مروءة الجاهلية.. ووحشية الحضارة الغربية!

التجويع سلاح فتّاك، وإذا استطاع الإنسان تحمل آلام الجوع وأوجاعه، فإن صرخات استغاثة الأطفال بسبب الجوع تكون أكثر قسوة، وأشد ألماً، وقد يتحمل المرء آلام الجوع، لكنه يعجز عن تحمل جوع الأبناء وفلذات الأكباد.

والقتل بالتجويع والتعطيش الذي يمارسه الاحتلال الصهيوني ضد أبناء غزة الأبرياء هو أشد أنواع القتل قسوة وألما ووحشية وإجراماً؛ لأن خروج الروح بالموت جوعاً أو عطشاً يأخذ وقتاً أطول من كل ألوان الموت التي عرفها الإنسان، مع ما يلازم الجوع والعطش من آلام رهيبة وأوجاع عصيبة تفتك بالبدن حتى تخرج الروح.

والحصار الذي فرضه الاحتلال الصهيوني المجرم على غزة المنهكة البريئة هو حصار قاتل، وحصار وحشي إجرامي تحرمه وتجرمه مواثيق حقوق الإنسان، ونصوص القانون الدولي، ومبادئ الأمم المتحدة، فقد فرض الاحتلال حصاراً مطبقاً براً وبحراً وجواً على غزة الصغيرة، ومنع عنهم الماء والغذاء والدواء والكساء والكهرباء، وقام بقصف المشافي والمخابز وآبار المياه، ودمر وجه الحياة.

التجويع سلاح المجرمين

في العام السابع من البعثة النبوية، فرض كفار مكة حصاراً على النبي صلى الله عليه وسلم، وصحبه، وعشيرته من بني هاشم وبني المطلب، ومنعوا مناكحتهم، وكل ألوان التعامل معهم، ومنعوا عنهم الطعام حتى أكلهم الجوع بنابه، ووهنت أبدانهم، ومرضت أجسادهم، وأكلوا الجلود، وأوراق الشجر، ودوت في آفاق مكة صرخات الأطفال من الجوع.

شهامة كفار قريش ووحشية الحضارة الغربية

وحين خوت بطون الأطفال المحاصرين وارتفع أنينهم من الجوع، كان كفار قريش أكثر مروءة، وأوفر شهامة من كل أبناء الحضارة الغربية الحديثة في أمريكا وأوروبا، لا لسكوتهم على حصار غزة، بل لدعمهم الاحتلال، ومشاركته في جريمة الحصار، وتجويع الأطفال والشيوخ والمرضى، بينما نجد أن كفار مكة كانوا أكثر تحضراً ورقياً ومروءة من أبناء الحضارة الغربية جميعاً، وكان لذلك مظاهر كثيرة، منها:

1- خلال 3 سنوات من الحصار الظالم الذي فرضه كفار مكة، لم يمت واحد من المحاصرين من الجوع، بالرغم من أنهم أكلوا الجلود وأوراق الشجر من شدة الجوع، بينما في غزة وحدها وخلال شهرين فقط من الحصار والتجويع مات أكثر من 100 نفس جوعاً بسبب الحصار.

2- كان من بين كفار مكة من يقوم بتهريب الطعام إلى المحاصرين، وقد نجحوا في محاولات التهريب هذه وأوصلوا بعضاً من الطعام الذي خفف آلام الجوع والحصار على الأبرياء المحاصرين، وممن كان يقوم بذلك من كفار مكة هشام بن عمرو بن لؤي، وحكيم بن حزام، وأبو البختري بن هشام.. وغيرهم.

3- لم يكتف أهل النجدة والشهامة من كفار قريش بإيصال الطعام إلى المعابر، أو الرجوع بطعامهم، حين يكتشف أمرهم، بل قاتلوا دون مرادهم، واشتبكوا مع خصومهم، بل مع زعيمهم أبو جهل نفسه، وأوصلوا الطعام بالقوة والقتال إلى الأبرياء المحاصرين.

وفي واحدة من عمليات تهريب الطعام، كان حكيم بن حزام يقود واحدة من هذه العمليات، فاكتُشفت المحاولة وتصدى لها أبو جهل بنفسه محاولاً منع الطعام، فتدخل أبو البختري بن هشام محاولاً إقناع أبي جهل بالحجة والمنطق، وأن هذا واجب إنساني حتى لا يموت الأطفال، فأصر أبو جهل على موقفه، فاقتتل مع أبي البختري بن هشام فضربه أبو البختري بلحى –عظام- جمل فشج وجهه، وأسال دمه، وتمت محاولة تهريب الطعام.

فهل يتعلم العالم أجمع، وخصوصاً الغرب -الذي يدعي التحضر- الإنسانية والنخوة والشهامة والرجولة من كفار مكة وأهل الجاهلية، ويقوم بفك الحصار الظالم الذي قتل أبناء غزة جوعا وعطشا؟!

التجويع سلاح المهزومين

بالنظر في أسباب الحصار والتجويع في مكة وغزة، نجد أن السبب واحد، وهو الفشل والهزيمة، فبعد أن فشلت الجاهلية الأولى في إيقاف مد الدعوة الإسلامية الصاعد، ومنيت قريش بالهزيمة تلو الأخرى في محاولاتها لوأد نجم الدعوة المتدفق السيال، وبعد إسلام حمزة بن عبدالمطلب، وعمر بن الخطاب، ورفض أبي طالب كل محاولات تسليم ابن أخيه، ورفض النبي صلى الله عليه وسلم كل محاولات الترغيب والترهيب للتخلي عن دعوته، حينها شعرت قريش بهزيمة مدوية فلجأت إلى هذه الوسيلة الشيطانية لإيقاف المد الإسلامي الزاحف، فكان هذا الحصار الظالم الغاشم؛ (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (البروج: 8).

فكان الحصار سلاح الهزومين الذين أعيتهم الحيل، وعميت أبصارهم، وضلت عقولهم عن تحقيق النتيجة التي يسعون إليها، والهدف الذي يرمون إليه.

وهذا هو عين السبب الذي ألجأ الاحتلال الصهيوني ومعه أمريكا وأوروبا إلى فرض الحصار الظالم على أهل غزة الأبرياء، فبعد أن أوسعوا غزة قتلاً وقصفاً من الجو والبحر والبر، وبعد أن ألقوا على غزة أكثر من 100 ألف طن من المتفجرات، ودمروا المشافي والمخابز والمدارس والمساجد والكنائس والبيوت والطرقات، وقتلوا أكثر من 52 ألف شهيد، لم يرفع أبناء غزة الراية البيضاء!

فلجأ الاحتلال إلى هذه الحيلة الشيطانية، وكان الحصار المطبق المدمر، ولجأ إلى الحصار والتجويع ليكسر إرادة الشعب الصامد الصابر المتمسك بحقه المتجذر في أرضه، ولن تكون النتيجة بإذن الله تعالي، إلاً نصراً كبيراً لأبناء الأرض المدافعين عن الأرض والعرض والمقدسات، والقبلة الأولى للمسلمين، قال تعالى: (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) (آل عمران: 178).

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة