«الشهيد الصحفي» خلف كواليس الكاميرا!

في المستشفى بالتحديد على سرير المرض، كان الصحفي حسن إصليح ما زال يتلقى العلاج بعد إصابته بصاروخ داخل خيمة اجتمع بها مع زملائه الصحفيين، وكل واحد منهم كان يحاول نقل مشاهد الظلم والإبادة والمجازر المتتالية في قطاع غزة.

احترقت أجسادهم، ومنهم من ارتقى مشتعلاً، أما حسن فما زال في عمره بقية في ذلك الوقت، لكن إصابته كانت كبيرة ليس بالأمر الهين منها في الرأس، وبتر في أصابع يديه وإصابات أخرى في أنحاء متفرقة من جسده.

الصحفي حسن الذي كان عنواناً للحقيقة في نقله للأحداث والحروب والمجازر في غزة، وكان من الأوائل كذلك الذين نقلوا انتصارات «طوفان الأقصى»؛ الأمر الذي لم يرق للاحتلال ذلك، فكان ضمن الأهداف لمحاولات اغتيالات متكررة.

إصابة حسن وتلقيه العلاج في المستشفى لم يعطه الحصانة أمام صواريخ الاحتلال التي اغتالته وهو على سرير الجرح، فالاحتلال باغتياله تجاوز كافة الخطوط الحمراء، فكونه صحفياً وجريحاً بالوقت ذاته لم يشفع له.

مهنة المتاعب في زمن الإبادة.. استشهاد الصحفي حسن إصليح نموذجاً |  Mugtama
مهنة المتاعب في زمن الإبادة.. استشهاد الصحفي حسن إصليح نموذجاً | Mugtama
في زمن تتعالى فيه أصوات المدافع وتخفت فيه أصوات ال...
mugtama.com
×

حب الفقراء

حسن لم يكن مجرد صحفي ماهر في عمله، صادق في أخباره وصوره فحسب، بل كان صاحب قلب كبير أحبه كافة زملائه الصحفيين وغيرهم، فقد اتسم بقلبه الكبير، ومساعدة الآخرين، وتواضعه وبساطته رغم شهرته.

يد حسن التي كانت توثق وتحمل الكاميرا هي ذاته اليد الحنونة على الفقراء، حقاً كان لاسمه نصيب من ابتسامته ومعاملته وحبه للخير، حقيقة افتقدت غزة أمثالك، فلقد بكى على رحيلك الرجال كما بكت زوجتك وأطفالك على هذا الرحيل الذي أوجع قلوب كل من عرفك.

حسن لم يكن الصحفي الأول أو حتى الأخير في مجازر متتالية ما زالت غزة تشهدها، فالأعداد في تصاعد، والاحتلال المجرم لم يستهدف الصحفيين والصحفيات فحسب؛ بل كثيراً منهم كانوا محل استهداف مع عائلاتهم وقد محيت من السجل المدني!

أسماء كثيرة عملت مع بعضها خلال السنوات السابقة كان من الصعب عليَّ اليوم وداعها منها الزميلة الصحفية علا عطاالله التي لم أعلم باستشهادها إلا بعد شهور، حيث كان لاسمها نصيب في التميز، فكانت صاحبة قلم حصد العديد من الجوائز، فكلماتها كانت تخاطب القلب والعقل، فمهما كتبت من كلمات في تقاريرها الصحفية ستتابعها بشغف لتسلسل القصص الإنسانية التي حملت في أحشائها الفرح، والوجع، والأمل، والألم، والحياة والشهادة، والحصار إلى أن انتهى بها المطاف حيث كانت هي الخبر في «طوفان الأقصى».

رحلت دون وداع، ودون قبلة على جبينها، ودون أن أحتضنها وأرى ابتسامتها المعهودة.

رحلت دون أن نجلس ونستذكر كثيراً من الأحداث والمواقف التي مرت في حياتنا الإعلامية وخاصة التي خرجنا بها سوياً لإعداد قصة إنسانية عن شهيدة، فحضرنا وداعها بجوار والدتها التي كان من الصعب على أقلامنا أن تكتب المشهد فبكت عيوننا قبل أن يكتب القلم.


الصحفية علا عطاالله 

الفارق ساعات!                                                                                                                                                                                                            

الشهداء ليسوا أرقاماً، فكل منهم يحمل حكاية، وكل واحد منهم له عائلة تنتظره، كما كانت زوجة الصحفي يحيى صبيح تنتظر زوجها، فكانت قبل رحيله بخمس ساعات فقط أنجبت طفلتهما، لكن الانتظار طال فلم يعد إلا محمولاً على الأكتاف ملطخاً بدمائه الطاهرة.

سيكون صعباً جداً على قلب طفلتك يا يحيى حينما يكون تاريخ ميلادها هو ذاته تاريخ شهادتك!

طفلتك ستبحث عنك في كل الوجوه، لكنها لن تجدك، من الصعب عليها أن تعلم بأنك لن تعود.

وفي حكاية أخرى كانت ساعات قليلة الفاصلة بين استشهاد الصحفي أيمن الجدي، وميلاد طفله الأول الذي حمل نفس اسم والده أيمن.

لم تكن ساعات عادية؛ بل ساعات حملت الكثير من الوجع ليس وجع المخاض لزوجته دانية فحسب؛ بل أوجاع اجتمعت عليها بعد ارتقاء زوجها أيمن الذي كان يحلم بلهفة كبيرة أن يرى ويحتضن طفله الأول الذي انتظره بشوق كبير.

كان قلب أيمن يتلهف ليوم ميلاد طفله، ليحمل لقبه الأول في حياته «بابا»، حيث كان يعد الشهور التي كانت صعبة وثقيلة عليه، فكان اليوم بمثابة عام جراء الحرب الممتدة منذ أكثر من عام.

الصحفي أيمن الذي تنقل بين أحداث الحرب الطاحنة في أيامها وشهورها التي ما زالت قائمة عاش بها الكثير من الوجع والجوع والفراق والبرد، كذلك كان يبكي كثيراً خلف الكاميرا، وحينما يعود إلى عائلته في خيمة عجزت أن تعطي قلبه الموجوع شيئاً من الدفء، فكان الصقيع يتسلل إلى جسده المرتجف برداً وجوعاً وتعباً؛ الأمر الذي جعل من الصعب عليه أن يخفي دموعه.

ورغم ذلك، فإن الميكروفون لم يسقط من يده، فكان يتنقل به بين شوارع وأحياء غزة التي اختفت ملامحها الجميلة وأصبحت ركاماً فوق رؤوس ساكنيها، فكان يعمل لساعات طويلة في الليل والنهار تحت وابل القصف الشديد.


الصحفي أيمن الجدي

السترة الزرقاء

وارتداء جسده السترة الزرقاء التي تحمل كلمة (Press) لم تشفع له أمام صواريخ الاحتلال التي استهدفته واستهدفت زملاءه بشكل متعمد وهو في داخل سيارة تحمل الكلمة ذاتها صحافة.

مشهد حرق أيمن وزملائه كان مؤلماً، حيث رأته والدته والنار تلتهم جسده، فلم يكن لها حيلة أن تطفئها، فصواريخ الاحتلال كانت أكبر بكثير من أن تفعل والدته شيئاً لإنقاذه.

استشهاد أيمن كان أمام مستشفى العودة وسط قطاع غزة هو ذاته المستشفى الذي كان ينتظر فيه لحظات ميلاد زوجته.

أيمن الصغير لم يكن الجنين الوحيد في قطاع غزة الذي يولد يتيماً، فهنالك الكثير من الحكايات التي شابهت حكايته لأطفال حرموا منذ يومهم الأول من حضن والدهم الدافئ، كما حرموا من لهفة آبائهم بلقبهم الأول للأبوة «بابا».

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة