هل الحجاب قيد على تفكير وحرية المرأة المسلمة؟

يدّعي خصوم الإسلام أن ديننا يقيّد تفكير
وحرية المرأة، بفرضه الحجاب عليها، الذي يعوق إمكاناتها ويجعلها فريسة الجهل.
وللرد على هؤلاء، يؤكد علماؤنا أن
الإسلام حريص على إقامة مجتمعات آمنة من الفتنة، خالية من الاختلاط الماجن والفوضى
الجنسية، التي تحوّل الإنسان من مخلوق كرّمه الله على سائر مخلوقاته إلى كائن
شهواني مشوّه لا يشغله سوى الوطء والسفاد.
وفي سبيل ذلك، قنن الشرعُ ما يظهر وما
يخفى من عورات الرجال والنساء، وحظر الأقوال والأفعال التي تشيع الفاحشة بين
الناس، فمنع العري، وسد منافذ الفتن التي يأتي غالبها عن طريق التبرج والسفور؛ (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا
تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) (الأحزاب: 33)، وأمر
بغضّ البصر للرجل والمرأة على السواء؛ (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا
فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {30}
وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ
وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) (النور)، «يا
علي، لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى وليس لك الآخرة» (رواه الترمذي).
لماذا الحجاب؟
وقد ألزم الإسلام المرأة الحجاب
باعتبارها فتنة الرجل؛ ولأن غريزة التبرج وإظهار الزينة من أحب الأشياء إلى قلبها،
فهي راغبة -بفطرتها- في إظهار محاسنها ومفاتنها للرجال، والرجل بطبيعته ميّالٌ
إليها، منجذبٌ لها، رهنٌ بإشارتها.
والإسلام عندما يفعل ذلك إنما يحمي
مجتمعاته من تبرج الجاهلية التي تكتوي المجتمعات الأخرى بنارها، كما أنه يسمو
بالمسلمة، راغبًا ألا تعود بنفسها إلى عهد الرقيق اللاتي كنَّ يعرضن مفاتنهن في
أسواق النخاسة، وهو يحميها أيضًا من الوقوع في أيدي الذئاب الذين يتربصون بفرائسهم
ليفتكوا بها.
والإسلام ليس بدعًا بين الأديان في هذا
الأمر، فقد كان الحجاب معروفًا في عهد إبراهيم عليه السلام، وعرفته سائر الأديان،
بل عُرف البرقع الذي يغطي الوجه كله، كما أن ستر العورة فطرة أصيلة، أوجدها الله
في الإنسان؛ (يَا بَنِي
آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا
وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ
يَذَّكَّرُونَ) (الأعراف: 26).
صفة حجاب المرأة المسلمة
يشترط الإسلام في زي المرأة أن يستر جميع
بدنها عدا الوجه والكفين، وأن تلتزم المرأة الاعتدال في زينتها، وأن يكون لباسها
مما تعارف عليه الناس في مجتمع المسلمين، وأن يكون مخالفًا -في مجموعه- للباس
الرجال، وليس في الإسلام زي محدد للمرأة، لكنه يشترط في ثيابها ألا تشف ولا تصف،
وأن تكون فضفاضة، وألا تكون لباس شهرة، وألا تكون متعطرة.
والحجاب بهذه الصفة لا يمنع المسلمة من
الخروج من بيتها، ولا يمنعها من العمل، ولا يمنعها من تلقي العلم في أعلى درجاته؛
لأنه ليست هناك علاقة بين الحجاب والجهل ولا بين السفور والعلم، والذي فرض الحجاب
أراد به تحرير المرأة من قيود وجهالات كثيرة، فهو رمز لحرية الفكر، وأداة لصيانة
المرأة، ونور فوق رأسها يرمز إلى أنها خرجت به من ظلمات الجهل إلى أنوار العفة
والفضيلة.
مشاركة المرأة في الحياة
العامة
لقد أباح الإسلام للمرأة أن تشارك في
الحياة العامة، وأن تدلي برأيها في كل أمر من أمور المسلمين، فهي ليست محصورة في
البيت لا تبرحه، بل لها أن تختلط بالرجال وأن تتحدث معهم وتشاركهم أعمالهم، بضوابط
الشرع التي حددها العلماء، بغض البصر، والتزام اللباس المحتشم، وأن يكون كلامها
وقورًا بعيدًا عن الإغراء والإثارة، وأن تتحلى بالحياء في مشيها وحركاتها، وألا
تختلي برجل، وأن تكون لقاءاتها بالرجال محصورة في حدود الحاجة.
وإذا كان الإسلام قد وضع خطوطًا فاصلة في
مجتمعاته بين الجنسين، فإنه في المقابل يضرب بيد قوية على من يلغي هذه الفواصل
ويتعدى حدودها؛ لأن هذا يعني انحلالًا أخلاقيًّا، ومشكلات اجتماعية لا حصر لها،
وأمراضًا وطواعين فتاكة، وبهذا نصير كالغرب الذي يحاصره الموت والعذاب من كل مكان
وما هو بميت.
فهم خاطئ
وإذا كان خصوم الإسلام ومن يتبعونهم من
المنافقين يريدونها إباحية مطلقة، تقضي على الفضيلة وتشيع الرذيلة، فإن هناك -في
المقابل- فريقًا من المسلمين يضيقون على المرأة ويريدون حبسها، بما يتنافى مع ما
جاء به الإسلام وبما يشوه الفطرة ويوقع الخلل في توازن المجتمع، فمنهم من يصر على
عدم إخراج المرأة من بيتها، إلا لزوج أو لقبر! ونسوا أو تناسوا ما جاء به القرآن،
وما حفلت به السُّنة المطهرة من صور ومشاهد لنسوة خرجن للعمل والخدمة واختلطن
بالرجال؛ (وَلَمَّا وَرَدَ
مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن
دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ) (القصص: 23).
ومنهم من يرى صوتها عورة، وهذا لا يستند
إلى دليل صحيح في الإسلام، فالنساء على عهد النبي صلى الله عليه وسلم حادثن
الرجال، وسألنه في أمور الدين، وذهبن إلى الأسواق، ومارسن الأنشطة، بل كانت منهن
راويات للحديث، وشاعرات وفقيهات، ولم نسمع عن نهيٍ فيما فعلن.
إن المحظور على المرأة المسلمة هو ألا
تخضع بالقول، ولا ترقق كلامها، ولا تلين بالحديث مع الرجال الأجانب، وهذا ليس عدم
ثقة بالنساء، وإنما حماية لهن ممن لا خلاق لهم من الرجال.
قول في كشف وجه المرأة
ومن هؤلاء من يعتبر وجه المرأة عورة،
وهذا قول يحتاج إلى دليل، فلم يرد نص صريح من القرآن ولا بيان واضح من السُّنة
يوجب ستر الوجه، ولو صح وجوبه لانتشر وأصبح مما يُعلم من الدين بالضرورة؛ «لأن كشف
الوجه من سنن الحياة الإنسانية، والناس بحاجة -في كل وقت- أن تكشف المرأة وجهها
للتعرف إلى شخصيات المخاطبين وأحوالهم؛ ولتشجيع المرأة على المشاركة الاجتماعية،
ولتحقيق الرقابة المجتمعية، ولتخفيف حدة الفتنة، ولتنشيط حياء المرأة، كما أن في
ذلك قدرًا من الصحة النفسية» (تحرير المرأة في عصر الرسالة، عبد الحليم أبو شقة،
1995م).
وقد كان سفور المرأة هو الغالب في مجتمع
المسلمين على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أمر الخاطب بأن ينظر إلى مخطوبته،
وكانت المسلمات يخرجن للصلاة كاشفات الوجوه؛ عن عائشة رضي الله عنها: «كن نساء
المؤمنين يشهدن مع رسول الله صلاة الفجر متلفعات (متغطيات الرأس) بمروطهن (ثوب غير
مخيط) ثم ينقلبن (يرجعن) إلى بيوتهن حيث يقضين الصلاة، لا يعرفهن أحد من الغلس
(ظلمة آخر الليل مع نور الصباح)» (رواه البخاري، ومسلم).
بل لقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم
إذنًا صريحًا بأن تبدي المرأة وجهها وكفيها؛ عن عائشة رضي الله عنها، أن أسماء بنت
أبي بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها وقال
لها: «يا أسماء، إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يُرى منها إلا هذا وهذا»،
وأشار إلى وجهه وكفيه. (أبو داود).