عامان على «طوفان الأقصى».. المكاسب والخسائر

محمد جمال عرفة

07 أكتوبر 2025

213

بينما نحتفل بإنجازات معركة «طوفان الأقصى» 7 أكتوبر 2023م، مع دخول ذكراه الثانية، حين شاهد العالم مقاتلي غزة وهم يتجولون في مستوطنات «إسرائيل» على حدود غزة بعدما اقتحموها في موقعة مبهرة وتغلبوا على جيش الاحتلال، تطرح الذكرى تساؤلات عن حجم المكاسب، وبالمقابل الخسائر التي نجمت عنها.

فالمكاسب الأهم كانت كشف عورة الاحتلال وإظهار أنه نمر من ورق، ولولا الدعم الأمريكي والغربي وتواطؤ جهات أخرى مع الاحتلال؛ لانتهى أمره، فضلًا عن إعادة قضية فلسطين إلى الساحة العالمية بعدما ماتت.

أما الخسائر فترجع بالدرجة الأولى لخذلان العالم لغزة والمقاومة، وحشد اللوبي الصهيوني الإعلام الغربي لفرض رؤيته وسرديته المضللة وإبادة غزة والدعوة لفرض خطط لتسليم سلاح «حماس».

مكاسب عظيمة

الأول: كان المكسب الأول والأهم كسر الفلسطينيين شوكة «إسرائيل» وجيشها رغم الدمار الهائل وضخامة أعداد الشهداء والجرحى في غزة، فاعترافهم قتل حتى الآن 2352 صهيونياً من الجيش والشرطة والمستوطنين منهم 1200 في اليوم الأول للمعركة والباقي خلال العدوان على غزة.

الثاني: تمثل المكسب الثاني في قلب الشعب الفلسطيني والمقاومة معركة الصورة، فبعدما كانت «إسرائيل» توظف الإعلام الغربي لصالحها وتستمر في الكذب وشيطنة المقاومة؛ زاد التعاطف الشعبي الدولي وعاش سكان العالم ونجحت غزة في إيصال صوتها لكل مكان، وباتت المظاهرات لا تنقطع لدعم فلسطين في أوروبا وأمريكا.

وهو ما دفع «إسرائيل» لشراء المؤثرين على مواقع التواصل، وتوظيف شركات الدعاية لتحسين صورتها المتدهورة كدولة إبادة عنصرية وقتلة، حتى إن صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية كشف، في 6 أكتوبر 2025م، أن حكومة الاحتلال خصصت أكثر من نصف مليار شيكل (حوالي 145 مليون دولار) في ميزانيتها للتأثير على وسائل التواصل الاجتماعي و«ChatGPT»، وجعله يدافع عنها.

وكشف موقع «ريسبونسيبول ستيت كرافت» أن وزارة الخارجية «الإسرائيلية» جندت شباباً أمريكيين (مؤثرين يسمون «أنفلونسرز») للعمل لتلميع صورتها والدفاع عنها مقابل 7 آلاف دولار للمنشور الواحد.

الثالث: كان من أهم مزايا «طوفان الأقصى» أنها هدمت العلاقة بين «إسرائيل» والشعب الأمريكي (لا الحكومة) وأصبح الأمريكيون يدركون من هم هؤلاء القتلة الذين يمتصون دماءهم ويعيشون عالة على بلادهم ويتحكمون فيمن يحكمونهم، ويطالبون بإسقاط هيمنة «إسرائيل» على صناعة القرار الأمريكي.

فلأول مرة يتجرأ نواب من الكونغرس من داعمي ترمب و«إسرائيل»، منهم مارغوري تايلور جرين، والمذيعون، مثل تاكر كارلسون، على المطالبة بفض العلاقة المشبوهة بين حكومتهم أمريكا وهذه الدولة المارقة «إسرائيل» التي تبتزهم وتسيطر على ساسة أمريكا وتنهب خيرات الأمريكيين.

وانتقدت النائبة الجمهورية أكبر داعمة لترمب مارغوري تايلور جرين «إسرائيل» وابتزازها لنواب الكونغرس وكتبت تقول: كيف تسيطر «إسرائيل» عبر «آيباك» (مجموعة ضغط يهودية) على أعضاء الكونجرس الأمريكي؟

الرابع: عودة القضية الفلسطينية إلى واجهة الأحداث العالمية بعد أن كاد يطويها النسيان، وزيادة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ولأول مرة تعترف بها 5 دول أوروبية دفعة واحدة؛ ليصل مجموع من يعترف بها 152 دولة، ومطالبة الجميع بدولة للشعب الفلسطيني.

الخامس: فرملة قطار التطبيع الذي كان منطلقًا قبل «طوفان الأقصى» بين «تل أبيب» والعديد من العواصم العربية والإسلامية، وتحول دول عربية كانت على وشك الوقوع في فخ التطبيع إلى أكبر معارض للتطبيع.

السادس: بسبب وضوح النوايا العدوانية الصهيونية ضد كل الدول العربية والإسلامية وحديث نتنياهو وأعضاء حكومته المتطرفين من التيار الصهيوني الديني المتطرف، عن حلم «إسرائيل الكبرى» وأحلام توراتية، بدأت دول عدة تتحالف خاصة مصر وتركيا لممارسة دور أكبر في غزة والعالم وتحجيم نفوذ الاحتلال.

وكان التحالف المصري-التركي، والباكستاني-السعودي من نتائج «طوفان الأقصى»؛ لأن طوفان «حماس» دمر صفقة القرن وموجات التطبيع.

السابع: كشف «طوفان الأقصى» عنصرية وازدواجية الإعلام الغربي وتبعيته لـ«إسرائيل» واللوبيات اليهودية المؤثرة، حين ظهر انحياز الإعلام الغربي ونقله عن الإعلام «الإسرائيلي» قصصاً وهمية هدفها تبرير إبادة غزة.

وكان من أبرز هذه القصص الكاذبة الحديث عن أن المقاومة قتلت 40 رضيعًا «إسرائيليًا» ووجدوهم مقطوعي الرؤوس! وأن مقاتلي «حماس» اغتصبوا «إسرائيليات»، وهي قصص روج لها الإعلام الغربي ثم اعتذر.

الثامن: كان اقتصاد «إسرائيل» أكثر من تضرر من «طوفان الأقصى» بسبب تكاليف الحرب الباهظة التي بلغت في عامين (منذ 7 أكتوبر 2023م) أكثر من 21.7 مليار دولار، وفق مشروع «تكاليف الحرب» في كلية واتسون للشؤون الدولية والعامة بجامعة براون، وتدهور اقتصادها وانهيار مصانعها بفعل المقاطعة.

فقد بلغت تكلفة الحرب المبكرة (أو أول أيامها) 27 مليار شيكل (7 مليارات دولار) حسب «بنك إسرائيل» بسبب تعبئة الاحتياط واستدعاء مئات الآلاف من الجنود وتكاليف أخرى مرتبطة بالحرب.

وبلغت الخسائر الاقتصادية الإجمالية بين 30 - 50 مليار شيكل (8-13 مليار دولار) بما فيها نفقات عسكرية، وتعويضات، وأضرار بممتلكات المستوطنات، وأضرار بالطيران، وتجارة، وإغلاق مطارات، وتراجع السياحة.

التاسع: وهو مهم للغاية، مكاسب المقاومة و«حماس» من خلال «طوفان الأقصى» حسب المصادر «الإسرائيلية» والأجنبية، ومنها: الردع الأمني والاستخباراتي من جانب المقاومة للاحتلال، حيث فشلت أجهزة الاستخبارات «الإسرائيلية» في توقع العملية بشكل كامل، مفاجأة كبرى من حيث الزمان والمكان.

هناك أيضاً الكلفة المعنوية والسياسية التي تمثّلت في إضعاف الشعور بالأمان داخل «إسرائيل»، والتحولات في الرأي الشعبي «الإسرائيلي» تجاه الحرب والمستوطنات.

هل للطوفان خسائر؟

طبيعة الحرب أنه ينتج عنها ضحايا وشهداء، لكن المقاومة لم تتصور حجم الغل والعدوانية الصهيونية المدعومة بآلة الحرب الأمريكية والأوروبية، وحجم القتل العشوائي والتدمير والتباهي بهذه المجازر والمذابح.

والأخطر أن المقاومة لم تتصور حجم الخيانة التي قوبلت بها «طوفان الأقصى» من جانب بعض العرب والصمت العالمي على الجرائم التي تفوق ما فعله هتلر مئات المرات، وبسببه تعاظمت خسائر غزة والمقاومة واشتد الحصار على الشعب في غزة.

كان تدمير قطاع غزة أبشع وأكثر هذه الخسائر تأثيراً؛ ما دفع البعض لاعتبار أن معركة «طوفان الأقصى» كانت «خطأ» رغم أنها عملية مباركة استهدف هز الوجدان العربي والإسلامي والعالمي وإيقاف المد والعلو الصهيوني.

أيضاً فقدت المقاومة العديد من قادتها على المستويين السياسي والعسكري بسبب عمليات الاغتيال الصهيونية بدعم أمريكي.

وساهم تأخر «محور الممانعة» الذي تقوده إيران في دخول حرب «طوفان الأقصى» في انهياره سريعاً وقتل قادة «حزب الله» وإيران؛ ما انعكس سلباً على غزة.

موضوعات ذات صلة:

عامان على «طوفان الأقصى».. الغباءالسياسي لنتنياهو والنجاح التكتيكي لـ«حماس»

عامان على «طوفان الأقصى»‏

عامان على «طوفان الأقصى».. ملحمةالمقاومة ومعركة الوعي 

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة