8 أسباب تمنع المسلم من احتقار الناس

يختل ميزان
التفاضل في مخيلة بعض الناس، فيتعمد أن يحتقر غيره، إما لضعف بدنه أو قلة ماله أو
فقر بلده أو عدم نجاحه في أمر من الأمور، أو لغير هذا كله، بأن يكون هذا المحتقِر
مصاباً بالكبر والغرور والتعالي على الناس.
وقد نسي هذا المتعالي أن الله لا ينظر إلى صورنا ولا إلى أموالنا، بل ينظر إلى قلوبنا وأعمالنا، كما نسي أن المظاهر قد تكون خادعة، فكم من مغمورٍ في الأرض مرفوعٍ في السماء! وكم من عظيمٍ في أعين الناس ساقطٍ عند الله! فقد ترى شخصًا بسيطًا متواضع الهيئة، لا يُلتفت إليه في المجالس، ولو أقسم على الله لأبرّه، وقد ترى من يملأ الدنيا صخبًا ووجاهةً، وهو عند الله لا يزن جناح بعوضة.
وهذه بعض
الأسباب التي تمنع المسلم من احتقار غيره:
1- النهي الشرعي عن احتقار الناس:
نهى الإسلام عن
احتقار الناس والسخرية منهم، حيث قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ
مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ
عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا
تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ
لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الحجرات: 11).
وروى مسلم في
صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا
تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ
اللهِ إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا
يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ».
2- الاحتقار ينبع من نفس شريرة:
أوضح الإسلام أن
النفس السوية لا تحتقر غيرها، بل تعتقد المساواة مع الناس جميعاً، فالناس كلهم
لآدم وآدم من تراب، غير أن النفس إذا خرجت عن إطار الفطرة السليمة وانحرفت عن
الصراط المستقيم؛ فإنها تحتقر غيرها وتتطاول على كل من سواها.
ففي صحيح مسلم
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «التَّقْوَى هَاهُنَا وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، بِحَسْبِ
امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ
عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ».
3- التفاوت بين الناس وسيلة إلى التعارف والتواصل لا الاحتقار والتنازع:
شاءت حكمة الله
تعالى أن يختلف الناس عن بعضهم، وأن تتفاوت درجاتهم، ومن المقاصد التي يرجوها
الإسلام في هذا أن يتعارف الناس ويستخدم كل منهم أخاه في تيسير أموره وقضاء حوائجه.
أما تقرير
الاختلاف فقد جاء في قوله تعالى: (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ
أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ {118} إِلاَّ مَن رَّحِمَ
رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ
مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (هود)، وأما التعارف والتواصل فقد جاء الأمر به في قوله
تعالى: (يَا أَيُّهَا
النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا
وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) (الحجرات: 13)، وأما التوظيف والتسخير لقضاء
الحوائج فقد جاء في قوله تعالى: (أَهُمْ
يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ
لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا) (الزخرف: 32).
4- ميزان التفاضل عند الله بالتقوى لا بالجاه ولا المال:
التفاضل الحقيقي
في الإسلام قائم على العمل الصالح وتقوى القلوب، وليس على حسبٍ أو نسب أو منصب، قال
تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ
عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) (الحجرات: 13)، وإن إدراك هذه الحقيقة يجعل
المسلم يستحي أن يحتقر أحدًا؛ فقد يكون المظلوم أرفع درجة عند الله ممن يزدريه، ففي
صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: «رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى
اللهِ لَأَبَرَّهُ».
وفي سنن الترمذي
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ
لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ».
5- الاحتقار من خصال الكِبْر المذمومة:
يعد الكِبْر من
الذنوب الموجبة للوعيد الشديد، ففي صحيح البخاري، ومسلم، عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ
مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَدْخُلُ
الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ»، قَالَ
رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ
حَسَنَةً، قَالَ: «إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ
الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ»؛ و«غمط الناس» احتقارهم وازدراؤهم.
6- احتقار الناس يولد البغضاء ويمزق الأخوة:
حث الإسلام على
الأخوة والمحبة، ونهى عن أسباب التباغض، ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَحَاسَدُوا وَلَا
تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ
إِخْوَانًا»، فالمسلم يجب أن يسعى إلى قطع أسباب التباغض، ومن أخطر هذه الأسباب
الاحتقار، فهو استهانة بالآخر وتقليل من شأنه، ولا يؤدي إلا إلى إشعال نار العداوة
والبغضاء والصراع والنزاع بين الناس، فمن أراد سلامة قلبه وعلاقاته فليحذر من
احتقار الآخرين.
7- الدنيا دار ابتلاء وليست معيارًا للتفاضل:
قد يبتلى
الإنسان بالفقر أو المرض أو الضعف، فلا ينبغي احتقاره بسبب ابتلائه؛ فربما يكون
ذلك سببًا لرفع درجته عند الله، قال تعالى: (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) (الزخرف: 32)، فما يملكه الناس من جاه أو مال إنما
هو قسمة الله، فلا يصح أن يحتقر أحد غيره بسببه.
8- التواضع خُلُق الأنبياء والصالحين:
كان النبي صلى
الله عليه وسلم مع علو قدره متواضعًا، يجلس بين أصحابه كأحدهم، ويخدم أهله، ويأكل
على الأرض، فقد روى أحمد في الزهد، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: دَخَلَ
رَجُلٌ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَّكِئٌ
عَلَى وِسَادَةٍ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ طَبَقٌ عَلَيْهِ رَغِيفٌ قَالَ: فَوَضَعَ
الرَّغِيفَ عَلَى الْأَرْضِ وَنَحَّى الْوِسَادَةَ، فَقَالَ: «إِنَّمَا أَنَا
عَبْدٌ، آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ، وَأَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ
الْعَبْدُ»، فإذا كان سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم تواضع للخلق، فكيف يحق لغيره
أن يحتقرهم؟!