في ذكرى وفاته.. من أعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة (90)
الشيخ محمد متولي الشعراوي الداعية الإسلامي والمفسر اللغوي

ولد الشيخ محمد
متولي الشعراوي بقرية دقادوس مركز ميت غمر في محافظة الدقهلية بمصر، سنة ١٩١١م، وألحقه
والده بكتاب الشيخ عبد المجيد باشا، حيث أتم حفظ القرآن الكريم وعمره أحد عشر
عامًا، ثم التحق بالمعهد الابتدائي الأزهري في «الزقازيق» سنة ١٩٢٦م، وحصل على
الشهادة الابتدائية الأزهرية سنة ١٩٣٧م، ثم التحق بكلية اللغة العربية بجامعة
الأزهر سنة ١٩٣٧م، أثناءها ذهب إلى الحج مع البعثة الطلابية الأزهرية سنة ١٩٣٨م،
وتخرج في كلية اللغة العربية سنة ١٩٤١م، وحصل على العالمية مع إجازة التدريس سنة
١٩٤٣م.
حياته
العملية
بدأ حياته
العملية مدرسًا بمعهد «طنطا» الأزهري، ثم انتقل إلى التدريس بمعهد «الإسكندرية»
الأزهري، ثم معهد «الزقازيق» وبعدها سافر إلى المملكة العربية السعودية سنة ١٩٥١م،
وعمل بكلية الشريعة بمكة المكرمة كمدرس للتفسير والحديث، ثم عاد إلى مصر وعمل
وكيلًا بمعهد «طنطا» الثانوي سنة ١٩٦٠م، ثم تولى منصب مدير الدعوة الإسلامية
بوزارة الأوقاف المصرية سنة ١٩٦١م، ثم مفتشًا للعلوم العربية سنة ١٩٦٢م، وقد
اختاره شيخ الأزهر حسن مأمون مديرًا لمكتبه سنة ١٩٦٤م.
رزقه الله القبول عند الناس فاستطاع
بأسلوبه المتميز أن يؤثر في الخاصة والعامة
ثم تولى رئاسة
البعثة الأزهرية بالجزائر سنة ١٩٦٦م، عقب حصولها على الاستقلال حيث ساعد الحكومة
الجزائرية في التخلص من آثار الاستعمار الفرنسي، بإشرافه على وضع مناهج دراسية
جديدة باللغة العربية، وفي سنة ١٩٧٠م عين أستاذًا زائرًا بكلية الشريعة بجامعة
الملك عبد العزيز بمكة المكرمة ثم رئيسًا للدراسات العليا فيها.
الشيخ
الشعراوي داعية إسلامي
لقد برز الشيخ
الشعراوي كداعية إسلامي سنة ١٩٧٣م، عندما قدمه الإذاعي أحمد فراج في برنامجه
الإذاعي «نور على نور» الذي استمر عشر سنوات، كان الضيف الدائم فيه هو الشيخ
الشعراوي مفسرًا للقرآن الكريم.
وقد اختير
وزيرًا للأوقاف سنة ١٩٧٦م، ثم أعيد اختياره سنة ١٩٧٧م، وفي يوم 15/ 10/ 1978م، قدم استقالته من الوزارة.
وقد حصل على
وسام الجمهورية سنة ١٩٧٦م، ثم سافر إلى لندن سنة ١٩٧٧م لحضور مؤتمر الاقتصاد
الدولي بالمركز الإسلامي الأوروبي، وفي سنة ١٩٨٠م عين عضوًا في مجمع البحوث
الإسلامية، وفي سنة ۱۹۸۳م منح وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى في الاحتفال
بالعيد الألفي للأزهر الشريف، وقد سافر إلى نيويورك وحاضر بمقر الجمعية العامة
للأمم المتحدة وألقى خطبة الجمعة بالمسجد الملحق بمبنى الأمم المتحدة، كما أجرى
مقابلات إذاعية وتلفازية مع شبكات التلفاز الأمريكية، عن وجود الله تعالى والأدلة
القائمة على ذلك، وبعدها سافر إلى كندا وألقى محاضرة ناقش فيها مزاعم المستشرقين
وافتراءاتهم ضد الإسلام، وفندها وأبطل مقولاتهم ودعاواهم، كما زار المركز الإسلامي
في «لوس أنجلوس» بالولايات المتحدة الأمريكية، وألقى محاضرة عن قضايا المسلمين
والمجتمعات الإسلامية، وبعدها في سنة ١٩٨٤م قام بجولة في أوروبا واستمرت نحو أربعة
أسابيع، شملت فرنسا وسويسرا وألمانيا وبريطانيا والنمسا وغيرها حيث ألقى سلسلة من
المحاضرات وأجاب على استفتاءات أبناء المسلمين، ووضع حجر الأساس للمركز الإسلامي
في روما والمسجد الكبير في حي «باري لولي» بحضور رئيس جمهورية إيطاليا وعمدة روما
ومندوب عن الفاتيكان، وفي سنة ۱۹۸٥م شارك في أعمال مؤتمر السُنَّة النبوية الثاني في «لوس
أنجلوس» بالولايات المتحدة الأمريكية، وفي ديسمبر ١٩٨٦م اختير رئيسًا لمؤتمر
السُنَّة النبوية المنعقد بلوس أنجلوس وألقى محاضرات عديدة في أماكن شتي بالمراكز
الإسلامية، ثم سافر إلى النمسا بمناسبة إنشاء مصرف إسلامي في العاصمة النمساوية
«فيينا» حيث تكلم عن الفكر الاقتصادي الإسلامي، وفي سنة ۱۹۸۷م
اختير عضوًا في مجمع اللغة العربية، كما حصل على وسام الجمهورية وجائزة الدولة
التقديرية سنة ١٩٨٨م.
أهم
مؤلفاته
للشيخ الشعراوي
الكثير من المؤلفات، من أهمها:
المنتخب في
تفسير القرآن الكريم، الفتاوى، معجزة القرآن الكريم، من فيض القرآن الكريم، نظرات
في القرآن الكريم على مائدة الفكر الإسلامي، الإسلام والفكر المعاصر، أسرار بسم
الله الرحمن الرحيم، الصلاة وأركان الإسلام، هذا هو الإسلام، المرأة كما أرادها
الله، لبيك اللهم لبيك، الإسلام والمرأة عقيدة ومنهج، الشورى والتشريع في الإسلام،
الطريق إلى الله، الإسراء والمعراج، القضاء والقدر، الإنسان والشيطان، مائة سؤال
وجواب في الفقه الإسلامي، قصيدة الباكورة، وغيرها من الكتب والأشرطة والمحاضرات
والندوات.
نماذج
من شعره
الشيخ الشعراوي
كان يقرض الشعر في مراحل متقدمة من عمره وله فيه قصائد في أغراض عديدة، ونورد فيما
يلي بعض النماذج المختارة:
يقول بمناسبة
الإسراء والمعراج:
يا ليلة
«المعراج» و«الإسراء» وحي الجلال
وفتنة الشعراء
الدهر أجمع أنت
سر نواله وبما
أتاك الله ذات رواء
فلك العلا دارت
عليك شموسه والشمس
واحدة من الإنشاء
من ذا الذي يحظى
بما استعصى على موسى
وعيسى صاحب الإحياء
لله عذراء تفيض
نضارة من ذا
الذي يحظى بتي العذراء
لا غرو أن كانت
كعاب محمد إن
العظيم يكون للعظماء
يا
فتاة الإسلام
قصرت أكمامًا
وشلت ذيولا هلا رحمت إهابك المصقولا
أسئمت من برد
الشتاء سجونه فطلبت
تحرير المصيف عجولا
وخطرت تحت غلالة
شفافة في فتنة تدع الحليم جهولا
محبوكة لصقت
بجسم مشرق دفعته ثورته فبان فصولا
هل قصر الخدان
في صرعاهما أم كان طرفك في الطعان كسولا
حتى استعنت على
القلوب بمغمد وجعلت
جسمك كله مسلولا
ألححت في عرض
الجمال وغرك الغرار
حتى أسمعوك فضولا
من نال منك رضًا
فأنت ملاكه ومن
انتهرت قسا فكان عزولًا
قالوا
عنه
يقول الشيخ د.
يوسف القرضاوي: «لقد فقـدت الأمة الإسلامية بموت الشيخ محمد متولي الشعراوي علمًا
من أعلامها وكوكبًا من كواكب الهداية في سمائها، فقدت رجلًا عاش عمره في خدمة
العلم وخدمة القرآن الكريم، وخدمة الإسلام، وموت العلماء لا شك مصيبة على الأمة
خصوصًا إذا تكرر فقدهم واحدًا بعد الآخر، وقد فقدنا في هذه الـفترة عددًا من هؤلاء
النجوم، فقدنا الشيخ محمد الغزالي، والشيخ خالد محمد خالد، والشيخ جاد الحق علي
جاد الحق، والشيخ عبد الله بن زيد آل محمود، والشيخ عبد الفتاح أبوغدة.
كان له دور كبير في إنشاء البنوك
الإسلامية بمصر كالمصرف الإسلامي الدولي وبنك فيصل الإسلامي
لقد رحل عنَا
رجل القرآن وهو الشيخ الشعراوي، فلا شك أنه كان أحد مفسري القرآن الكبار، وليس كل
من قرأ القرآن فهمه، ولا كل من فهم القرآن غاص في بحاره، وعثر على لآلئه وجواهره،
ولا كل من وجد هذه الجواهر استطاع أن يعبر عنها بعبارة بليغة، ولكن الشيخ الشعراوي
كان من الذين أوتوا فهم القرآن، ورزقهم الله تعالى من المعرفة بأسراره وأعماله ما
لم يرزق غيره، فله لطائف ولمحات وإشارات ووقفات ونظرات استطاع أن يؤثر بها في
المجتمع من حوله، وقد رزق الشيخ الشعراوي القبول في نفوس الناس فاستطاع بأسلوبه
المتميز أن يؤثر في الخاصة والعامة من المثقفين والأميين، في العقول والقلوب، وهذه
ميزة قلما يوفق إليها إلا القليلون، اتفق الناس مع الشيخ الشعراوي، واختلفوا معه،
وهذه طبيعة العلم والعلماء، لا يمكن أن يوجد عالم يتفق عليه الناس كل الناس:
ومن في الناس
يرضي كل نفس وبين هوى النفوس مدىً بعيد
كما قال الشاعر،
وقديمًا قالوا: «رضى الناس غاية لا تدرك»، والله تعالى يقول: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى
بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ {117} وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ
أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ {118} إِلاَّ مَن رَّحِمَ
رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ
مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (هود)، قال كثير من المفسرين: «ولذلك: أي للاختلاف خلقهم،
لأنه حين خلقهم، منح كلًا منهم حرية العقل وحرية الإرادة، وما دام لكل منهم عقله
الحر وإرادته الحرة، فلا بد أن يختلفوا، ولقد اختلف الناس من قبل على الرسل
والأنبياء واختلفوا على المصلحين والعظماء، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم
الله وجهه: «هلك فيّ اثنان: محبٌّ غالٍ، ومبغض غال» وهذه طبيعة الحياة.
ولقد عرفت الشيخ
الشعراوي وأنا طالب في المرحلة الثانوية، فقد درَّسنا حينما جاءنا مدرسًا للبلاغة
في معهد طنطا، وتسامعنا نحن الطلاب أن جاء الشيخ الشعراوي وهو مدرس عظيم وشاعر
عظيم، أما تدريسه فقد كان فعلًا مدرسًا جذابًا، كان يستطيع أن يوصل المعلومة إلى
طلابه بطريقته بالإشارة والحركة وضرب الأمثلة وغير ذلك.
نجح في إقناع كثير من الفنانات بالاعتزال
وارتداء الحجاب والتفرغ للعبادة والدعوة الإسلامية
ويقول د. محمد
عمارة: إن الشيخ الشعراوي -عليه رحمة الله- كان واحدًا من أعظم الدعاة إلى الإسلام
في العصر الذي نعيش فيه، والملكة غير العادية التي جعلته يطلع جمهوره على أسرار
جديدة وكثيرة في القرآن الكريم، وكانت ثمرة لثقافته البلاغية التي جعلته يدرك من
أسرار الإعجاز البياني للقرآن الكريم ما لم يدركه الكثيرون، وكان له حضور في أسلوب
الدعوة يشرك معه جمهوره ويوقظ فيهم ملكات التلقي، ولقد وصف هذا العطاء عندما قال:
«إنه فضل جود لا بذل جهد، رحمه الله وعوض أمتنا فيه خيرًا».
ويقول د. عبدالحليم
عويس: «لا ينبغي أن نيأس من رحمة الله، والإسلام الذي أفرز الشيخ الشعراوي قادر
على أن يمنح هذه الأمة نماذج طيبة وعظيمة ورائعة، تقرب على الأقل من الشيخ
الشعراوي، ومع ذلك نعتبر موته خسارة كبيرة، خسارة تضاف إلى خسائر الأعوام الماضية،
حيث فقدنا أساتذتنا الغزالي وجاد الحق وخالد محمد خالد وأخشى أن يكون هذا نذير
اقتراب يوم القيامة، الذي أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن من علاماته أن يقبض
العلماء الأكفاء الصالحون وأن يبقى الجهال وأنصاف العلماء وأشباههم وأرباعهم
فيفتوا بغير علم ويطوّعوا دين الله وفقًا لضغوط أولياء الأمور، ويصبح الدين منقادًا
لا قائدًا نسأل الله أن يجنب الأمة شر هذا، وأن يخلفها في الشيخ الشعراوي خيرًا».
ويقول د. محمود
جامع مؤلف كتاب «وعرفت الشعراوي» الذي اعتمدت عليه كثيرًا: «أيها الإمام الغالي
كانت رحلتي معك في الحياة منذ الأربعينيات هي رحلة الفرار إلى الله دائمًا، غذاؤنا
وزادنا القرآن، والقرآن تلاوة وحفظًا وترتيلًا وتفسيرًا سرًّا وعلانية، أفرادًا
وجماعات في مصر بمدنها وقراها وريفها وحضرها هي رحلة الجهاد في سبيل الله لتكون كلمة
الله هي العليا دون زيف أو بهتان.
عايشتك يا
إمامنا الغالي في الحلو والمر والليل والنهار، وتتلمذت على يديك الكريمتين
وأسقيتني بحنان وحب كؤوس العلم والمعرفة؛ في منهل القرآن والسُنَّة المطهرة
وعلمتني بيقين كيف يكون الصبر والاحتمال في سبيل الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله
وإن طريق الدعوة إلى الله دائمًا مليء بالأشواك والمحاذير والابتلاء، وعرفت طريقك
يا أستاذي جيدًا إلى ربك مبكرًا وأخذتني معك في رحابك الفسيحة الطاهرة وحنانك
الفياض، وكنت دائمًا ودائمًا تدعو وتدعو وتتضرع إلى رب العزة بكل قوة وثبات ويقين،
ونحن نردد من خلفك الدعاء من قلوبنا وأرواحنا: «اللهم إن هذه القلوب قد اجتمعت على
محبتك والتقت على طاعتك، وتوحّدت على دعوتك، وتعاهدت على نصرة شريعتك فوثق اللهم
رابطتها وأدم ودَّها، واهدها سبلها، واملأها بنورك الذي لا يخبو واشرح صدورها بفيض
الإيمان بك وجميل التوكل عليك وأحيها بمعرفتك وأمتها على الشهادة في سبيلك، إنك
نعم المولى ونعم المصير».
من
أقواله
«القدس درة
الإسلام والمسلمين وليتني أستطيع فعل شيء من أجلها، وما أتمناه من الله أن يمد في
عمري لكي أصلي بالمسلمين في بيت المقدس وهو محرر من أيدي اليهود الغاصبين فليس
عليه ببعيد، والتعنت الذي تقوم به الحكومة «الإسرائيلية» ليس سليمًا، والقضية ليست
قضية حرب وسلام ولكنها قضية شعب ضاعت حقوقه، وضاع قدسه ونحاول أن تعطينا الحكومة «الإسرائيلية»
المتعجرفة حقوقنا التي اغتصبوها، إنها لن تعيش في سلام مادامت نهبت حقوق الغير
وإذا لم نتفاهم لابد أن يجتمع العرب والمسلمون جميعًا ضد إسرائيل ولا بديل إلا
القوة، ولو كانت «إسرائيل» تريد السلام لأسرعت إليه ولكنها تفاوض على السلام من
جانب وتنقض المواثيق من جانب آخر، فهي تتفوه بالسلام وتعتقل الإخوة الفلسطينيين
وتهدم منازلهم في الوقت نفسه فضلًا عن بناء المستوطنات».
معرفتي
به
أول لقاء لي مع
الشيخ محمد متولي الشعراوي كان في إندونيسيا في مارس 1965م، حين حضوري مع الوفد
الكويتي للمؤتمر الإسلامي في «باندونج» وكنت مع الأخ عبد الرحمن الفارس، والأخ
محمد العمر، نمثل وفد دولة الكويت في المؤتمر المذكور، وكان الشيخ الشعراوي بصحبة
شيخ الأزهر الشيخ حسن مأمون لأنه كان مدير مكتبه آنذاك، وقد ألقى كلمة الوفود
الإسلامية الشيخ أحمد كفتارو مفتي سورية فبالغ بكلمته في الثناء على أحمد سوكارنو
المدعوم من الحزب الشيوعي الإندونيسي مما أغضبنا فعاتبناه على ذلك عتابًا شديدًا.
عندما كان وزيرًا للأوقاف دعته زوجة
السادات لإلقاء محاضرة على سيدات الروتاري.. وحين وجدهن كاسيات عاريات غادر القاعة
غاضبًا
وبعدها بسنوات
التقيت الشيخ الشعراوي في الكويت، حين قدم للموسم الثقافي، وكانت لنا معه حوارات
ومناقشات وطرائف ونكات بحضور إخواننا بوزارة الأوقاف وبخاصة شيخنا الفاضل حسن مناع
الذي كان يتبارى وإياه في الطرائف والنكت، فتوثقت الصلة فيما بيننا رغم أن ميول
الشيخ الشعراوي كانت مع حزب الوفد المصري ورئيسه مصطفى النحاس، الذي كان الشعراوي
يقبِّل يده، وأنا مع الإخوان المسلمين، ولكن كان يجمعنا العمل سويًّا لخدمة
المسلمين ونشر الإسلام وتبصير الأمة الإسلامية بما يحيكه الأعداء في الداخل
والخارج على حد سواء.
ثم تكررت
اللقاءات به في مصر والسعودية، وكان آخر لقاء لي معه بالقاهرة حين حضوري لمؤتمر
مجمع البحوث الإسلامية ممثلًا رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، وكان هناك لقاء
مختصر مع الرئيس حسني مبارك، ضمني مع الإخوة: عبد الوهاب عبد الواسع وزير الأوقاف
السعودي، والدكتور محمد عبده يماني وزير الإعلام السعودي السابق، والدكتور محمد
علي محجوب وزير الأوقاف المصري، والمشير عبد الرحمن سوار الذهب السوداني، وبعض
الوزراء المصريين وهذا آخر عهدي بالشيخ الشعراوي -رحمه الله- لكن مشاهداتي لبرامجه
التلفازية ما زالت مستمرة حتى بعد وفاته، لأنني أجد فيها فائدة متجددة وغوصًا على
معاني الآيات القرآنية على ضوء المعنى اللغوي: لأن القرآن الكريم نزل بلسان عربي
مبين، ولأننا درسنا في «رسالة التعاليم» الأصول العشرين لفهم الإسلام الصحيح،
ومنها قول الإمام الشهيد حسن البنا: «ويفهم القرآن الكريم طبقًا لقواعد اللغة
العربية من غير تكلف ولا تعسف»، وكان الشيخ الشعراوي يلتزم بهذه القاعدة من قواعد
الفهم وهو يفسر القرآن الكريم ويقربه بأسلوب سهل يدركه العامة والخاصة من الناس لا
في مصر وحدها، بل على مستوى العالم العربي والإسلامي وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
مواقفه
وآثاره
كان الشعراوي
صاحب دور كبير في إقناع كثير من الفنانات بالاعتزال والانسحاب وارتداء الحجاب
والتفرغ للعبادة والدعوة الإسلامية وعمل الخير وتحفيظ القرآن الكريم وحفظه
وتجويده، وأفتى بأن فلوس الفن حرام، وممن هداهن الله على يديه من الفنانات:
«شادية، ياسمين، شمس، سهير، عفاف، هناء، كاميليا، هالة، مديحة، شهيرة، نسرين،
وغيرهن كثيرات من الوسط الفني والحمد لله».
أمر السادات بإيقاف تسجيلاته بناءً على
احتجاج صهيوني لأنه يهاجم اليهود في تفسيره للقران الكريم
كان الشيخ
الشعراوي أول من طور الملابس الأزهرية، فكان لا يعجبه لبس القفطان المشقوق من
الأمام فذهب إلى الترزي وطلب منه ألا يكون القفطان مفتوحًا وأن يكون مخيطًا ثم صمم
لنفسه طاقية يلبسها بدل العمامة وطربوشها.
بعد هزيمة يونيو
1967م سجد الشيخ الشعراوي شكرًا على الهزيمة، بينما كان الناس في مصر في شبه مأتم
وقلوبهم دامية وعيونهم باكية في ذلة وانكسار بسبب انتصار اليهود الساحق نتيجة
لسياسة عبد الناصر الخرقاء وخططه الغبية التي وصفها الشعراوي بقوله: «كانت عملية
فتونة غبية طائشة غير محسوبة من عبد الناصر»، واعتبر الشعراوي أن الهزيمة جاءت
لتصويب الأخطاء التي ارتكبها عبد الناصر ومن معه.
كتب توفيق
الحكيم مقالًا في جريدة «الأهرام» عنوانه «حديث مع الله» وحين قرأ الشعراوي
العنوان ثار ثورة عارمة وأرسل ردًا مكتوبًا إلى جريدة الأهرام ليصحح عقيدة توفيق
الحكيم ويعلمه أدب الحديث، ويبين له خطأه في العنوان، وأنه كان الأجدر به أن يكتب
«حديث إلى الله» وليس «مع الله» وحدثت مبارزة كلامية وكتابية، وأخيرًا صحح توفيق
الحكيم نفسه بناء على نصيحة الشيخ الشعراوي واعتذر.
أثناء وجود
الشعراوي في فندق الحرم في مكة المكرمة سمع صوت السيدة الفنانة تحية كاريوكا وقد
أراد الله لها التوبة في آخر سنوات حياتها، وأخذت تتعبد وتتقرب إلى الله وتؤدي
فرائضه وتفعل الخير في سبيل الله، فقالت: أنا الفنانة السابقة تحية كاريوكا أريدك
يا شيخ شعراوي أن تدعو لي فدعا لها دعاءً حارًّا وهي تبكي من أعماق قلبها من خشية
الله.
في إحدى المرات،
دعت السيدة جيهان زوجة السادات الشيخ الشعراوي لإلقاء محاضرة على مجموعة من سيدات
الروتاري في مصر الجديدة، فاشترط الشعراوي أن يكن جميعًا محجبات، ووافقت جيهان،
ولكنه حين ذهب «وكان وزيرًا للأوقاف» وجدهن كاسيات عاريات فغادر القاعة غاضبًا،
وقال لها: «تقدري حضرتك تقومي بالمهمة بدلًا مني»، فأسقط في يدها، وواجهت حرجًا
شديدًا وحقدًا على الشيخ، وظلت تهاجمه وتهاجم الأستاذ عمر التلمساني المرشد العام
للإخوان المسلمين وبخاصة حينما هاجمتها مجلات الحائط بالجامعات المصرية على إثر
ظهورها بالتلفاز وهي تراقص الرئيس الأمريكي «كارتر» وهو يقبلها ومن قبله كان تقبيل
الرئيس اليهودي «بيجن» لها، ونشرت تلك الصور في مجلة «بلاي بوي الجنسية» مع حديث
لها في المجلة نفسها. وقد شنَّ عليها الداعية الكبير الشيخ أحمد المحلاوي في مسجده
في الإسكندرية حملة عنيفة ووصفها بأنها «سيئة مصر»، وليست سيدة مصر، مما جعل
السادات يخطب في مجلس الشعب المصري ويعلن عن اعتقال الشيخ المحلاوي وقال عنه: «إنه
مرمي زي الكلب في السجن لأنه هاجم زوجتي على المنبر» وعلى إثرها أرسل الشيخ
الشعراوي برقية للسادات قائلًا له: «الرئيس أنور السادات رئيس الجمهورية: إن الأزهر
الشريف لا يخرج كلابًا، ولكنه يخرج علماء أفاضل ودعاة أمجادًا».
من أقواله: القدس درة الإسلام والمسلمين..
وأتمنى أن يمد الله في عمري لكي أصلي بالمسلمين في بيت المقدس بعد تحريره
يقول الدكتور
محمود جامع: «أما الشعراوي فقد أحب الإمام حسن البنا واحترم آراءه وانضم للإخوان
المسلمين تحت قيادته رغم أنه كان وفديًّا محبًا للوفد وزعيمه مصطفى النحاس، ولكن
دعوة الإخوان المسلمين ومبادئها جذبته علاوة على جاذبية الإمام البنا، كما أن صلته
بدعاة الإخوان كالشيخ الباقوري، والشيخ أحمد شريت، والشيخ محمد الغزالي، والشيخ
سيد سابق وغيرهم لم تنقطع، والذي لم يعرفه الشعراوي أن الإمام البنا رد على النحاس
باشا حين اعتبر «أتاتورك» المثل الأعلى وتركيا الحديثة هي القدوة، مع أن أتاتورك
هو الذي أسقط الخلافة الإسلامية بتركيا وأقام الدولة العلمانية».
أمر السادات
بإيقاف تسجيلات الشيخ الشعراوي بناء على احتجاج «إسرائيل» لأنه يهاجم اليهود في
أحاديثه في تفسير سورة البقرة وآل عمران والإسراء وغيرها، ويؤلب المسلمين على
اليهود، وهذا من وجهة نظر «إسرائيل» ضد معاهدة السلام التي أبرمها السادات، كما أن
الصحف الأمريكية نشرت المقالات عن الشيخ الشعراوي، وقالت: أسكتوا هذا الرجل. وقال
وزير التعليم «الإسرائيلي» «هامير»: لا أمل أن يتحقق السلام بين مصر و«إسرائيل»
إلا إذا حذف المصريون الآيات القرآنية التي تهاجم اليهود.
كان للشيخ
الشعراوي دور كبير في إنشاء البنوك الإسلامية بمصر كالمصرف الدولي الإسلامي
للاستثمار، وبنك فيصل الإسلامي، حيث إن الدكتور حامد السايح وزير الاقتصاد
والمالية المصري وقف في مجلس الشعب وأشاد بتجربة التعامل بأحكام الشريعة الإسلامية
في الاقتصاد المصري، وفوض الشيخ الشعراوي بذلك، بينما كان وزير الداخلية زكي بدر
يصلي الجمع في المساجد ثم يقف أمام الميكرفون بعد الصلاة ويهاجم البنوك والشركات
الإسلامية، ويتهم القائمين عليها باللصوص ويسبّ الشيخ الشعراوي.
وفاته
توفي فضيلة
الشيخ محمد المتولي الشعراوي يوم الأربعاء 22 صفر 1419هـ، 17/ 6/ 1998م، ودفن بمصر،
رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، وحشرنا الله وإياه مع النبيين،
والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا، والحمد لله رب العالمين.