قوى النهوض وأعمدة الحضارات

علاء منصور المخلافي

 

لا يمكن لدولة أن تنهض، ولا لحضارة أن تُبنى، ولا لنهضة أن تستمر وتُثمر، ما لم تتوافر لها 4 قوى أساسية، كأنها عمدان النمو وأساس الثبات.

هذه القوى ليست مجرد أدوات مادية، بل هي منظومة متكاملة، تتضافر لتُنتج أمماً عظيمة وحضارات خالدة، ومن هنا، فإن بناء الحضارات يبدأ من نقطة مركزية واحدة؛ بناء الإنسان، إنه البناء الأصعب، الأكثر تعقيداً وعمقاً، ولكنه الأكثر تأثيراً واستدامة.

القوة الأولى: قوة الفكرة:

أول أعمدة النهوض هي الفكرة، تلك الشرارة الأولى التي تُحدث التغيير في العقل البشري، وتُوقظ الوجدان، وتُعيد تشكيل السلوك، إنها القوة التي تنبض في قلب الحضارات، وتُحدد مصيرها.

حين تكون الفكرة قوية، وسليمة، وذات هدف سامٍ، تصبح كالنور الذي يُضيء طريق الأمم، ويُرشدها نحو غاياتها العظمى.

الفكرة الناجحة هي التي تُولد من رحم الحاجة، وتُقدم حلولاً للمشكلات، وتفتح آفاقاً جديدة.

إنها الفكرة التي تُلهم العقول، وتُغذي الأرواح، وتُبثّ في النفوس شعوراً بالانتماء والولاء.

وحتى تكون الفكرة مؤثرة، يجب أن تكون واضحة، بسيطة، ذات جاذبية لا تُقاوم، كأنها الإجابة التي كان الجميع ينتظرها، أو البريق الذي يُبدد ظلام التردد.

فالفكرة لا تُقاس فقط بجمالها النظري، وإنما بقدرتها على التحول إلى واقع ملموس إذا كانت تحمل في طياتها تراثاً حضارياً، ومعرفة لغوية وثقافية، وإذا استطاعت أن تُقدّم بدائل مبتكرة تُلبي احتياجات الأمة، فإنها بذلك تتجاوز حدود الزمن، لتصبح أساساً يُبنى عليه المستقبل.

القوة الثانية: قوة المال:

الفكرة وحدها لا تكفي إن لم تُدعم بقوة المال، تلك الطاقة التي تُحول الأحلام إلى حقيقة.

المال هو الوقود الذي تُشيد به البنى التحتية، وتُطلق به المشاريع، وتُنجز به الابتكارات إنه الجسر الذي يربط بين النظرية والتطبيق.

المال هو القوة التي تنتشر به الفكرة وتنمو وتسود، ثم تنضج وتقود، ثم تعلو وتبقى.

المال في يد أمةٍ ناجحة ليس مجرد أرقام، بل هو أداة للتنمية، وسلاح يُستخدم بحكمة لتحقيق الاكتفاء الذاتي، ودفع عجلة الإنتاج، واستثمار الموارد.

المال هو الذي يُتيح للأمة أن تُنافس، وأن تُثبت وجودها بين الأمم، وأن تُرسخ مكانتها في خريطة العالم

الحفاظ على المال والإيرادات من الضياع والفساد وأن تتحول إلى تكسب شخصي وألا تنفق إلا في ما فيه مصلحة الأمة في استثمارات طويلة الأمد وتوزيع الأخطار والحفاظ على ثروات الدول من الهدر والسرقة والاحتيال.

القوة الثالثة: قوة الساعد والسلاح:

لا حضارة بلا قوة تحميها، ولا نهضة بلا ذراع قوية تصونها.

قوة الساعد والسلاح هي القوة التي تُدافع عن المكتسبات، وتحمي الحدود، وتردع كل من تسوّل له نفسه النيل من الأمة.

لكن هذه القوة ليست مجرد سلاح يُرفع، بل هي منظومة متكاملة من العمل والجهد والتضحية، إنها الإرادة الصلبة التي تتحرك في ميادين البناء كما تتحرك في ميادين القتال، إنها اليد التي تزرع الأرض، وتبني المصانع، وتحمي الشعب.

القوة الحقيقية ليست في العدوان، وإنما في الردع، هي القوة التي تُشعر الأمة بالأمان، وتمنحها الثقة في مواصلة مسيرتها نحو التقدم.

فبناء الأجيال السليمة الصحيحة بناء العقيدة السليمة والانتماء الخالص والدافع الواضح والعقل السليم والفطرة السليمة وعليها ينمو ذلك الجيل الذي يحمى المكتسبات بقوة العقل والفكر وقوة الجسد والتحمل.

تبدأ قوة الساعد والسلاح من أول لبنات المجتمع بزواج مستقيم وتربية أطفال على نهج سليم بتغذية سليمة ورعاية صحية، ثم يأتي دور المدرسة المكمل من رياضة وكشافة وتدريب، وثم وزارة الصحة بدورها الفعال في حماية المجتمعات من أمراض فتاكة أو إعاقات متسديمة، كما هو دور الإعلام في التوعية والتثقيف.

قوة الساعد والسلاح ليس في خوض الحروب ولا معارك الدماء، بل قد تكون قوة الإنتاج والتصنيع وقوة الاقتصاد والبناء وقوة الاستثمار وفلاحة الأرض وحماية المجتمع من الفقر والجهل والانقسام والأمراض.

والسلاح قد يكون بندقية تحمي وقلم يدافع ومعول يحرث وآلة تصنع، السلاح قد يكون كلمة تجمع ورأياً يوحّد وأهدافاً تنفذ.

القوة الرابعة: قوة الظهير والنصير:

حاضنه شعبية، تكاتف اجتماعي، دعم خارجي.

أما الركيزة الرابعة: فهي قوة الظهير والنصير، القوة التي تُولد من التكاتف الاجتماعي، والتحالفات الإستراتيجية، والدعم المتبادل بين الأفراد والدول.

الحاضنة الشعبية التي استوعبت الفكرة وتعمقت فيها وانغرست في وجدانها، فهي منها وإليها، لها تصون وعنها تدافع وحولها تدور ولها تسعى في أهدافها الصغيرة والكبيرة.

تكاتف اجتماعي مساند، داعم، حامٍ، يعمل كخلية نحل واحدة في سبيل تحقيق الهدف المنشود

لا يمكن لأمة أن تنهض وحدها في عزلة عن العالم، إنها تحتاج إلى ظهر قوي يسندها، ونصير مخلص يدعمها.

التلاحم بين أبناء الأمة، والولاء المتبادل بين القيادة والشعب، والعلاقات الوطيدة مع الحلفاء، كل ذلك يُشكل حصناً منيعاً يحمي الأمة من التقلبات.

قوة الظهير ليست فقط في الدعم المادي أو العسكري، بل هي في الثقة المتبادلة، وفي الشعور بالمسؤولية المشتركة في تبادل الخبرات في منح ثقافية علمية في تبادل تجاري في اقتصاد فعال في مصانع مشتركة وشركات عبارة للحدود كل هذه وغيرها قوة تجعل الأمة جسداً واحداً، إذا اشتكى منه عضو، تداعت له باقي الأعضاء بالسهر والحمى.

إن بناء الحضارات عملية شاقة، لكنها مجزية.

إنها تتطلب أفكاراً تُلهم، وأموالاً تُنفذ، وسواعد تبني وتحمي، وأظهراً تسند، حين تجتمع هذه القوى، تُولد نهضة حقيقية، تُثمر حضارة خالدة تُسطر اسمها في صفحات التاريخ.

ولكن، كما أن النهوض يحتاج إلى هذه القوى، فإن الحفاظ على المكتسبات يتطلب وعياً مستمراً، وإدارة حكيمة، وتخطيطاً بعيد المدى.

فالحضارات التي تُهمل هذه العوامل، قد تجد نفسها يوماً ما في مواجهة السقوط.

لذا، فلنجعل من هذه القوى الأربع، لا مجرد أدوات للنهوض، بل ركائز للبقاء والاستمرار، حتى نصنع حضارة تُخلد اسمنا في ذاكرة الزمن.

إن قوى النهضة الأربع تُكمل بعضها بعضاً، ولا يُمكن لأي منها أن تعمل بمعزل عن الأخرى.

الفكرة تُلهم، والمال يُنفذ، والساعد والسلاح يحمي، والظهير والنصير يدعم.

هذه القوى هي العوامل التي تُحول الدولة من كيان هش إلى قوة عظمى، قادرة على تحقيق الاستدامة، ومواجهة تحديات الزمن.

لكن الأهم من ذلك هو أن النهضة ليست حدثًا عابرًا، بل عملية مستمرة تتطلب وعيًا مستدامًا، وجهودًا متواصلة إنها رحلة طويلة، تبدأ ببناء الإنسان، باعتباره اللبنة الأساسية لأي تقدم فالإنسان هو الذي يُبدع الأفكار، ويُحسن إدارة المال، ويُسخر السواعد، ويُبني التحالفات.

إن قوى النهضة ليست مجرد أدوات مادية، بل هي قيم ومبادئ، وعمل دؤوب، وتكاتف بين القيادة والشعب إنها منظومة متكاملة، تُبنى على الإيمان بالمستقبل، والثقة في القدرة على تحقيق التغيير.

وحين تُدرك الدول والجماعات ورواد وصناع التغيير والمنشغلين في بناء الأمم ومركزية الحضارات أهمية هذه القوى، وتعمل على تعزيزها، فإنها لا تُحقق فقط نهضة عابرة، بل تُرسخ أسس حضارة خالدة، تُسطر اسمها في صفحات التاريخ، وتُلهم الأجيال القادمة. 


كلمات دلالية

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة