الموت جوعاً يهدد الطفلة "رندا" وملايين اليمنيين بسبب نقص المساعدات

سيف باكير

19 فبراير 2022

23

 

تبلغ رندا من العمر 3 سنوات، لكن وزنها لا يتجاوز 4 كيلوجرامات! إذ تعاني الطفلة اليمنية من سوء تغذية حاد، يفاقمه ظروف إقامتها في مخيم للنازحين في حجة شمالي اليمن، الغارق في المآسي. 

فوق ملاءة رمادية رقيقة على سرير حديدي قاس في خيمة والديها، تبكي رندا لطلب طعام غير متوفر، ثم تتوقّف للحظات لتلتقط أنفاسها بصعوبة والدموع تنهمر على خديها الصغيرين، تبكي مجدداً، تتوقف للحظات، وتعاود الكرّة، لكن الطعام لا يأتي.

رندا، صاحبة السروال البرتقالي الفضفاض، واحدة من ملايين الأطفال اليمنيين الذين يعانون من ويلات نزاع دامٍ على السلطة منذ أكثر من 7 سنوات، بين قوات حكومية ومتمردين مدججين بالأسلحة يسيطرون على العاصمة ومناطق أخرى.

وحذّرت الأمم المتحدة مراراً من مجاعة كبرى تهدّد البلاد، لكن هذا الخطر بات أكثر قرباً مع تراجع المساعدات التي تقدّمها الدول المانحة للمنظمات الإغاثية.

ففي إحاطة أمام مجلس الأمن الدولي هذا الأسبوع، قال مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانيّة مارتن غريفيث: إنّ أموال وكالات الإغاثة تنفد بسرعة، مما يضطرها إلى تقليص برامج إنقاذ الأرواح.

وكانت الأمم المتحدة ناشدت الدول المانحة قبل نحو عام التبرع بسخاء لجمع مبلغ 3.85 مليار دولار لتمويل عمليات الإغاثة في أفقر دول شبه الجزيرة العربية، لكن مجموع التعهدات في مؤتمر دولي بلغ في النهاية 1.7 مليار دولار.

وأصبحت رندا، وملايين آخرون من المدنيين، أول من يدفع ثمن تراجع المساعدات.

ثلثا برامج المساعدات الرئيسة للأمم المتحدة تقلّصت أو أغلقت بالكامل يناير الماضي

وتقول صالحة ناصر عن ابنتها لـ"وكالة الأنباء الفرنسية": لم ينفعها أي دواء، جسمها لا يزال بهذا الشكل، كل مرة تزداد حالتها سوءاً، ونذهب بها إلى العيادة ولا يستقبلونها.

وأوضحت أنهم يطلبون إرسالها إلى المستشفى، ونحن لا نملك المال لتحمل نفقة المواصلات، ظروفنا صعبة للغاية، نحتاج إلى المساعدة لنذهب بها إلى مستشفى صنعاء، على بعد نحو 150 كيلومتراً.

بين الجوع والنوم

في مخيّم الخديش حيث تقيم رندا مع والدتها ووالدها العاطل عن العمل، تعيش أكثر من 2600 أسرة في خيم متناثرة فوق أرض قاحلة بعضها بدون سقف، وسط فقر مدقع، وتحت وطأة الجوع وصعوبة إيصال المساعدات الإنسانية لهم من جرّاء الصراع.

وخيمة رندا، كغيرها من الخيام، عبارة عن مجموعة من الأقمشة المعلّقة فوق حبال في الهواء بطريقة عشوائية، وأمامها خزان مياه صغير، ومجموعة من قطع الحطب داخل حفرة صغيرة.

وهناك المئات من الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد في مخيمات النزوح بمحافظة حجة التي تشهد معارك متواصلة، بحسب مدير مديرية عبس القريبة من موقع المخيم، أحمد الأشول.

وقال الطبيب: في بعض الأحيان نستقبل أكثر من 300 حالة في الشهر، وهؤلاء هم من تمكنوا فقط من الوصول إلى المستشفى؛ لأنه لا يزال هناك العديد من الحالات غير القادرة على الوصول إلى المستشفى بسبب عدم امتلاكهم الأموال للتنقل.

وبسبب الجوع، يصعب على الأطفال في المستشفى النوم، فوق أسرتهم المغطاة بالأقمشة البنفسجية، ويتعالى بكاء العديد منهم في غرفة مخصصة للذين يعانون من سوء التغذية، تضم نحو 20 سريراً، امتلأت عن آخرها.

بحلول نهاية يناير الماضي، كان ما يقرب من ثلثي برامج المساعدات الرئيسة للأمم المتحدة قد تقلّصت بالفعل أو أغلقت بالكامل، وفقاً لغريفيث، وهو المبعوث السابق للأمم المتحدة لليمن.

وكان برنامج الأغذية العالمي قرّر، في ديسمبر الماضي، تقليص الحصص الغذائية لـ8 ملايين شخص، وابتداءً من الشهر المقبل قد لا يحصل هؤلاء الـ8 ملايين شخص على طعام على الإطلاق، أو مجرد حصة مخفضة، كما حذّر غريفيث.

وقد تضطر المنظمة الأممية، في مارس المقبل، إلى إلغاء معظم الرحلات الجوية الإنسانية في اليمن، مما قد يتسبّب في مشكلات هائلة لعملية الإغاثة وتنقل موظفينا، بحسب المسؤول الأممي.

400 ألف طفل قد يموتون إذا لم يتلقوا المساعدة الإنسانية العاجلة والعلاج

حكم بالإعدام

تقول الأمم المتحدة: إنّ سنوات الصراع والتدهور الاقتصادي ووباء "كوفيد -19" دمرت اليمن.

وعانى 16.2 مليون يمني، من بين نحو 30 مليوناً، من انعدام الأمن الغذائي العام الماضي، وتتوقع المنظمة الأممية أن يعاني ما يقرب من 2.3 مليون طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية الحاد، وقد يموت 400 ألف طفل إذا لم يتلقوا المساعدة الإنسانية العاجلة والعلاج.

كما أنّ الاضطرابات التي تلوح في الأفق في خدمات المياه والصرف الصحي بسبب نقص الأموال يمكن أن تحرم قريبًا 3.6 مليون شخص من مياه الشرب الآمنة، مما يعرضهم -وخاصة الأطفال دون سن الخامسة- لخطر أكبر للإصابة بأمراض مميتة، وفقاً لغريفيث.

ويفاقم الجوع المعاناة الناتجة عن المعارك اليومية التي ازدادت حدتها في الأشهر الأخيرة وسط تصعيد من قبل أطراف النزاع.

وتم الإبلاغ عن أكثر من 650 ضحية مدنية في يناير، بحسب الأمم المتحدة؛ ما يعني مقتل أو إصابة 21 مدنياً كل يوم، وهذه أعلى حصيلة ضحايا خلال 3 سنوات بحسب الأمم المتحدة.

وقال غريفيث، لمجلس الأمن: تطارد الحرب الأشخاص في منازلهم ومدارسهم ومساجدهم ومستشفياتهم وأماكن أخرى يجب حماية المدنيين فيها.

وتابع: إذا لم تتم معالجة ثغرات التمويل؛ فسيكون ببساطة حكمًا بالإعدام على الأشخاص الذين استنفدوا آليات التأقلم والذين يعتمدون على المساعدة من أجل بقائهم على قيد الحياة.

الرابط المختصر :

كلمات دلالية

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة