هل تصوت الأحزاب الحريدية على حل «الكنيست» وإسقاط الائتلاف الصهيوني اليميني؟

إياد القطراوي

11 يونيو 2025

156

تعيش الساحة السياسية في دولة الكيان الصهيوني حالة من الترقب والقلق في ظل تصاعد الخلافات داخل الائتلاف الحاكم، خاصة بين مكوناته اليمينية والدينية، وفي قلب هذه التوترات تبرز الأحزاب الحريدية كطرف حاسم قد يقلب موازين القوى في الكنيست.

ومع اشتداد الضغوط العسكرية نتيجة الحرب على الجبهات المختلفة وخاصة غزة، وتزايد الجدل حول تجنيد طلاب المدارس الدينية (اليشيفوت)، والخلافات حول قضايا الدين والدولة، يُطرح سؤال جوهري: هل ستقدم الأحزاب الحريدية على خطوة غير مسبوقة وتؤيد حل الكنيست؛ ما يعني عمليًا إسقاط الحكومة اليمينية التي طالما شكلت حليفًا إستراتيجيًا لها؟

تحالفات في مهب العاصفة

في المشهد السياسي الصهيوني الحالي المعقد، شكلت الأحزاب الحريدية مثل «شاس» و«يهوديت هتوراة» حجر زاوية في الائتلاف اليميني، الذي يقوده حزب «الليكود» بزعامة بنيامين نتنياهو، لكن هذا التحالف التقليدي المبني على المصالح المتبادلة بين التيارات الدينية واليمين القومي، يواجه اليوم تحديات غير مسبوقة، في قلب هذه التحديات يقبع قانون تجنيد طلاب المدارس الدينية، الذي فجر خلافات حادّة تهدد بانفراط عقد الحكومة الصهيونية اليمينية، ومع اقتراب المهلة القانونية لتقديم حلول وإقرار قانون لهم في الكنيست لمنع تجنيدهم تتزايد التساؤلات: هل ستُقدم الأحزاب الحريدية على الخطوة الجريئة بالتصويت لصالح حلّ الكنيست؟ وهل نحن على أعتاب زلزال سياسي جديد في دولة الكيان؟

في يونيو 2024م، صوت الكنيست الصهيوني لصالح قانون تجنيد الحريديم، الذي يعفيهم من الخدمة العسكرية الإلزامية، وقد صوت لصالح القانون 63 عضوًا، في حين عارضه 57 عضوًا، وكان وزير الدفاع يوآف غالانت الوحيد من الائتلاف الحكومي الذي صوت ضد القانون، وفي يناير 2025م، هدد وزير المالية الصهيوني بتسلئيل سموتريتش بحل الكنيست إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن قانون تجنيد الحريديم وقانون الميزانية، وقد ردت الأحزاب الحريدية بتهديد مماثل، حيث أمهل رئيس حزب شاس أرييه درعي، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو مدة شهرين لتسوية مسألة إعفاء الحريديم من التجنيد، مهددًا بإسقاط الحكومة إذا لم تُحل القضية.

مسؤولون صهاينة: حكومة نتنياهو تتفكك.. وترمب لم يعد حليفاً موثوقاً |  Mugtama
مسؤولون صهاينة: حكومة نتنياهو تتفكك.. وترمب لم يعد حليفاً موثوقاً | Mugtama
تشهد الساحة السياسية في الكيان الصهيوني حالة من ال...
mugtama.com
×

تحالف تقليدي يواجه اختبار البقاء

منذ سنوات طويلة، تقوم العلاقة بين الأحزاب الحريدية واليمين «الإسرائيلي» على شراكة سياسية واضحة؛ دعم سياسي في مقابل حماية المصالح الدينية والاجتماعية لجمهور الحريديم، وقد نجح هذا التحالف، في أكثر من مناسبة، في ضمان استقرار حكومات اليمين، لا سيما تلك التي يرأسها نتنياهو، لكن الواقع اليوم بات مختلفًا، فالتغيرات في المزاج الشعبي والضغوط  السياسية العسكرية والاقتصادية، والانقسامات داخل المجتمع الصهيوني، جعلت هذا التحالف يواجه تحديات قد تكون مصيرية.

قانون التجنيد النقطة التي أفاضت الكأس

النقطة الأكثر توترًا اليوم هي الخلاف حول قانون تجنيد الحريديم، فالمحكمة العليا طالبت الحكومة بتسوية قانونية واضحة لتجنيدهم، فيما يرفض الحريديم أي خطوة تمس بالإعفاء التاريخي لطلَّاب التوراة، هذه الأزمة دفعت بعض قادة الأحزاب الحريدية إلى التلويح بالانسحاب من الائتلاف، إذا لم يتم التوصل إلى حل يضمن مصالحهم؛ ما يضع حكومة نتنياهو في مأزق حقيقي.

والمحكمة العليا في دولة الكيان ألزمت الحكومة مؤخرًا بسنّ قانون جديد للتجنيد، ينظم خدمة الشباب الحريديم في الجيش، بعد سنوات من الإعفاءات شبه الكاملة، بينما تطالب فئات واسعة من المجتمع بإقرار قانون عادل، تصر الأحزاب الحريدية على الإبقاء على الإعفاءات، باعتبار «دراسة التوراة» واجباً دينياً لا يقل أهمية عن الخدمة العسكرية.

هذه المعضلة وضعت نتنياهو في موقف حرج، فالتجاوب مع مطلب الحريديم يُضعف شرعيته أمام التيار العلماني، أما إغضاب الحريديم فقد يؤدي إلى تفكك الائتلاف وسقوط الحكومة.

اقرأ أيضاً: الانقسام المجتمعي داخل الكيان الصهيوني

الحسابات السياسية للحريديم.. تهديد أم خطوة جدية؟

يعتقد كثير من المراقبين أن تهديدات الأحزاب الحريدية بالانسحاب من الائتلاف لا تزال في إطار التكتيك السياسي، وهي تستخدمه للضغط على نتنياهو لتمرير قانون يحفظ مكانتها.

ومع ذلك، تشير بعض المؤشرات إلى وجود انقسام داخل القيادة الحريدية ذاتها، بين من يرى ضرورة التصعيد، ومن يخشى من نتائج انتخابات مبكرة قد تُضعف تمثيلهم البرلماني أو تقلل من تأثيرهم السياسي، ورغم التصريحات النارية، فإن قرار الحريديم بالتصويت فعليًا على حل الكنيست ليس سهلًا، فهم يدركون أن أي انتخابات مبكرة قد تعني خسارة قوتهم النسبية أو صعود قوى يمينية جديدة على حسابهم، لذلك، يرى كثيرون أن تهديدهم قد يكون أداة ضغط أكثر منه نيّة حقيقية.

وفي المقابل، سعى السفير الأمريكي لدى الكيان الصهيوني مايك هاكابي إلى إجراء مباحثات مع قادة من اليهود الحريديم، في محاولة لإقناعهم بأن الوقت الحالي غير مناسب للذهاب إلى انتخابات، والحيلولة دون حل الكنيست (البرلمان) وإسقاط حكومة نتنياهو، والمحافظة على استقرارها لمواجهة التحديات الخارجية على مختلف الجبهات في إيران ولبنان واليمن وغزة.

بعد قرار التجنيد.. هل يشعل «الحريديم» حرباً داخلية في الكيان الصهيوني؟ |  Mugtama
بعد قرار التجنيد.. هل يشعل «الحريديم» حرباً داخلية في الكيان الصهيوني؟ | Mugtama
نجحت عملية «طوفان الأقصى»، في 7 أكتوبر 2023م، في خ...
mugtama.com
×

انتخابات أم إنقاذ حكومي؟

إذا مضت الأحزاب الحريدية في التصويت على حل الكنيست، فإن الحكومة ستسقط وسيتوجه الصهاينة إلى صناديق الاقتراع في انتخابات مبكرة.

هذا السيناريو قد يفتح الباب أمام خريطة سياسية جديدة، ربما تشمل صعود قوى وسطية أو يسارية، خاصة في ظل الغضب الشعبي من أداء الحكومة في ملفات الحرب والاقتصاد، وبالمقابل، قد يختار نتنياهو تقديم تنازلات تكتيكية للحريديم لإطالة عمر حكومته، على الأقل حتى تهدأ الأزمات الكبرى.

ورغم أن التحالف بين اليمين والحريديم يبدو صلبًا من الخارج، فإن الضغوط الداخلية قد تدفع نحو تغييرات جوهرية، القرار بيد الأحزاب الحريدية، التي تجد نفسها بين خيارين صعبين؛ الحفاظ على التحالف مع الليكود رغم التنازلات، أو الدخول في مغامرة سياسية غير مضمونة النتائج.

ورغم تاريخ هذا التحالف الطويل بين اليمين والحريديم، فإن التوترات الحالية تُنذر بمرحلة جديدة من اللايقين السياسي، فالكرة الآن في ملعب الأحزاب الحريدية، التي تواجه معضلة حقيقية بين البقاء ضمن ائتلاف مضغوط قد يضعف مصداقيتها أمام جمهورها، وخوض مغامرة سياسية محفوفة بالأخطار.

الأيام القليلة المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مستقبل الحكومة، وربما مستقبل الخارطة السياسية في دولة الكيان بأكملها.


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة