وجوب إنكار المعاملات الربوية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام
على أشرف المرسلين، نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين، وبعد:
فمن الظواهر السيئة التي برزت في صحفنا:
الدعوة إلى الربا، ومن ذلك ما نشر بجريدة «الجزيرة»، في العدد (2263)، بتاريخ 11
شوال 1398هـ تحت عنوان «خططنا للضمان الممتاز»، وكذلك ما جاء من الدعوة إلى الربا
في الصحف والمجلات المحلية.
وهذه المعاملات من الربا المحرم بالكتاب
والسُّنة والإجماع، وقد دلت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية على أن أكل الربا
من كبائر الذنوب، ومن الجرائم المتوعد عليها بالنار واللعنة.
قال الله تعالى: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ
وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ
خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ {274} الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا
لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ
الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا
وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن
رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ
فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {275} يَمْحَقُ اللّهُ
الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) (البقرة)،
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن
كُنتُم مُّؤْمِنِينَ {278} فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ
اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ
تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ) (البقرة).
ففي هذه الآيات الدلالة الصريحة على غلظ
تحريم الربا، وأنه من الكبائر الموجبة للنار، كما أن فيها الدلالة على أن الله
سبحانه وتعالى يمحق كسب المرابي، ويربي الصدقات؛ أي يُربيها لأهلها وينميها؛ حتى
يكون القليل كثيرًا إذا كان من كسب طيب.
وفي الآية الأخيرة التصريح بأن المرابي
محارب لله ورسوله، وأن الواجب عليه التوبة إلى الله سبحانه وأخذ رأس ماله من غير
زيادة.
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنه: «لعن آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه»، وقال: «هم سواء» (رواه مسلم).
وهذه المسألة التي كثرت الدعاية لها في
الصحف والمجلات، من المسائل التي بحثها مجلس (هيئة كبار العلماء في المملكة
العربية السعودية)، وهذا مضمون ما قرره: "وضع الأموال في البنوك لأخذ فائدة
ربوية بنسبة معينة، يحصل عليها صاحب المال من البنك ونحوه، ويدفعها له إما بعد مضي
الأجل الذي يتفق عليه، وأما عند سحب المال، فيدفع له ما اتفق عليه من الربا الذي
سمي ربحًا أو فائدة وهذا ربا صريح حرمه الله ورسوله، وأجمع سلف الأمة الإسلامية
على تحريمه، وتسميته وديعة أو باسم غير ذلك لا يغير من حكم الربا المحرم فيه
شيئًا؛ فقد جمع ربا الفضل وربا النسيئة؛ لأنه بيع نقود بنقود نسيئة بزيادة ربح
ربوي إلى أجل". انتهى.
والواجب على ولاة الأمور وعلى علماء
الإسلام في كل مكان، إنكار مثل هذه المعاملات الربوية والتحذير منها، كما أن
الواجب على وزارة الإعلام منع نشر هذه المعاملات الربوية والدعاية إليها في جميع
وسائل الإعلام؛ عملًا بقول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى
الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (المائدة:
2)، وقوله سبحانه: (وَلْتَكُن
مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران: 104)،
وقوله تعالى: (لُعِنَ
الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى
ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ {78} كَانُواْ لاَ
يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) (المائدة)،
وقوله سبحانه: (وَالْعَصْرِ
{1} إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ {2} إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (العصر).
__________________
المصدر: مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن
باز (19/ 177).