الانتخابات العراقية.. وصراع التحالفات المعقدة!

د. جاسم الشمري

18 نوفمبر 2025

45

انتهت، الثلاثاء 11 نوفمبر 2025م، الانتخابات البرلمانية العراقية السادسة، التي تنافس فيها أكثر من 7 آلاف مرشح يمثلون الكيانات السُّنية والشيعية والكردية والتركمانية والمسيحية وبقية المكونات العراقية.

شروط أمريكية

وقبل الحديث عن الانتخابات وما يميزها نُذكِّر ببعض ما يمكن تسميته بـ الشروط الأمريكية لمستقبل العراق، التي ذكرها مارك سافايا، المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي دونالد ترمب، وذلك بعد الانتخابات بساعات عبر تغريدة على منصة «إكس»، وأكد أن واشنطن ملتزمة بدعم سيادة العراق وجهود الإصلاح وإنهاء التدخلات الأجنبية والمليشيات المسلحة.

وتُعارض واشنطن تشريع قانون يُضفي صفة رسمية عبر هيكلة مؤسسية على «قوات الحشد الشعبي»، وهددت بفرض عقوبات اقتصادية في حال تمرير القانون.

وترى واشنطن أن بعض المليشيات المرتبطة بإيران تُشكّل تهديداً لاستقرار الدولة العراقية، ولكنْ هناك حديث عن وجود رسائل أمريكية تدعم دمج جماعات الحشد ضمن مؤسسات الدولة، وهذا الكلام غريب ولا يمكن تفهمه، ويتناقض مع التصريحات الأمريكية العلنية الداعية لحلّ الحشد وحصر السلاح بيد الدولة.

وبالعودة للانتخابات الأخيرة، فقد أعلنت مفوضية الانتخابات العراقية أن نسبة المشاركة في الانتخابات بلغت 56%، حيث تنافس 7744 مرشحاً للفوز بأحد المقاعد البرلمانية والبالغة 329 مقعداً.

وقد حاز رئيس الحكومة الحالية محمد شياع السوداني على المركز الأول، وجاء «الحزب الديمقراطي الكردستاني» بزعامة مسعود بارزاني ثانياً، وكان المركز الثالث من نصيب حزب «تقدم» بزعامة رئيس مجلس النواب السابق محمد الحلبوسي، واستقر المركز الرابع لائتلاف «دولة القانون» بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.

علامات فارقة

ونحاول هنا تحديد بعض العلامات الفارقة للانتخابات العراقية الأخيرة:

1- الانتخابات ودعاياتها الضخمة قَسَّمت المجتمع العراقي عشائرياً وعائلياً ومناطقياً.

2- انقلبت المدن والقرى لبورصة لبيع وشراء الأصوات، وقد وصلت قيمة الأصوات في بعض المناطق لأكثر من 100 دولار للصوت الواحد، وبالذات خلال الساعات الأخيرة من التصويت.

3- لم تفرز الانتخابات أي وجوه جديدة ثقيلة وفاعلة، والنتائج أكدت عودة غالبية الوجوه العتيقة وخصوصاً تلك التي تمتلك ملايين الدولارات وأنفقتها بدعايتها الانتخابية، وهذه حال غالبية المرشحين الذين فازوا بسبب أموالهم ومناصبهم وعلاقاتهم السابقة.

4- الانتخابات ستُعيد إنتاج نفس النظام القديم، ولكن بخلطة أخرى، ولا يمكن أن تُحدث أي تغيير جذري في المشهد السياسي، وبالتالي بقاء الحال العام في البلاد دون تغيير حقيقي وجوهري قريب.

5- ما أفرزته هذه الانتخابات من شخصيات وكيانات سياسية بعيدة، بشكل أو بآخر، عن تحقيق طموحات الناس، وخصوصاً الفقراء منهم، وهذه ستؤثر، بلا شك، على شكل الحكومة وتوجيه السياسة العراقية؛ داخلياً وخارجياً.

6- بروز التناحر الواضح بين رئيس الحكومة الحالية السوداني، وفريق الإطار التنسيقي الشيعي الذين رشحوه لهذا المنصب في الانتخابات السابقة.

7- فوز تحالف السوداني يمنحه قوة «مؤقتة» للتفاوض مع الكتل الأخرى، خصوصاً إن قرر المضي بعيداً عن الإطار التنسيقي الشيعي بقيادة المالكي، وبهذا فإن حلمه بالولاية الثانية قد يكون صعب المنال رغم فوزه بالمركز الأول، وبالذات مع حصول الإطار على أريحية برلمانية حتى الآن.

8- ستواجه الحكومة المقبلة معضلة ساكنة، وربما ستنفجر في المستقبل القريب، وتتمثل بالتناقض بين الواقع الانتخابي والرغبة الأمريكية، حيث إن واشنطن ترفض مشاركة الجماعات المسلحة، والمليشيات، في الحكومة المقبلة، بينما هذه الجماعات المالكة للمليشيات أو القريبة منها فازت بأكثر من 60 مقعداً نيابياً، وهذه واحدة من العقبات أمام الحكومة القادمة، ولا ندري كيف ستتعامل معها؟

9- المرحلة المقبلة مرحلة التحالفات وخصوصاً مع وجود أكثر من 30 تحالفاً انتخابياً مختلفاً مُسَجّلة في مفوضية الانتخابات، وعليه فإن التحالفات هي التي ستحسم مناصب الرئاسات الثلاث؛ البرلمان، والجمهورية، والوزراء.

هذه أبرز العلامات الفارقة في الانتخابات الأخيرة، ولا ننسى كذلك التلاعب الواضح بالمال العام، والإعلام المأجور، والوعود، الحقيقية والمزيفة، بالمناصب لتنازل بعض الفائزين لشخصيات قريبة من القوى الحاكمة، وغير ذلك من الصور البعيدة عن المنافسة الديمقراطية النقية.

وهكذا، فإن المشهد البرلماني العراقي مقبل على صراعات تحالفية معقدة، وستشهد أروقة السياسة والبرلمان صراعات قائمة على التصويت والتصويت المضاد؛ ما يعقد مسألة رئاسة البرلمان والحكومة المقبلة.

 

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة