بأموال لم يضمن حصوله عليها
(من خلال الأقساط والقروض وبطاقات الائتمان) ليعيش حلمًا ليس حلمه وحياة ليست ولن
تكون أبدًا حياته! فإلى متى يخدع الإنسان نفسه ويمنِّيها ويشقيها بما لا تستطيع به
صبرًا ولا تحملًا؟!