جواسيس وخلل استخباري!

د. جاسم الشمري

10 سبتمبر 2025

316

حينما سألت «الذكاء الاصطناعي»: مَن هو «أبو عبيدة» الناطق باسم المقاومة الفلسطينية؟ كان ردّه: بأن اسم «أبو عبيدة» الحقيقي مجهول بشكل كامل، ولا تظهر ملامح وجهه أبداً؛ فهو دائماً مُغطّى بوشاح أحمر (كوفية)، ويُظهر عينيه فقط!

والرجل ليس شخصية خيالية، بل هو مقاتل فلسطيني اختار طريق الإعلام لترهيب العدو، حيث إنه، وبعد الانسحاب «الإسرائيلي» من غزة عام 2005م، عُيّن رسمياً ناطقاً باسم «كتائب القسام»، وكان ظهوره الأول في عام 2006م، عندما أعلن عملية «الوهم المتبدد»، وأسر الجندي «الإسرائيلي» جلعاد شاليط!

وأبو عبيدة ليس مجرّد ناطق باسم المقاومة، بل يُعتبر رمزاً مُؤثّراً وفاعلاً ومحرّكاً لمشاعر ملايين الناس في الوطن العربي والعالم، وظهوره الإعلامي خلال ملحمة «طوفان الأقصى» يُعتبر من أهمّ أدوات الحرب النفسية والدعاية القاتلة لـ«إسرائيل» التي تحاول سحقها وكتمها!

وتقول «إسرائيل»، وفقاً لصحيفة «تايمز أوف إسرائيل»: إن أبا عبيدة هو حذيفة سمير عبدالله الكحلوت، استناداً إلى بعض الصور التي نشرتها «الدفاع الإسرائيلية» في أكتوبر 2023م، وهذه المعلومات ضرب من الخيال!

ولم يكن أبو عبيدة في نظر القيادة «الإسرائيلية» مجرّد مقاتل يُعْلن المواقف العسكرية، بل هو بمثابة قائد ميداني شرس ومَهيب، ولهذا رأينا أن يسرائيل كاتس، وزير الدفاع «الإسرائيلي»، قد أعلن في 31 أغسطس 2025م، بزهو وتفاخر، عن مقتل أبي عبيدة في غزة، ولاحقاً أعلن الجيش «الإسرائيلي» أن «العمليّة وقعت أمس السبت»!

والغريب أن رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو، أعلن في مستهل اجتماع حكومته المصغرة أن الجيش استهدف أبا عبيدة!

وهذه الغبطة الصهيونية باغتيال أبي عبيدة أدلة قاطعة على مدى الإرهاق «الإسرائيلي» من صوت وبيانات «المثلم»، ودوره في إرباك جبهتهم الداخلية، وأجهزتهم الأمنية والقتالية الميدانية، ودلائل واضحة على أهمّيّة الرجل المستهدف بالنسبة لقادة «إسرائيل»!

وهذه ليست المرّة الأولى التي تُعلن فيها «إسرائيل» عن قتل أبي عبيدة، وسبق لها أن أعلنت مقتله في أغسطس 2024م، بعد غيابه عن الظهور الإعلامي، وخصوصاً في ذكرى اليوم الـ300 من «الطوفان».

وسابقاً استُهدف منزل أبي عبيدة بالقصف في الأعوام 2008، و2012، و2014، و2023م، وهذا يثبت أن الرجل مدرج في قائمة الأهداف المراد تصفيتها لدى «إسرائيل».

والرواية الصهيونية الأخيرة، وفقاً لـ«القناة 14» العبرية، تَدّعي بأن أبا عبيدة كان داخل شقة قرب مخبز في حي الرمال بغزة لحظة استهدافه!

وقال الجيش «الإسرائيلي»: إنه استهدف أبا عبيدة، ومعه 10 أشخاص، بذخائر دقيقة، مع مراقبة جوّية، بعد وصول معلومات استخباراتية مُركّزة قبل العمليّة بوقت قصير إلى جهاز المخابرات الداخلي  (الشاباك)، 

 والمخابرات العسكرية (أمان)؛ وهذا دليل على وجود جواسيس وعيون «إسرائيلية» بشرية داخل القطاع، ومع ذلك هي تُخْطِئ في التقدير والوصول للأهداف!

فأين مصادر «إسرائيل» الاستخبارية المركّزة؟!

هذه الربكة الاستخبارية تدفعنا للتوقف والتأمل؛ حيث إن «إسرائيل» أعلنت بأن جهاز «الشاباك» والجيش نفذا عملية مشتركة لاستهداف أبي عبيدة، ولاحقاً تَبين أن العمليّة فاشلة، وعليه أين منظومة التجسّس الصهيونية التي يَتغنّون بها، وبأن لديهم مئات العيون والجواسيس داخل الأراضي المحتلة؟!

الاستهداف «الإسرائيلي» العشوائي للمدنيين والمرضى والمستشفيات وسيارات الإسعاف والصحفيين أدلة حاسمة على فوضى المنظومة الاستخبارية وهشاشتها وافتقارها للقدرات المهنية الدقيقة، وبدليل عشرات الحوادث، ومنها أن الاستهداف «الإسرائيلي» للشهيد يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، لم يكن مخططاً له، ولاحقاً اكتشفوا أن الجثة التي استولوا عليها تعود للشهيد السنوار بعد عجزهم، لأكثر من عام، عن استهدافه رغم حرصهم الشديد لتصفيته!

إن الأحداث السابقة، والضربات العشوائية، بعد أكثر من 700 يوم من الحرب، لدليل باتّ على هشاشة المخابرات الصهيونية.

وهكذا سواء استشهد أبو عبيدة أم سيستمرّ في مناورة «إسرائيل» بصوته الهادر، فإن غزة وأهلها لا يأملون الدعم من الشعوب الهزيلة، وقرّروا المضيّ قُدماً في تقزيم «إسرائيل» رغم الفارق الهائل بالإمكانيات المادية والتكنولوجية!

الرابط المختصر :

كلمات دلالية

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة