أسباب التفكير السلبي.. و6 خطوات للتخلص منه
هل تساءلت
يوماً: لماذا يغلب على تفكيرنا السواد؟ لماذا نُضخّم الأخطاء الصغيرة حتى تغدو
جبالاً ونُصغّر إنجازاتنا حتى لا نكاد نراها؟ ما الذي يدفع الإنسان لأن يُصبح
أسيراً لأفكاره السلبية، فيعيش حبيس خوفه وقلقه وشكوكه في ذاته وفي الحياة؟
إنها أسئلة لا
تنبع من فراغ، بل من واقع يعيشه الكثيرون بيننا، واقع تتصارع فيه أصوات الأمل
واليأس ويبدو فيه التفكير السلبي سيد الموقف في زمن يزداد تعقيداً وضبابية كل يوم.
مفهوم التفكير السلبي
التفكير السلبي
ليس مجرد مرور فكرة قاتمة على ذهن الإنسان، وإنما هو نمط ذهنيّ مستمرّ يميل فيه
الفرد إلى تفسير الأحداث والظروف بطريقة تشاؤمية، فيُركّز على الاحتمالات الأسوأ
ويتجاهل الجوانب المضيئة في الموقف الواحد، هو نظارة سوداء يرى من خلالها كل شيء
داكناً، مهما كان في الأصل مشرقاً، إنه حالة من التشويه الإدراكي حيث يتحوّل العقل
من وسيلة للفهم والتأمل إلى آلة تنتج الخوف واللوم والقلق باستمرار، ففي رحاب
التفكير السلبي لا يمكن أن يُرى النجاح إلا صدفة، ولا يرى الفشل إلا قدراً
محتوماً، ولا يرى الإنسان ذاته إلا ناقصة مهما بلغت وعملت من إنجازات.
أهم أسباب التفكير السلبي
ليست السلبية
طبعاً يولد به الإنسان، وإنما هي نتاج تجارب وبيئات وأفكار موروثة تتغلغل في النفس
ببطء حتى تصبح جزءاً من طريقة التفكير، ومن أبرز أسبابها:
1- الخوف من
الفشل: كثيرون نشؤوا في بيئات لا تحتمل الخطأ، فتعلموا أن الفشل نهاية الطريق لا
بدايته، ومع تكرار الإحباط يبدأ العقل في تبنّي آلية دفاعية عنوانها توقّع المصيبة
دائماً؛ فيتحوّل الحذر إلى تشاؤم مزمن.
2- التربية
والنقد المستمر: الطفل الذي يسمع دوماً: أنت لا تستطيع، أنت مخطئ، غيرك أفضل منك،
يكبر وفي داخله صوت يردّد هذه الكلمات كلما حاول التقدّم، ذلك إن النقد السلبي
المتواصل يغرس جذور التفكير السلبي في الأعماق منذ الصغر.
3- تأثير
المجتمع والإعلام: حين تتغذّى يومياً على أخبار الكوارث والصراعات والخيبات، يصبح
من الصعب أن ترى العالم كمكان آمن، فالصورة التي تبثّها وسائل الإعلام عن الواقع
كثيراً ما تجعل الذهن مستعداً لتوقّع الأسوأ دائماً.
4- التجارب
الصادمة: من يمرّ بخسارة كبيرة أو تجربة مؤلمة، قد يبني جداراً ذهنياً يحميه من
تكرار الألم، لكنه في الوقت نفسه يمنعه من رؤية الجمال في الحياة، فالألم غير
المعالج يتحوّل إلى بذرة تشاؤم تنمو بصمت في الوعي.
5- ضعف الإيمان
بالذات: حين يفقد الإنسان ثقته بنفسه، يصبح أي تحدّ عنده تهديداً، وأي فشل تأكيداً
لضعفه، فيرى في الحياة خصماً لا فرصة وفي الناس منافسين لا شركاء.
كسر دائرة التفكير السلبي في حياتنا
قد لا ندرك أننا
نفكّر سلبياً؛ لأن هذا النمط يتسلل خفية إلى لغتنا اليومية وسلوكنا، ودائماً ما
نكرّر عبارات، مثل: لن أنجح، الحياة غير عادلة، كل الناس ضدّي، أنا غير كفء، هذه
الكلمات ليست بريئة؛ فهي تعيد تشكيل وعينا بطريقة تجعلنا نرى الأدلة على فشلنا
أكثر من أدلة نجاحنا، وهكذا نُغذي الدائرة المغلقة: أفكار سلبية ←
مشاعر سلبية ← سلوك سلبي ←
نتائج سلبية ← مزيد من الأفكار السلبية.
إن كسر دائرة
التفكير السلبي في حياتنا لا يحدث بين ليلة وضحاها، لكنه ممكن ويتطلب وعياً
وممارسة وصبراً، وفيما يلي بعض الخطوات والتوصيات التي يمكن أن تساعد في تحقيق ذلك:
1- مراقبة
الذات: أول خطوة نحو التغيير هي الملاحظة، فحين تلاحظ أنك تفكّر بطريقة سلبية،
توقف واسأل نفسك: هل هذه الفكرة حقيقة، أم مجرد خوف؟ هل لديَّ دليل عليها؟ غالباً
ما نكتشف أن كثيراً من أفكارنا مجرد افتراضيات لا أساس لها.
2- إعادة صياغة
التفكير: بدلاً من أن تقول: لن أنجح في هذا المشروع، جرّب أن تقول: سأبذل جهدي،
وإن فشلت فسأتعلم، هذه البساطة في إعادة الصياغة تفتح للعقل باباً جديداً نحو
الأمل.
3- تغذية العقل
بمصادر إيجابية: كما يتغذّى الجسد على الطعام، يتغذّى العقل على الكلمة والصورة،
فاقرأ ما يلهمك واستمع لما يرفعك، وتجنّب الغرق في الأخبار السلبية أو أحاديث
التذمّر.
4- ممارسة
الامتنان: ربما كتابة ثلاثة أشياء ممتنّ لها كل يوم تُعيد تدريب الدماغ على رؤية
الجمال في التفاصيل الصغيرة، فالعقل الذي يعتاد الامتنان يصعب عليه أن يغرق في
السلبية.
5- الإيمان
العميق بقيمة التجربة: ما نراه فشلاً قد يكون تدريباً على النجاح، فكل تجربة تُضاف
إلى نضجنا حتى لو لم تأت بالنتائج التي نريدها، ذلك أن الإيمان بأن كل شيء يحدث
لحكمة يحرّرنا من ثقل التشاؤم.
6- طلب المساندة
النفسية عند الحاجة: في بعض الحالات يكون التفكير السلبي مرتبطاً بالاكتئاب أو
الصدمات، وهنا لا بأس من اللجوء إلى مختص نفسي، فالعقل مثل الجسد يحتاج إلى عناية
وعلاج.
الأفكار تصنع الواقع
العلم الحديث
يؤكد ما عرفه الحكماء منذ قرون: أن الأفكار تصنع الواقع، وفي جامعة هارفارد أظهرت
الدراسات أن الأشخاص الذين يدرّبون أنفسهم على التفكير الإيجابي يتمتّعون بمستويات
أعلى من المناعة الجسدية والقدرة على التحمّل، وفي علم الأعصاب تبيّن أن الدماغ
قادر على إعادة تشكيل مساراته العصبية بناءً على نوع الأفكار المتكرّرة؛ أي إن
الإنسان يستطيع إعادة برمجة نفسه حرفياً عبر التدرّب على التفكير الواعي
والإيجابي، ومن الناحية الفلسفية يقول المفكّر الألماني فريدريش نيتشه: «من يمتلك
سبباً للحياة، يمكنه أن يتحمّل أيّ كيف».
حقيقة، إن السبب
لا يُولد من الفراغ، بل من الإيمان الداخلي بأن في داخلنا قدرة على التغيير، وأنّ
السلبية ليست قدراً أبدياً، بل عادة يمكن التخلّص منها كما نتخلّص من عادة التدخين
أو التسويف، قد لا نستطيع منع الأفكار السلبية من المرور في أذهاننا، لكننا نستطيع
أن نختار ألا نمنحها إقامة دائمة، وكما قال الفيلسوف فيكتور: «العقل حديقة فإن لم
تزرعه وروداً ستنمو فيه الأعشاب الضارة وتتكاثر»، ونحن الذين نملك قرار الزرع.
لنكن إذاً أكثر
رحمة بأنفسنا، أكثر وعياً بما ندخله إلى عقولنا، وأكثر تصميماً على أن نرى في كل
يوم فرصة جديدة، فحين يتغيّر الفكر يتغيّر كل شيء.