هل يستعد الكيان الصهيوني لاحتلال غزة؟

إياد القطراوي

07 أغسطس 2025

224

في ظل توقف محادثات وقف إطلاق النار وتبادل الرهائن بين حماس و"إسرائيل"، وانتقادات متصاعدة داخليًا وخارجيًا للمأساة الإنسانية المتفاقمة في غزة، يسعى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى اتخاذ قرار بالبدء في احتلال شامل لقطاع غزة، مع خطة موازية لاستهداف قادة حركة حماس في الخارج.

هذه الخطوة تمثل تحولًا نوعيًا في مسار الحرب التي دخلت شهرها الثاني والعشرين، واستراتيجيًا قد تغير طبيعة الصراع، وتفتح الباب أمام سيناريوهات معقدة إقليميًا ودوليًا.

وتشهد المنظومة السياسية والعسكرية تباينات في المواقف حيال الحرب على غزة وتحقيق أهدافها.

فبعد مرور 22 شهرًا على الحرب في غزة، ما زالت "إسرائيل" عاجزة عن تحقيق أهدافها المعلنة منذ بداية الحرب، والمتمثلة في القضاء على حماس، وتجريدها من السلاح، وضمان ألا تمثل تهديدًا لها في المستقبل، وتحرير الجنود الأسرى لدى المقاومة في غزة.

الخطة بين مؤيد ورافض

- تتجاوز التكلفة المادية لخطة احتلال غزة (10) مليارات دولار سنويًا دون احتساب تكاليف إعادة الإعمار.

هذه الإخفاقات انعكست في تصاعد الخلافات داخل الأوساط السياسية والعسكرية "الإسرائيلية"، بين مؤيد وداعم للخطة التي يطرحها نتنياهو باحتلال قطاع غزة بالكامل من اليمين المتطرف، كوزير الدفاع يسرائيل كاتس، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، للضغط على حماس من أجل تليين موقفها للقبول بصفقة وفق الشروط "الإسرائيلية" وتحرير الأسرى.

 وبين معارض كرئيس الأركان، إيال زامير، من داخل المؤسسة العسكرية الذي هدد بالاستقالة حال اعتماد خطة الاحتلال الكامل لغزة، والمعارضة الإسرائيلية التي رأت في القرار خطورة كبيرة على حياة الأسرى "الإسرائيليين"، واستنزافًا كبيرًا يتعرض له الجيش طول مدة الحرب والقتال في غزة دون أهداف حقيقية لاستمرار وجوده، في حين تتجاوز التكلفة المادية للخطة 10 مليارات دولار سنويًا دون احتساب تكاليف إعادة الإعمار، وقد تكون محفوفة بالتبعات الإنسانية والدبلوماسية، والمخاطر السياسية والعسكرية، وتثقل كاهل "إسرائيل"، وتزيد المخاوف من تعاظم المقاومة المسلحة داخل غزة، وظهور جماعات أكثر تشددًا إذا أصبحت "إسرائيل" قوة احتلال متجذرة هناك، وافتقارها إلى رؤية طويلة المدى، وأن العمليات العسكرية المكثفة لم تؤدِّ إلا إلى تعقيد المشهد وتعزيز صمود المقاومة.

غزة في مواجهة الأطماع الاستيطانية الصهيونية | مجلة المجتمع
غزة في مواجهة الأطماع الاستيطانية الصهيونية | مجلة المجتمع
مجلة المجتمع الكويتية: منصة إعلامية رائدة تُعنى بالشأن الإسلامي وتقدم تقارير ومقالات تعزز الوعي الحضاري للأمة الإسلامية انطلاقاً من مرجعية إسلامية تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وهي تابعة لجمعية الإصلاح الاجتماعي بدولة الكويت، وترفع شعار "مجلة المسلمين حول العالم".
mugtama.com
×

خطة دعائية ليست واقعية

- الخطة دعائية أكثر منها واقعية، هدفها فرض تنازلات على حماس للقبول بالصفقة "الإسرائيلية" الأمريكية.

"إسرائيل" باحتلالها الكامل لقطاع غزة، واستهداف قيادة حماس بالخارج، تعكس تحولًا استراتيجيًا من عمليات عسكرية محدودة إلى حرب شاملة. ففي الوقت الذي تهدف فيه إلى زيادة الضغط على المقاومة في غزة وحاضنتها الشعبية من السكان المنهكين، وإطالة أمد الحرب، فإنها تواجه جبهة داخلية منقسمة، وتدخلًا دوليًا متزايدًا، وعبئًا احتلاليًا محتملًا، وتطرح أسئلة كثيرة حول ما إذا كانت هذه الخيارات ستقود إلى حل نهائي أم لحرب طويلة بلا جدوى ونهاية.

صحيفة الغارديان البريطانية، نشرت تقريرًا جاء فيه "إن البعض يرون أن دعوة نتنياهو، لاحتلال كامل لقطاع غزة قد تكون خطابية أكثر منها واقعية، وتهدف إلى استرضاء وزراء اليمين المتطرف وإبقائهم في مواقعهم في الحكومة، وليس واضحًا من الناحية العملية أيضًا، فيما إذا كانت "إسرائيل" تمتلك القدرة على تنفيذ هذا النوع من العملية الموسَّعة."

واعتبر مقال للخبير شاي فيلدمان في مجلة ناشونال إنترست "أن "إسرائيل" وصلت إلى مأزق إستراتيجي بسبب حرب غزة، وأن "النجاح المحدود الذي حققته حتى الآن في غزة تسبب بمعدل هائل من الموت والدمار أضر كثيرًا بمكانتها لدى الرأي العام العالمي، وأن السبيل الوحيد للخروج من المأزق الراهن هو التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار والإفراج عن الأسرى."

ونشرت مجلة فورين أفيرز الأميركية مقالًا للرئيس السابق لجهاز الأمن الداخلي "الإسرائيلي" عامي أيالون، قال فيه: "إن "إسرائيل" تخوض حربًا لا يمكنها كسبها، وغياب أي رؤية "إسرائيلية" طويلة الأمد ترك المنطقة بأسرها في حالة من الفوضى المستمرة"، وأن الحرب أصبحت حاليًا ظالمة وغير أخلاقية".

مخاطر سياسية ودبلوماسية
- وحدات استخبارية كُلفت رسميًا بتعقب وتصفية قيادات حماس في لبنان وقطر وتركيا.

وفيما يتعلق بخطة استهداف قادة حماس في الخارج، فليست سوى استراتيجية قديمة متجددة، فـ "إسرائيل" تملك سجلًا طويلًا في استهداف قادة حماس خارج فلسطين، كما في محاولة اغتيال خالد مشعل في عمان 1997، ومحمود المبحوح في دبي 2010، وصالح العاروري في لبنان، وإسماعيل هنية في إيران 2024، أي أن الأمر ليس غريبًا عليها، بيد أن التخوف هذه المرة مرده أن الموساد ووحدات استخبارية خاصة مثل "نيلي" قد تم تكليفها رسميًا بتعقب وتصفية قيادات حماس في لبنان وقطر وتركيا، من أجل توجيه ضربة قوية ومعنوية لعصب الحركة، عبر استهداف قادتها البارزين في الخارج، ومنع إعادة بناء الهيكل القيادي للحركة بعد الحرب.

تنفيذ عمليات في دول ذات سيادة قد يفتح جبهات سياسية ودبلوماسية مع تلك الدول، واستهداف شخصيات في دول مثل تركيا أو قطر قد يعقد العلاقات "الإسرائيلية" مع من تعتبرهم شركاء إقليميين.

وفي المقابل فإن استمرار الحرب والتهديد بتوسيعها واحتلال كامل القطاع سيضاعف الأزمة الإنسانية، ويرقى إلى جريمة حرب باستخدام التجويع كسلاح، وستقضي على أي أفق لحل سياسي، وقد تدفع نحو تصعيد إقليمي، وستزيد من الضغوط الدولية والعالمية على "إسرائيل" لوقف العمليات بسبب حجم الخسائر في صفوف المدنيين.

الاحتلال العسكري لغزة.. التداعيات والتبعات | مجلة المجتمع
الاحتلال العسكري لغزة.. التداعيات والتبعات | مجلة المجتمع
مجلة المجتمع الكويتية: منصة إعلامية رائدة تُعنى بالشأن الإسلامي وتقدم تقارير ومقالات تعزز الوعي الحضاري للأمة الإسلامية انطلاقاً من مرجعية إسلامية تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وهي تابعة لجمعية الإصلاح الاجتماعي بدولة الكويت، وترفع شعار "مجلة المسلمين حول العالم".
mugtama.com
×

تكلفة حربية وضغوط دولية

- تكلفة الحرب أعلى بكثير من مكاسبها وتبقى السيناريوهات في غزة مفتوحة على كل الاحتمالات.

تبقى الساعات القادمة في مجرى الحرب على غزة حاسمة وحُبلى بالأحداث الدراماتيكية، فما بين تهديدات بالتصعيد والضغط العسكري وصولًا لاحتلال القطاع مع تحمل عقبات هذا القرار وهذه الخطوة سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا ومواجهة الضغوط الداخلية والدولية، وبين معارضة ترى في القرار والخطوة مغامرة غير محسوبة العواقب، قد تؤدي إلى استنزاف طويل الأمد، وزيادة عزلة "إسرائيل" على الساحة الدولية، وتصعيد المقاومة في الداخل والخارج، ما يجعل تكلفة الحرب أعلى بكثير من مكاسبها المحتملة، وتبقى السيناريوهات في غزة مفتوحة على كل الاحتمالات.

إن الكلفة الإنسانية والسياسية والعسكرية والاقتصادية الباهظة، إضافة إلى الضغوط الدولية المتزايدة، جعلت الحكومة "الإسرائيلية" في موقف دفاعي على الصعيد الدبلوماسي، مع تراجع الدعم الخارجي وتنامي الدعوات إلى وقف الحرب والبحث عن تسوية سياسية. وفي المقابل، لا تزال المقاومة في غزة تظهر قدرة على التكيف والاستمرار، ما يطرح تساؤلات جدية حول إمكانية حسم الصراع عسكريًا، ويفتح الباب أمام سيناريوهات قد تفرض على "إسرائيل" مراجعة خياراتها الاستراتيجية.

 


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة