ذوو الإعاقة.. بين الإسلام والرأسمالية
بحسب تقرير صادر
عن المنظمة العربية للتربية والثقافة، فإن ذوي الإعاقة في العالم العربي يمثلون
نحو 2% من إجمالي السكان مع تفاوت في هذه النسبة بين الدول العربية، بما يعني أن
عددهم يتراوح ما بين 9 إلى 10 ملايين مواطن في حال افترضنا أن عدد أبناء الوطن
العربي يتراوح ما بين 450 إلى 500 مليون نسمة.
وعلى الرغم من
مصداقية التقرير الصادر عن منظمة ذات موثوقية عالية، فإن هذا العدد ربما يكون أقل
من العدد الحقيقي لذوي الهمم، فبعض التقارير تصل بهم لأكثر من 30 مليون نسمة، وهو
التفاوت الذي يعود لأسباب منها الاختلاف حول تعريف الإعاقة، وعدم رغبة بعض الأسر
في الإبلاغ عن ذوي الهمم فضلاً عن الإعاقات الناجمة جراء الحروب والكوارث.
وينسحب الأمر
على العالم كله، ففي حين تقدر منظمة الصحة العالمية عددهم بنحور 1.3 مليار نسمة،
إلا أن هناك تبايناً للتقديرات أيضاً يعود لاختلاف التصنيفات وأساليب القياس، ومع
ذلك يمكننا القول: إنهم يمثلون من 15 إلى 16% من المجموع الكلي.
ونتيجة لهذه
الأعداد الكبيرة من ذوي الهمم، فإن قضيتهم واحدة من أهم القضايا الاجتماعية
والإنسانية في العالم كله؛ ومن ثم فهي اختبار حقيقي لإنسانية وحضارية أي نظام
حاكم.
موقف الإسلام
ينطلق الإسلام
في نظرته للبشرية جمعاء من باب تكريم الله لكل بني آدم حيث يقول الله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ
وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ
مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (الإسراء: 70)، فالكرامة ثابتة لكل إنسان
بغض النظر عن عرقه ولونه وجنسه أو حتى حالته الجسدية أو العقلية.
واستناداً لهذا
التكريم، جاءت نظرة الإسلام لذوي الهمم، فهي نظرة إنسانية قائمة على الكرامة
والمساواة والرحمة؛ إذ اعتبر أن الإعاقة ليست انتقاصاً منهم أو من حقوقهم أو سبباً
للتقليل من شأنهم والحط من قدرهم، ذلك أن معيار التقوى والعمل الصالح الذي وضعه
للتفاضل بين البشر هو الأكثر عدلاً إذ يمكن للجميع أن يحصلوه إن أرادوا.
وتأكيداً على
ذلك، لم يربط الإسلام بين الإعاقة والعقوبة أو غضب الله، فهي ابتلاء يمكن أن يرفع
الدرجات ويكفر الذنوب خاصة لأولئك الذين رضوا به وصبروا عليه مصداقاً لقوله تعالى:
(إِنَّمَا يُوَفَّى
الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (الزمر: 10).
والحقيقة أن
موقف الإسلام من ذوي الهمم ليس مجرد موقف نظري، بل إنه اشتمل على اتخاذ عدة خطوات
عملية تساعدهم على الارتقاء والشعور بالمساواة، فعلى مستوى التكاليف الشرعية حرص
الإسلام على مخاطبتهم بحسب قدرتهم، فلا يكلفون بما لا يطيقون فقال تعالى: (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ
وُسْعَهَا) (البقرة: 286).
كما منحهم
الكثير من الرخص خاصة فيما يتعلق بالأعمال التي يصعب قيامهم بها فقال تعالى: (لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَىٰ حَرَجٌ
وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) (النور: 61)،
فإذا صعب عليهم مثلاً المشاركة في الجهاد فلهم حق القعود.
كذلك رفض
الإسلام بشكل حاسم السخرية منهم أو حتى تسمية أحدهم باسم يؤذيه نفسياً، مصداقاً
لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا
مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ
وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ) (الحجرات: 11).
ورفض أيضاً
تجاهل ذوي الهمم نظراً لما لذلك من أثر نفسي سيئ عليهم، وهو ما أجمله القرآن
الكريم في عتابه للنبي صلى الله عليه وسلم في صدر سورة «عبس» حين جاء الصحابي
الجليل عبدالله بن أم مكتوم –وكان أعمى– للرسول صلى الله عليه وسلم يسأله عن الدين،
فيما كان النبي صلى الله عليه وسلم منشغلاً بدعوة أحد سادات قريش فنزلت: (عَبَسَ وَتَوَلَّى {1} أَن جَاءهُ
الْأَعْمَى {2} وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى {3} أَوْ يَذَّكَّرُ
فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى) (عبس).
وفوق ذلك حرص
الإسلام على مشاركة ذوي الهمم في المجتمع وإبراز قدراتهم، فالإعاقة ربما تحول بين
صاحبها والقيام ببعض الأعمال، لكنها في الوقت ذاته ربما تكون دافعاً قوياً للتميز
في أعمال أخرى، وهو ما دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يتخذ من عبدالله بن أم
مكتوم مؤذناً له بعد بلال بن رباح رضي الله عنهما، أو أن يستخلفه على المدينة عند
خروجه للغزوات، أو أن يتميز الصحابي عبدالله بن عباس، وكان ضعيف البصر في التفسير
حتى يصبح ترجماناً للقرآن.
بل لم يمانع
الرسول صلى الله عليه وسلم من أن يشارك بعضهم في الجهاد وهو غير مكلف به تلبية
برغبته، كما حدث مع عمرو بن الجموح، وكان أعرج، فخرج واستشهد في غزوة «أُحد».
ولم يقتصر الأمر
على زمن النبي صلى الله عليه وسلم، بل كان ذلك على مدار كل الحقب الإسلامية، حيث
ولي الكثير من ذوي الهمم العديد من المسؤوليات سواء ما تعلق منها بالولاية على
الأمصار أو بالعلم أو غير ذلك.
وعلى مستوى
المساعدات، فقد سبق الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه كل المجتمعات الحضارية قبل
الإسلام وبعده في أن يفرض لذوي الهمم رواتب ومعاشات من بيت المال، بل كان يتفقدهم
بنفسه ويخصص لهم من يخدمهم إذا احتاجوا.
موقف الرأسمالية
لنتفق أولاً على
أن الرأسمالية من حيث كونها نظاماً اقتصادياً واجتماعياً يقوم على مجموعة من
المبادئ، منها الملكية الخاصة وحرية السوق والمنافسة ودافع الربح والدور المحدود
للدولة فضلاً عن الطبقية، تنظر بدونية كبيرة للكثير من المشاعر البشرية والقيم
الإنسانية؛ وهو ما كان سبباً في وقوع ملايين الضحايا في صراع ترسيخ وجودها.
فالرأسمالية
القائمة على المنافسة والربح والإنتاجية تقاس فيه قيمة الفرد بمدى مساهمته في
الإنتاج، ومدى قدرته على العمل؛ وهو ما يجعل ذوي الهمم بشكل تلقائي في مرتبة أدنى
من غيرهم.
وعلى الرغم من
أنه ومع تطور المجتمعات الرأسمالية –الغربية خصوصاً– ومحاولات هذه المجتمعات لسن
تشريعات لتقديم الرعاية الاجتماعية لذوي الهمم، فإن ثمة ملاحظة مهمة حول هذه
الخطوات، وهي أنها لم تكن نابعة من النظام الرأسمالي ذاته، بل كانت نتيجة ضغوط
بعدما تمكنت العديد من المنظمات الحقوقية والأحزاب من تنظيم العديد من الفاعليات
المطالبة بالاهتمام بهذه الفئات.
يدلل على ذلك أن
الكثير من برامج الرعاية والتوظيف تخضع لمنطق السوق والمسارات البيروقراطية
الطويلة والمعقدة، ومن ثم النظر إليهم باعتبارهم درجة ثانية من حيث المهام ومن حيث
الرواتب، كما أن الرأسمالية تنظر لهذه البرامج باعتبارها عبئاً اقتصادياً على
الميزانية.
وفي حين تستغل
بعض الشركات الرأسمالية هذه الرعاية كجزء من العملية التسويقية والدعائية لتحسين
صورة هذه الشركات للتمويه على جرائم أخرى، فإن هذه الرعاية تغيب بشكل شبه تام في
المجتمعات الرأسمالية النامية التي تضعف فيها قدرات المنظمات الحقوقية.
وختاماً، لا
تعني المقارنة بين موقفي الإسلام والرأسمالية من ذوي الهمم إلا محاولة لكشف الفروق
بين رؤية الدين الصواب وتلك الأيديولوجيا التي يرى الغرب أنها أرقى ما توصل إليه
الفكر البشري في العالم.
والحقيقة أن
مقارنة الإسلام بغيره من نتاجات الفكر البشري ستصب بطبيعة الحال في صالح الإسلام،
فقد كان الأسبق والأعمق في فهم النفوس البشرية واحتياجاتها كون أن مبادئه وأسسه
إلهية.
اقرأ أيضاً: